تزايد حضور المرأة أكثر من أي وقت مضى في كل الجوانب المختلفة، كسرت الكثير منهن حاجز العادات والتقاليد التي كانت تحتكر الكثير على فئة معينة، على سبيل المثال الأعمال خارج محيط المنزل.
وتكابد المرأة اليمنية ظروفًا قاسية، أفرزتها الحرب التي تدخل عامها السابع، فهي اليوم تعزز حضورها في مختلف المجالات، منها إدارة المشاريع الصغيرة التي تنمي من مهاراتها وترسخ دورها في المجتمع.
هموم وعبء كبير تتحمله المرأة التي وجدت نفسها تواجه تبعات الحرب المستمرة من غلاء وفقر وأوبئة في المدن والقرى ومخيمات النزوح.
وبالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة نظمت "مؤسسة فتيات مأرب" (غير حكومية)، بالتعاون مع مكتب الصناعة والتجارة بالمحافظة "البازار الأول لسيدات الأعمال" في مأرب، الذي زارته "خيوط"، وعلى هامشه التقت بنماذج رائدات في المشاريع الصغيرة، في محافظة تشهد أطرافها مواجهات مسلحة منذ أكثر من شهر.
مشاريع في زمن الحرب
يتضمن المعرض الترويجي 50 مشروعًا من فئة المشاريع الصغيرة والإنتاجية والخدمية، فيما يهدف إلى النمو والتطور وتمكين المرأة اليمنية من تنفيذ مشاريعها الرائدة، في سبيل تحمل تكاليف المعيشة، وبما من شأنه المساهمة في تحسن الاقتصاد الوطني.
تؤكد إنتصار القاضي، المدير التنفيذي لمؤسسة فتيات مأرب، أن تواجد النازحين ساهم في إحداث تغيير جذري في ثقافة المجتمع المأربي، والمرأة خصوصًا، وانخراطها في سوق العمل بشكل أكبر، وكسر للعادات والتقاليد
رفعة سالم الصهري، من مديرية الجوبة التابعة لمحافظة مأرب، إحدى المشاركات في المعرض تؤكد لـ"خيوط"، أنها بدأت في 2011 برأس مال بسيط في تصميم وخياطة وتطريز الملبوسات النسائية، حيث قامت بشراء ماكينة خياطة يدوية وكاوية. وللحرب والغلاء في مأرب منحى آخر أثر على حياتها ومشروعها الصغير، فهذا المشروع هو الدخل الوحيد والعائد عليهم، تقول.
تعيَّل "رفعة" ثمانية من إخوانها من ذوي الاحتياجات الخاصة (ثلاثة ذكور وخمس إناث)، ووالدها العاجز، حيث لا يغطي راتبه التقاعدي حاجتهم في توفير متطلبات العيش.
"المشروع يُدر علينا دخلًا ماليًّا محرزًا" تقول "رفعة"، موضحةً أنه يعينها على العيش ومساعدة أسرتها بعد أن أصبح لديها زبائن في محيط قريتها في الجوبة، وترسل بعضًا من أعمالها إلى داخل المدينة، الذي يستغرق منها أيامًا ولياليَ في إتمام قطع الملابس، وتتفاوت سعر قطعة الملابس ما بين (7 - 8) ألف ريال يمني (20 - 25 دولارًا).
من جانبها تشير إنتصار القاضي، منسقة المشروع والمدير التنفيذي لمؤسسة فتيات مأرب، في حديثها لـ"خيوط"، إلى أن هذا المعرض يعد الأول في تاريخ محافظة مأرب للسيدات، والذي شاركت فيه نحو 30 امرأة.
تنوه القاضي، أن هذا الحدث يعتبر تغيرًا في نمط "المرأة المأربيّة" وتجربة فريدة، فعمل المرأة في مأرب سابقًا، كان بمعزل عن الجميع وضمن محيط المنزل والحي الذي تقطنه.
وأجبرت تداعيات الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة وتردي الأوضاع المعيشية المرأة، ليس فقط في مأرب بل في مختلف المحافظات اليمنية، على تعزيز وتحمل دورها لمكافحة شظف العيش الذي أصاب اليمنيين.
تضيف القاضي في هذا الخصوص، أن تواجد النازحين ساهم في إحداث تغيير جذري في ثقافة المجتمع المأربي، والمرأة خصوصًا، وانخراطها في سوق العمل بشكل أكبر، وكسر للعادات والتقاليد.
تطمح "إنتصار القاضي" إلى العمل على مشاريع مستقبلية لدعم مشاريع وأعمال المرأة، وخاصة الأعمال اليدوية، والعمل على تطوير الإمكانيات المتاحة، إذ إن المرأة في مأرب قادرة على الإبداع والعمل وتحدي كافة الظروف بما يضمن لها حياة كريمة.
إبداع المرأة اليمنية
تميل الكثير من النساء إلى العمل في مشاريع صغيرة وغير مكلفة ولا تتطلب رأس مال كبير. قبل ثلاث سنوات أنشأت دعاء عوض حسابات لها في مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، واتساب)، وتركزت أعمالها في تصوير الحفلات والمناسبات وتصاميم وهدايا وميداليات وجداريات، وما إلى ذلك.
أصبح لدى دعاء، كما تؤكد لـ"خيوط"، عدد لا بأس به من الزبائن، وغالبية أعمالها تتم حسب الطلب، في مواسم الأعراس أو المناسبات.
تنجز أعمالها في منزلها، وتجني دخلًا ماليًّا جيدًا؛ حيث إنها لا تمتلك محلًّا قد تضطر من خلاله إلى تسديد إيجاره شهريًّا، في ظل الأسعار الباهظة للعقارات في مأرب.
لكنها تطمح إلى توسيع نشاطها من خلال فتح محل جديد في الأشهر القادمة، حتى يتسنى لها تحسين وضعها المالي إلى القدرة التي يسمح لها بتغطية تكاليف الإيجار والتوفيق ما بينه وبين المنزل، إذ يمكن للمحل المساهمة في زيادة تدفق الزبائن وتحسين جودة العمل.
وترى دعاء أن الحرب تركت تداعيات مؤثرة على اليمنيين، حيث ساهمت في صناعة مبدعين، خصوصًا لدى المرأة، إذ صقلت إبداعها ومواهبها، وخلقت حراكًا إنتاجيًّا لافتًا في المجتمع، فعمل الزوج -وفق دعاء عوض- مهما كان دخله، لا يفي بالغرض، حيث إن انحدار العملة اليمنية قد تسبب في غلاء معيشي فاق قدرات الكثيرين منذ بداية الحرب قبل نحو ست سنوات، فالحياة في الأخير تعاون وشراكة بين الرجل والمرأة.
مشاريع لإبراز الهُوية اليمنية
في زاوية المعرض، كان التراث والهوية اليمنية حاضرة وزاخرة تتوج جمال وهيئة البازار الأول لرائدات الأعمال في مأرب.
في هذا السياق، ركزت ياسمين حميد على هذه الجوانب التراثية الأصيلة، إذ أطلقت على مشروعها عنوان "تراثنا هويتنا" للحفاظ -كما تقول- على التراث والهوية اليمنية من التجريف.
وتنوعت الأزياء والموروثات الشعبية في مشروع ياسمين في المعرض، إذ جسدت من خلاله فكرة "اليمن الاتحادي"، قسمت كل لون ملبوس لكل الأقاليم الستة (آزال – الجند - تهامة – سبأ – حضرموت - عدن).
يركز هذا المشروع اللافت على العمل في تصميم وترويج الأزياء الشعبية، فيما يحذو ياسمين طموح كبير في توسيع وترويج فكرتها ومشروعها إلى خارج اليمن، المتضمنة الموروثات الشعبية والأزياء والعادات والتقاليد الأصيلة. كما تهدف إلى تعزيز مشروعها داخل مأرب خلال الأيام القادمة بشكل دائم من خلال فتح محل للأزياء الشعبية والموروث الثقافي اليمني.