نتائج حرب السنوات الثمان

النظم الاجتماعية والاقتصادية في اليمن على حافة الهاوية
د. إحسان شاهر
December 15, 2023

نتائج حرب السنوات الثمان

النظم الاجتماعية والاقتصادية في اليمن على حافة الهاوية
د. إحسان شاهر
December 15, 2023
.

في 11 فبراير من عام 2011، قامت ثورة سلمية ضد نظام علي عبدالله صالح، وتسببت في انقسام كبير في المجتمع اليمني بين مؤيد ومعارض لها، واستمر الصراع بين الطرفين إلى أن استطاع الحوثيون (أنصار الله) بالتحالف مع الرئيس علي عبدالله صالح من إسقاط العاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر من عام 2014، والسيطرة على معظم المحافظات الشمالية، بينما بقيت معظم أجزاء محافظتي مأرب وتعز تحت سيطرة حزب الإصلاح، وسيطرت المقاومة الجنوبية بكل مكوناتها على كل المحافظات الجنوبية، وما زال الوضع على هذه الشاكلة حتى هذه اللحظة.

ومع أن التدخل السعودي والإماراتي في اليمن، الهادف -كما كان معلنًا- إلى دعم نظام هادي، قد أُعلن في 25 مارس من عام 2015، فإن البداية الفعلية للحرب في اليمن ترجع إلى عام 2014، وما زالت حتى الآن، وإن كان نطاقها، في الآونة الأخيرة، قد أخذ في التقلص بفعل المساعي الدولية والعربية الرامية لوضع نهاية للحرب والانتقال إلى مسار التسوية السياسية.

وكان من الطبيعي أن تؤثر كل تلك الأحداث السياسية العاصفة على الوضع الاقتصادي تأثيرًا كارثيًّا، وبخاصة بعد تشظي الدولة الواحدة إلى عدة كيانات سياسية متصارعة، تطغى عليها العصبيات الجهوية والطائفية.

إنّ إحدى النتائج الخطيرة التي أفضت إليها الحرب في اليمن، هي استخدام الاقتصاد كأداة من أدوات الحرب، وأول إجراء في هذا السياق اتخذ من قبل عبد ربه هادي، حيث أصدر في 18 سبتمبر من عام 2016، قرارًا بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا انقطعت الرواتب عن مليون ومئتَي موظّف في المناطق التي يحكمها "الحوثيون". 

ورفضت الحكومة الشرعية رفضًا قاطعًا صرف رواتب العاملين في الخدمة العامة في المناطق الخاضعة لحكومة صنعاء، إلا إذا وافقت هذه الحكومة على توريد إيرادات مؤسّسات الدولة، في تلك المناطق إلى البنك المركزيّ، ولكن حكومة صنعاء رفضت هذا الشرط جملة وتفصيلًا. 

وقد أدّى انقطاع الرواتب إلى تسريع عملية الانهيار الاقتصادي؛ لأنه دفع بملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة، وأدّى ذلك إلى انكماش دخل اليمنيين العاملين في التجارة والخدمات المختلفة، وجرف الإفلاس الكثير من هؤلاء إلى خارج الحياة الكريمة.

ومن العوامل التي أثرت تأثيرًا خطيرًا على الحياة الاقتصادية في اليمن؛ الانقسامُ النقدي في البلاد، الذي نشأ على إثر قرار اتخذته حكومة صنعاء في عام 2019، والذي يقضي بحظر الطبعة الجديدة من العملة اليمنية، بحجة مكافحة التضخم.

على هذا النحو، يتضح أن قرار نقل البنك المركزي من صنعاء، الذي كانت غايته تجفيف الموارد المالية للحوثيين، أدّى، في الواقع، إلى انقطاع علاقته الاقتصادية بالمساحة الجغرافية الخاضعة لهم، وعمّق الانقسام السياسي للبلاد. 

وإلى نفس النتائج، أفضى قرار حكومة صنعاء بحظر الطبعة الجديدة من العملة اليمنية، التي أصدرها البنك المركزي في عدن، حيث ترتب على ذلك انكماش التحويلات المالية والتبادل التجاري بين المناطق التي تديرها هذه الحكومة والمناطق الخاضعة للشرعية. 

لا تسمح حدود هذه المقالة بالخوض في كل التداعيات الاقتصادية المترتبة على الحرب، وستكتفي هنا بذكر بعض النتائج، وأولها متعلقة بإجمالي الناتج المحلي، حيث إنه وفقًا لتقرير وزارة التخطيط والتعاون الدوليّ اليمنيّة، "انخفض إجمالي الناتج المحليّ في اليمن بنسبة 14.4% في عام 2017، ويعني ذلك -إذا أضيف إلى الانكماش بنسبة 15.3% سنة 2016، و17.6% سنة 2015- خسارة بنسبة 40.5% في النشاط الاقتصاديّ منذ بداية الحرب". 

 

وفي هذا الصدد، من المهم أن نشير إلى تراجع إنتاج النفط في اليمن؛ "ففي الأشهر الأخيرة في عام 2014، كان اليمن ينتج 125 ألف برميل يوميًّا من الخام من أحواض المسيلة ومأرب وشبوة، لكن الصادرات توقفت تمامًا بمجرد بدء القتال في عام 2015.

وفي عام 2017، تم استئناف إنتاج النفط في اليمن، لكن الصادرات كانت متقطعة، وتتأرجح بصورة كبيرة من شهر إلى آخر من 18 ألف برميل يوميًّا إلى 81 ألف برميل يوميًّا، وفقًا لحسابات غلوبال بلاتس".

والنتيجة الثانية التي نودّ الإشارة إليها هنا، متعلقة بتزايد معدل التضخم السنوي في اليمن، حيث "ارتفع إلى 45% في نهاية عام 2021، مقابل 35% في عام 2020، مسجّلًا أعلى مستوياته على الإطلاق في عام واحد، بينما شهد الميزان الكلي للمدفوعات عجزًا كبيرًا مع استمرار الحرب الدامية في البلاد للعام الثامن على التوالي". 

وارتباطًا بذلك، ارتفعت أسعار السلع والخدمات، حيث "بلغ معدل ارتفاع الأسعار خلال عام 2021، "نحو 111% مقارنة مع 30% في العام السابق، تحت تأثير تدهور قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية في سوق الصرف، والتي وصلت حينها إلى مستويات غير مسبوقة، لينعكس ذلك مباشرة على أسعار السلع الغذائية الأساسية المستوردة والتي تمثل حوالي 90% من إجمالي الغذاء المستهلك في اليمن". 

كل تلك التغيرات ولدت نتائج اجتماعية كارثية، وأولها تزايد عدد النازحين. وفي هذا الصدد، تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأنه حتى عام 2022 "لا تزال اليمن واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. وبعد سبع سنوات من صراع ضارٍّ ولا هوادة فيه، يعتمد حوالي 23.4 مليون يمني (73% من سكان البلاد) على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء، بمن في ذلك 4.3 مليون نازح داخلي. وتحتل البلاد المركز الرابع عالميًّا من حيث أكبر عدد من النازحين داخليًّا جراء الصراع".

حل كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية غير ممكن دون تسوية سياسية، تقوم على تصور واضح لشكل الدولة اليمنية، وشكل ونوع النظام السياسي، ودون دعم اقتصادي خارجي وبرامج اقتصادية واجتماعية مدروسة لإنعاش الحياة الاقتصادية وتحسين حياة المجتمع.

وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأن تصاعد الصراع واستمرار انعدام الأمن، والعقوبات، وانهيار الاقتصاد، قد "أدّى إلى دفع ما يقدر بنحو 80% من السكان تحت خط الفقر. ولا تزال بيئة الحماية في جميع أنحاء البلاد غير مواتية، ولا يزال المدنيون يتحملون وطأة الصراع". 

إذا أخذنا بعين الاعتبار كل الأسباب الاقتصادية، المذكورة سابقًا، يمكن القول، من باب التقدير، بأن 95% من سكان البلاد يعيشون في خط الفقر وما تحت خط الفقر، وأن الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة معًا يشكلان تقريبًا 5% من مجمل التركيبة السكانية.

فضلًا عن ذلك، ازداد عدد العاطلين عن العمل، وفي هذا الصدد أكّدت دراسة حديثة ممولة من اليونيسف، أن معدلات البطالة في اليمن ارتفعت إلى مستويات كبيرة، حيث وصلت في عام 2020 إلى "32% من إجمالي القوى العاملة، متجاوزة نصف ما كانت عليه عام 2014، والبالغة 13.5%".

وخليق بنا أن نتطرق لتأثير الحرب على الأطفال، فوفقًا لرأي اليونيسف في عام 2022، "لا يزال اليمن إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج نحو 11 مليون طفل إلى شكل أو أكثر من أشكال المساعدة الإنسانية.

بعد 8 سنوات من النزاع، لا تزال النظم الاجتماعية والاقتصادية الوطنية في اليمن على حافة الهاوية؛ وقد أضحت الأُسر عرضة لانتشار الأمراض المعدية، بسبب النزاع والتهجير واسع النطاق، وتكرر الصدمات المناخية. ويفتقر ملايين الأطفال إلى المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية. ولا يزال البلد يعاني من فاشيات متعاقبة من الكوليرا والحصبة والخناق (الدفتيريا) وغيرها من الأمراض التي تسهل الوقاية منها باللقاحات". 

وفيما يتعلق بعدد القتلى في الحرب، "قدرت الأمم المتحدة بأن عدد ضحايا النزاع في اليمن سيصل إلى 377,000 شخص في نهاية عام 2021. وكان بين القتلى بأسباب مباشرة، أكثرُ من 6,872 مدنيًّا".

وفي تقديري، أن عدد قتلى الحرب في اليمن قد وصل في عام 2023 إلى نصف مليون شخص تقريبًا، وترك هؤلاء وراءهم عشرات الآلاف من الأيتام. وفي هذا الصدد، تفيد «مؤسسة اليتيم» بأن الأحداث الدامية من عام 2015 إلى عام 2017 فقط "خلفت ما يزيد على 79 ألفًا و199 يتيمًا ليتجاوز بذلك إجمالي عدد أيتام اليمن مليونًا و100 ألف".

ولنا أن نتخيّل عدد أرامل الحرب اليمنية؛ وهي مشكلة اجتماعية كبيرة، لا يستطيع أن يحلها صندوق الرعاية الاجتماعية، أو أية مؤسسات خيرية أخرى في البلاد، ومما يفاقم من حدة هذه المشكلة هو أنّ الغالبية الساحقة من أرامل الحرب تنحدر من أسر فقيرة وغير متعلمة.

وفي سياق الحديث عن الآثار الاجتماعية للحرب، لا بد من الإشارة إلى أثر الحرب على النسيج الاجتماعي، الذي هو عبارة عن جملة العلاقات بين أفراد المجتمع، وهو في يمن اليوم في أسوأ حالته؛ لأنّ الحرب ولّدت نوعًا من التباغض وعدم الثقة بين سكان المناطق المتحاربة، ويتجسد ذلك عمليًّا في سيادة التمييز في المعاملات والتوظيف.

إن حل كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، التي تطرقنا إليها سابقًا، غير ممكن دون تسوية سياسية، تقوم على تصور واضح لشكل الدولة اليمنية، وشكل ونوع النظام السياسي، ودون دعم اقتصادي خارجي، وبرامج اقتصادية واجتماعية مدروسة؛ لإنعاش الحياة الاقتصادية وتحسين حياة المجتمع.

•••
د. إحسان شاهر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English