بريطانيا تخرب في الظل

استعانت بالاستخبارات الإسرائيلية لنقل السلاح للملكيين
October 13, 2024

بريطانيا تخرب في الظل

استعانت بالاستخبارات الإسرائيلية لنقل السلاح للملكيين
October 13, 2024
الضابط البربطاني بوب دينار مع أحد الملكيين

ترجمة: د. أحمد سنان

نشر الموقع الإلكتروني لمجلة (إزفيستيا) الخاصة بجامعة تومسك للأبحاث الوطنية الروسية، في أغسطس 2024، دراسة للبروفيسور فلاديمير بيتروفيتش روميانتسيف- رئيس قسم الدراسات الشرقية، حول: العمليات السرية البريطانية في اليمن (1962-1964). نقدم هنا مقتطفات من هذه الدراسة.

شكّلت ثورة 23 يوليو المصرية قلقًا وكابوسًا لبريطانيا العظمى، وتفاقم القلق بالاعتراف المصري السريع بالجمهورية العربية اليمنية، ومن ثم مباشرة تقديم المساعدة العسكرية لدعمها. كان القلق البريطاني نابعًا من احتمال فقدان وجودها في المنطقة، ومن مخاوف انتقال العدوى القومية، التي تجسّدت في شخص جمال عبدالناصر إلى (اتحاد الجنوب العربي ومستعمرة عدن)، كما أن بريطانيا لم تنسَ إخفاقها بعد أزمة السويس عام 1956، في الإطاحة بالرئيس المصري، لقد "كانت المملكة المتحدة مصممة على منع تعزيز نفوذ ناصر في العالم العربي، وخاصة في (الجنوب العربي)، حيث كانت تقع مستعمرة عدن البريطانية". كما بينت أزمة السويس عام 1956، حاجة الغرب "إلى البحث عن أشكال جديدة للسيطرة على إنتاج ونقل النفط من منطقة الخليج...". 

مرآب الأمير

لقد بدا الوضع لبريطانيا "كما لو أن أسوأ التوقعات بشأن رغبة جمال عبدالناصر لبسط السيطرة المصرية على كامل جنوب الجزيرة العربية قد تحققت، ولم يكن إنشاء الجمهورية العربية اليمنية سوى الخطوة الأولى على هذا الطريق، ثم يأتي الدور على عدن. على سبيل المثال، يبدو قلق هارولد ماكميلان مرئيًّا بوضوح على صفحات مذكراته. حيث أشار رئيس الوزراء البريطاني مرات عدة إلى الحاجة إلى استعراض القوة؛ الأمر الذي ينبغي أن يكون له تأثيرٌ تنبيهي على السلطات الجمهورية في صنعاء والقاهرة". القلق لم يعترِ بريطانيا فقط، بل شاركها فيه أمراء وسلاطين الجنوب التي كانت تحت الحماية البريطانية. وقد أثار السلاطين مسألة تعزيز الاتحاد بالمجندين. على أنّ الجيش البريطاني نفّذ "ضربات وقائية على مواقع الجيش الجمهوري للعربية اليمنية. وتلقى الملكيون بالفعل بعض المساعدة. وكتب الممثل الرسمي لحكومة صاحبة الجلالة في (اتحاد الجنوب العربي)، روبن يونغ، في مذكراته بتاريخ 8 أكتوبر 1962، أن الشريف حسين "أمير" بيحان، تلقى 500 بندقية وذخيرة و20 ألف جنيه إسترليني نقدًا من المخابرات البريطانية MI6. من الواضح أنّ هذا المبلغ كان مخصصًا للأمير شخصيًّا كدفعة مقابل ولائه، كما تؤكد عبارة روبن يونغ في مذكراته: "بعد انتهاء كل شيء، أجرؤ على القول إن الشريف لن يمتلك سيارة رولز رويس واحدة فحسب، بل مرآبًا كاملًا!". 

أصبحت مشاركة لندن السرية في العمليات التخريبية جزءًا من تقاليد الحفاظ على نفوذ التاج البريطاني في الشؤون العالمية، ودون الإعلان بشكل خاص عن أنشطتها في إعداد وتوريد وتعديل الغارات على أراضي الجمهورية العربية اليمنية.

صقور عدن

تشكلت داخل الحكومة البريطانية جماعة صقور عرفت بـ"جماعة عدن"، وضمّت "شخصيات مهمة، مثل وزير المستعمرات دنكان سانديز، ووزير الدفاع بيتر ثورنيكروفت، ووزير الطيران جوليان إيمري، وقد أثرت على سياسة المملكة المتحدة. وشاركها وجهات نظرها حاكم عدن، تشارلز جونستون. اعتقدت الجماعة أن انتصار الجمهوريين في اليمن، سيؤدي إلى تسريع طرد البريطانيين من عدن، وسيتبع ذلك سلسلة من ردود الفعل في مسقط والبحرين وقطر والكويت، وسيتم تدمير أسس سياسة المملكة المتحدة النفطية في الشرقين الأدنى والأوسط، وأن مقاومة تصرفات جمال عبدالناصر ستسمح بالانتقام منه فيما يتعلق بأزمة السويس، حيث إنّ هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن اليمن سيصبح فخًّا للزعيم المصري"، وأنّ الأعمال التخريبية هي أفضل وسيلة لاحتواء الزعيم المصري في (الجنوب العربي). 

كان (ويتهول) يفضّل الأعمال التخريبية السرية بسبب: أولًا- أرادت بريطانيا تجنب الاتهامات بأنها شنت حملة عسكرية استعمارية كلاسيكية أخرى. فقد كانت المشاعر المناهضة للاستعمار في الأمم المتحدة في أوج قوتها، ورد الفعل هناك لن يخدم المصالح البريطانية. ثانيًا- برزت خلافات واضحة مع الولايات المتحدة بشأن مسألة الاعتراف بالجمهورية العربية اليمنية. ولم تكن واشنطن ترى سببًا لرفض الاعتراف بالنظام الجمهوري في صنعاء، بعد حصول النظام الجديد على اعتراف دولي مبكر وواسع، وبعد تقديم المقترح المصري بهذا الصدد للأمم المتحدة، وأيّدته الدول الشيوعية والكتلة الأفروآسيوية، سارعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة معًا في الاعتراف بالحكومة الجمهورية، وكان الاتحاد السوفيتي ومصر وكلٌّ من: دولة الكويت ولبنان وسوريا والعراق والسودان والجزائر وتونس، قد اعترف بالثورة في أيامها الأولى، بينما لم تكن لندن في عجلة من أمرها لاتخاذ مثل هذه الخطوة، وشاركتها السعودية والأردن هذا الموقف. لقد اعتقدت واشنطن أن المواجهة المفتوحة بين بريطانيا وعبدالناصر يمكن أن تؤدي إلى "تعقيد عملية إقامة حوار بنّاء بين واشنطن والقاهرة، كانت تسعى إليه إدارة جون كينيدي".

وأخيرًا، ثالثًا- "أصبحت مشاركة لندن السرية في العمليات التخريبية جزءًا من تقاليد الحفاظ على نفوذ التاج البريطاني في الشؤون العالمية، ودون الإعلان بشكل خاص عن أنشطتها في إعداد وتوريد وتعديل الغارات على أراضي الجمهورية العربية اليمنية، احتفظت بريطانيا العظمى بأهميتها بالنسبة لأمراء وسلاطين (الجنوب العربي)".

عندما أخفقت بريطانيا في الحصول على حق استخدام مطارات الأردن وجيبوتي لنقل الأسلحة والمعدات المخصصة للقوات المناهضة للحكومة في الجمهورية العربية اليمنية ومدربيها البريطانيين، لجأت سرًّا إلى المخابرات الإسرائيلية طلبًا للمساعدة.

المساعدة الإسرائيلية

إذا كان جمود الحرب الأهلية الحالية في اليمن، يوافق هوى في نفس بعض الأطراف، فإنه في ذلك الزمن أيضًا كان "يناسب لندن؛ فقد أجبر ذلك عبدالناصر على التعمق أكثر في الصراع اليمني، ولم تتبقَّ له الموارد ولا الوقت لممارسة الضغط على بريطانيا في أجزاء أخرى من الشرق العربي". وهكذا، "في 28 مارس 1964، ولأول مرة منذ بداية الحرب الأهلية في اليمن، نفذت القوات الجوية البريطانية غارة على الأراضي اليمنية، فقصفت مدينة حريب، ممّا أدّى إلى مقتل العديد من المدنيين. وحتى ذلك اليوم، تم استخدام الطائرات الهجومية البريطانية فقط على أراضي (اتحاد الجنوب العربي) لقمع الجيوب المقاومة لسلطات المحميات. وحقيقة أن هذه الغارة جاءت ردًّا على غارة جوية مصرية على بيحان لم تغير كثيرًا في الأمر. وقد تسبب قصف حريب في رد فعل عنيف في الأمم المتحدة وحتى داخل المملكة المتحدة. وانتقدت صحيفةُ صنداي تايمز بشدة تصرفات الحكومة".

ويرى الباحث أنه "يجب أن يكون مفهومًا أنّ الحرب الأهلية في اليمن لم تكن مشابهة لصراع مماثل، على سبيل المثال، في إسبانيا في 1936-1939. في جنوب شبه الجزيرة العربية لم يكن هناك تقسيم واضح للجبهات، ولم يكن هناك فهمٌ واضح للانتماء الإقليمي للمنطقة، لمعسكر أو آخر". ولم يحقق الملكيون أيَّ اختراق في المواجهة يمكّنهم من الاستيلاء على مناطق جمهورية، "لقد خاضت بريطانيا الحرب بمساعدة بيانات المقر الرئيسي أكثر من استخدام الأسلحة. في الهجوم الملكي الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة النطاق في يونيو 1964، لم تكن هناك أي اشتباكات عسكرية عمليًّا، ولم يكن تبادل الأراضي الذي تم تقديمه بجدية نتيجة للعمليات العسكرية المفترضة في الواقع أكثر من مجرد تحول في ولاء القبائل التي غيرت بسهولة تفضيلاتها السياسية". 

عندما أخفقت بريطانيا في الحصول على حق استخدام مطارات الأردن وجيبوتي "لنقل الأسلحة والمعدات المخصصة للقوات المناهضة للحكومة في الجمهورية العربية اليمنية ومدربيها البريطانيين، حينها لجأ (نيل ماكلين)، والمحارب القديم في سلاح الجو الملكي (توني بويل)، بموافقة الحكومة، سرًّا إلى المخابرات الإسرائيلية طلبًا للمساعدة. كان خطر انجرار إسرائيل إلى الصراع العربي الداخلي كبيرًا، لكن لم يكن لدى لندن خيارٌ آخر. وبدأت إسرائيل بنقل الأسلحة الأساسية جوًّا إلى الملكيين اليمنيين. وقد تم ذلك -بالطبع- في جو من السرية".

فشلت بريطانيا في أن تتمكن من خلال العمليات التخريبية السرية، من الحفاظ على نفوذها، وفي محاولات التغلب على متلازمة ما بعد السويس، استخدمت لندن تكتيكات صراع منخفضة الحدة. ومن ثم، لم يكن من الممكن ضمان الحفاظ على عدن.

شراء النفوذ

بسبب خسارة المحافظين للانتخابات، حدث تغيير في السلطة البريطانية، وحاول بعض المسؤولين الاستعماريين العاملين في (الجنوب العربي) وغير الراضين عن الوضع هنا إقناعَ حكومة حزب العمّال بالتحرك نحو أشكالٍ أكثر مرونة وأقل وضوحًا لحماية المصالح البريطانية. قرر عضو المجموعة الاستشارية السياسية لـ(اتحاد الجنوب العربي)، هيو ووكر، بمبادرة منه، كتابةَ تقرير مفصل عن الوضع في (الجنوب العربي) لوزير الدفاع الجديد دينيس هيلي، الذي كان على معرفة قليلة به. بدأت مذكرته بهذه الكلمات: "لديَّ مخاوف كبيرة جدًّا من أن حكومة صاحبة الجلالة ليست على علمٍ تام بما يجري هنا باسمها". كان التقرير تعبيرًا صريحًا عن فشل سياسات تعزيز نفوذ المملكة المتحدة. 

وبحسب هيو ووكر، فقد كان يتم شراء النفوذ "بشكل أساسي من خلال تزويد السلاطين والأمراء المحليين بـ"هدايا" من الحكومة البريطانية، وتزويدهم بالأسلحة التي يتاجرون بها بنجاح، محققين أرباحًا كبيرة. وشدّد المستشار السياسي بشكل خاص على أن كل المساعدات تمر فقط عبر حكام المحميات، لكن لا أحد يسألهم كيف يتم إدارتها بعد ذلك. أما أفراد القبائل العاديون، فهم يشعرون بالكراهية تجاه السلطات الفاسدة والظالمة، التي كان من الممكن أن يتم الإطاحة بها منذ فترة طويلة، لولا وجود القوات البريطانية. ولكن هيلي لم يرد على هذه الرسالة". 

يعتقد الباحث أن "تشخيص ووكر كان دقيقًا؛ حيث فشلت تمامًا آمال بريطانيا العظمى في أن تتمكن من خلال العمليات التخريبية السرية، من الحفاظ على نفوذها في (الجنوب العربي). وفي محاولات التغلب على متلازمة ما بعد السويس، استخدمت لندن تكتيكات صراع منخفضة الحدة. ومن ثم، لم يكن من الممكن ضمان الحفاظ على السيطرة على عدن". 

ولعل الشيء الوحيد الذي حققته بريطانيا من وجهة نظر الكاتب، هو "تحسين مخطط شن حرب بالوكالة، التي اعتمدت فيها على سكانٍ غير بريطانيين، ولكن تحت سيطرتها. وكانت طبيعة العمليات السرية مخصصة لمهمة الحفاظ على حالة الجمود في الصراع الأهلي اليمني".

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English