التجميل التقليدي في (الضالع)

النساء وإرث الجدّات من أدوات الزينة الطبيعية!
د. أديبة البحري
June 23, 2023

التجميل التقليدي في (الضالع)

النساء وإرث الجدّات من أدوات الزينة الطبيعية!
د. أديبة البحري
June 23, 2023
الصورة لـ: شهدي الصوفي - خيوط

يقال إنّ للنساء حكاية مع الزينة وأدواتها في كل عصر ومكان، وللمرأة في مدينة الضالع (جنوب اليمن)، مع الزينة طقوسٌ وموروثات جميلة، وهو ما دفعنا للكتابة عن التجميل وطرقه التقليدية في الضالع، وما تعكسه من تفاصيل الحياة الاجتماعية في الماضي.

العين تتجمّل بالكحل

في طفولتي، كنت إحدى المحظوظات اللواتي تكحّلن من كحل الجدة (سلمى)، التي كان يشتهر كحلها بجودته، إذ تعِدّه بالطريقة التقليدية، وقد كانت تعكف أيامًا ولياليَ عديدة تقوم فيها بسحق أقراص "الإثمد" بالمرهى الخاص به، والمرْهى: أداةٌ مصنوعة من نوع من أنواع الأحجار الصغيرة السوداء، يتم استخراجها من الجبال، ويوكل أمر تحويلها إلى أداة، إلى واحدٍ من ذوي الخبرة، فيقوم بصقل الحجر ونقبها وتحويرها بعناية بالغة؛ حتى تغدو مجوفة من منتصفها، ومِن ثَمّ يتم تسليكها (اختبارها) من خلال سحق (طحن) بعض البذور والحبوب، لكي تتم إزالة الأتربة والأصباغ والشوائب التي عادة ما تلتصق بهذا النوع من الصخور، استعدادًا لطحن "الكحل" ومستلزماته.

وقد كنت وبقية أقراني الصغار نمضي أوقاتًا ماتعة في دار الجدة (سلمى)، نجلس على مقربة منها ننظر إليها بسعادة وفضول طفولي، نشاهدها وهي تسحق أقراصًا صغيرة سوداء لامعة، وتمارس طقوسها الخاصة بهذه الحرفة التقليدية الجميلة التي تفرّدت واشتهرت بها. وكان حظنا نحن الفتيات أكثر وفرة من الصبيان، فغالبًا ما كانت الجدة تخصنا دون الفتيان بشرف اختبار عيّناتها من الكحل الذي تنتهي من تصنيعه، وكنّا نصطف أمامها وهي تضع الكحل في أعيننا وتخضب به حواجبنا، ما جعل من تلك اللحظات استثنائية، وكأننا في حفل تكريم وتتويج كبير نشعر معه نحن الفتيات بالزهو الممزوج بالغرور العجيب في حضرة الجمال والزينة.

وبماذا تتجمّل البشرة والشعر؟

تستخدم النساء في الضالع -كما في غيرها من مناطق اليمن- موادًّا ومساحيقَ وزيوتًا خاصة لتجميل البشرة والعناية بها والحفاظ على نضارتها ونعومتها، فضلًا عن أنّها تساعد النساء في تأخير ظهور علامات الشيخوخة لديهن، وقد كانت هذه المواد تحوي عناصرَ ومكونات طبيعية، وتصنع وتحضَّر من البيئة المحلية عادة. ومن هذه المواد المحلية: الهُرُد (الكُركم)، والغسل (أوراق السدر المطحونة)، والنِّيل، والمَحلب، والحُسن.

ويتم استخدام هذه المواد مفردة أو ممزوجة بعضها مع بعض، مضافًا إليها العسل أو الجلجل (السمسم)، ويتم خلطها معًا وتوضع في وعاء خاص، تستخدمه المرأة قناعًا للوجه أو دهانًا (كِريم) للجسم، بعد أن يتم تبليلها بقليل من الماء أو الحليب.

من العادات القديمة في مدينة الضالع المرتبطة بالتجميل، عادة "الكبس" أو "التكباس" التي كانت ترتبط بالعروس وطقوس العرس والزواج، حيث كان سائدًا -إلى عهد قريب- إعطاء أهل العروس مدة معينة تتراوح بين شهر ونصف الشهر، وفيها تحتجب العروس عن الأعين وتلزم دارها ولا تغادره، كما أنّها خلال هذه الفترة تقوم بالعناية بنفسها استعدادًا للزفاف، تضع خلالها الهرد والغسل الممزوجين بالعسل (العلب/ السدر) على وجهها وسائر بدنها، كما تعتني بشعرها. ويساعدها في هذا الطقس الخاص قريباتُها وصديقاتها، وقبل فترة الزفاف بيومين أو ثلاثة أيام تقوم العروس بغسل "الكبس" والاكتفاء بوضع العسل الصافي لتنقية بشرتها من صَفار الهرد، يرافق هذا الطقس قيام الفتيات والنساء بالرقص والغناء وترديد أهازيج خاصة.

وقد أوْلَت المرأة في الضالع شعرها عناية كبيرة، إذ كانت تضع له الحناء أو الغسل لتكثيفه وتطويله، وكذا كانت تدهنه بزيت الجلجل (السمسم) لتغذيته وتنعيمه، وأحيانًا كان بعض النساء يقمن بإضافة مادة لحاء أشجار السدر (العلب) المطحون إلى زيت الشعر لكي يمنع تقصف الشعر وتساقطه، كما أنّ بعض النساء يفضلن إضافة "القُرنفل" المطحون إلى الزيت لتقوية جذور الشعر وخصلاته والوقاية من القشرة.

"الحزبة" بالحُليّ

ورثت النساء في الضالع تراث جدّاتهن، وارتدينه "لَبّات" و"شواليه" و"محازم" و"خياتم"، فكانت تذكّرهن بهُويتهن وتراثهن الريفي الأصيل، فالحلي ضرورية لـ"حزبتهن"، وقد كانت الحلي تُصنع من البرونز أو الفضة أو من الأحجار الكريمة والخرز. وكان يتم صناعتها على أشكال عدة؛ منها ما هو مخصص للرقبة يعرف باسم "الّلَبة"، ومنها ما هو للأذنين كالأقراط (الوَزق)، ومنها ما تُزين به اليدان كالأساور التي كانت تسمى "الشواليه" و"الخياتم" أو "الخواتم" للأصابع، وما يوضع في الأرجل كالخلخال"، كما اعتادت المرأة الضالعيّة على وضع "المحزم" أو "المحزمة" حول خصرها. وقد شكّلت هذه الحلي والمصنوعات التقليدية مصدرًا من مصادر زينة المرأة في الضالع وجمالها، ومظهرًا من مظاهر بهجتها وسعادتها. 

(الرُّقام) الضالعي

الرقام هو التسمية المحلية في الضالع للخضاب، وهو نوعٌ من أنواع الصبغات "السوداء" التي كانت المرأة في الضالع تتزين به، فقد عُرف عن نساء الضالع حبّهن الشديد للخضاب (الرقام)، وتفنّنهن في نقشه، فقد كانت الماشطة (المرقمة) تقوم بنقش ورسم خطوط وأشكال متنوعة على أكف النساء والفتيات وأرجلهن، وكذا على وجوههن ورقابهن.

ويعدّ "الرقام" طقسًا من الطقوس الخاصة التي ارتبطت بالأفراح والأعراس، وبزينة (حزبة) المرأة المتزوجة في الأعياد والمناسبات، أمّا المرأة العازبة فلا يسمح لها بوضعه، بل ويعد هذا الفعل عيبًا في عرف المجتمع، ولعل الضالع تمتاز عن كثيرٍ من المدن وأريافها بهذا النوع من التجميل (النّقاش)؛ إذ يتميز الرقام الضالعي بأمرين؛ أولهما رائحته العطرة الفواحة، ولعل ذلك يعود إلى طريقة إعداده (طباخته)، واستخدام موادٍّ وأدوات طبيعية "كالعفص والسكة والملح"، وثانيهما إلى شكله ورسوماته التي تميزه عن سائر المناطق، فالرقام الضالعي يأتي على شكل خطوط مستقيمة متوازية موحدة الحجم والطول، غالبًا ما يتكون من (6-12) خطًّا مستقيمًا، تتوزع بعدد متساوٍ على عدة مناطق كالرقبة ومنطقة الصدر، أو يتم رسمه على الوجنتين (الخدين) والكفين والأرجل، وقد يأتي على شكل (لعسة) تتكون من أربع نقاط مكعبة الشكل ترص بطريقة أفقية تبدأ من طرف الأنف وتنتهي أسفل الرقبة، تعلوها ثلاث نقاط مثلثة ترسم وسط جبين المرأة.

•••
د. أديبة البحري

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English