تتعدد الأمراض وأنواعها، وقد يُصاب الإنسان بها بدون إرادة منه، وأحيانًا بإرادته وجهله، كما يحصل مع المصابين بمرض الثلاسيميا والأنيميا المنجلية التي تصيب وتحتل أجساد الأطفال بسبب آبائهم، حيث تطالهم معاناة شديدة تفوق قدراتهم على تحملها، إضافة إلى معاناتهم في الحصول على العلاج والعقاقير المناسبة، مع تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي لدى غالبية الأسر اليمنية.
الطفل حمزة السنحاني (17 عامًا)، يظهر بوجه بشوش، تخالطه مرارة الألم، وهو يتحدث لـ"خيوط"، بقوله إنه يعاني من مرض الثلاسيميا، وكذلك الأنيميا المنجلية، وقد اكتشف مرضه وهو في سن صغيرة، حينما كانت يداه وقدماه تتورمان بشكل ملحوظ، وعند الفحص تبين أنه يعاني من تكسر في الدم.
منذ ذلك الوقت، واصل العلاج وإجراء الفحوصات الطبية في جمعية الثلاسيميا التي تقدم الرعاية الطبية والاستشارات الصحية له، لكن لا تتوفر عادةً الأدوية الكافية لدى الجمعية، بسبب شحة الإمكانيات التي تعاني منها، فيضطر لشراء العلاج من الصيدليات بسعر مضاعف، وفق حديثه، بسبب استغلال الصيدليات حاجةَ المرضى للعلاج.
وتقدر الجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي عدد المصابين بمرض الثلاسيميا بأنواعه المختلفة، مثل الأنيميا المنجلية في اليمن، المقيدين لدى المركز العلاجي للجمعية، بأكثر من سبعة آلاف مصاب، في حين تذكر منظمة الصحة العالمية أنها قدمت أدوية منقذة للحياة، بالتعاون مع جهات أخرى شملت حوالي 17,788 مواطنًا يمنيًّا يعانون من مرض الثلاسيميا واضطرابات الدم الوراثية الأخرى.
يضيف السنحاني: "رسبت في المدرسة بسبب غيابي المستمر لأني أضطر للفحص المتكرر واستخدام العديد من الأدوية، منها: المهدئات والمغذيات وحمض الفوليك والهيدرا والحديد وغيرها، للتخفيف من ألمي في المفاصل والحمى والسعال؛ كل ذلك منعني من مذاكرة دروسي، وأدّى إلى رسوبي عدة سنوات، ولكني لن أشعر أبدًا باليأس".
تتضمن الأعراض فقرًا شديدًا في الدم، وشحوبًا في الوجه، وصعوبة في التنفس، وسرعة الإجهاد، وتأخرًا في النمو، وضعف نمو العظام، وتضخم الكبد والطحال، وتكسر الدم بشكل كبير، وتراكم الحديد في الجسم، في حين يزيد الأنيميا على الثلاسيميا في أعراضه بوجود اصفرار في الوجه والعيون وهشاشة العظام واحتكاك المفاصل وتكسر الدم بشكل شديد أثناء نوبة "التمنجل".
وبدموع مخفية تكشفها الكلمات، يضيف أيضًا: "تزوج والدي بوالدتي وهما حاملان للمرض بسبب صلة القرابة بينهما كونهما أولاد عمومة، بينما أنا فقط المصاب الوحيد من بين إخوتهم جميعًا الذين أجروا فحوصات طبية تبين عدم معاناتهم من هذا المرض".
أثرت الحرب على الأمهات والأطفال بشكل كبير في اليمن، وهم من بين الفئات الأكثر إهمالًا وضعفًا في البلاد، وفق تأكيدات عديد من المنظمات الأممية العاملة في اليمن.
من جانبه، يوضح مدير المركز العلاجي لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي في صنعاء، الدكتور مختار إسماعيل، لـ"خيوط"، أنّ مرض الثلاسيميا عبارة عن تكسر لكريات الدم الحمراء، ينتقل من الآباء والأمهات الحاملين للمرض إلى الأبناء، فينتج عنه خلل في نخاع العظم "مصنع الدم الرئيس"، ويسبب ذلك خلايا مشوهة قابلة للتكسر في فترة زمنية قصيرة، وأيضًا نقصًا في عدد الخلايا بشكل متسارع.
أوجاع وملامح متهالكة
لا يخلو موضع في وجوههم أو أيديهم وحتى أقدامهم من آثار الحقن التي يعانون منها، فهم وحيدون بآلامهم، منعزلون عن طفولتهم المنكسرة بأوجاعهم، مرتدون ثوب الخوف بملامحهم المختبئة خلف براءتهم، وذلك لترددهم على نفس المكان منذ نعومة أظافرهم.
يؤكد أحمد محمد (16 عامًا)، لـ"خيوط"، أنه مصاب بالأنيميا المنجلية منذ ولادته، حيث اكتُشف مرضه وهو في الشهر السادس من عمره، مشيرًا إلى أنّ لديه أخًا توفّي بتكسر الدم وتم فحص بقية الإخوة الأربعة الآخرين ووجد أنهم حاملون للمرض عدا أخته.
ويضيف أنه دائمًا ما يشعر بألم في جسده وغثيان وحمى بشكل متواصل، إذ يضطره ذلك في بعض الأوقات إلى نقل الدم حسب الحاجة إليه، وبين الحين والآخر يحتاج لزيادة جرعة الأدوية لشدة الألم الذي يصيبه؛ مما سبب له مشكلة في اختفاء الأوردة لديه، كما هو الحال لدى جميع المصابين بالثلاسيميا والأنيميا المنجلية، حيث يضطر الأطباء للبحث عن وريد، إلى درجة البحث في الرأس إذا لزم الأمر.
ويوضح أحمد أنّ أبوَيه ليس بينهما صلة قرابة، ولكنهما حاملان للمرض؛ لذا ينصح الأطباء دائمًا الجميعَ بضرورة الفحص قبل الزواج؛ لأنّ المتضررين بدرجة رئيسة، هم فقط الأطفال.
تقول الطبيبة بثينة عبدالكريم الدعيس، أخصائية أطفال وحديثي ولادة، في حديثها لـ"خيوط"، إنّ الأعراض التي تصيب مريض الثلاسيميا والأنيميا تكون عادة بحسب المرض وشدته، حيث إنّ للثلاسيميا أنواعًا عدة، منها: "الألفا"، و"البيتا"، والتي تعدّ أشدّ الأنواع، ولكن مع اختلافات بسيطة في كلا المرضين.
وفق الدعيس، تتضمن الأعراض فقرًا شديدًا في الدم، وشحوبًا في الوجه، وصعوبة في التنفس، وسرعة الإجهاد، وتأخرًا في النمو، وضعف نمو العظام، وتضخم الكبد والطحال، وتكسر الدم بشكل كبير، وتراكم الحديد في الجسم، في حين يزيد الأنيميا على الثلاسيميا في أعراضه بوجود اصفرار في الوجه والعيون وهشاشة العظام، واحتكاك المفاصل، وتكسر الدم بشكل شديد أثناء نوبة "التمنجل".
بحسب هذه الطبيبة كذلك، قد يتضاعف المرض لدى مرضى "الثلاسيميا" ويتراكم الحديد، مما يؤدي إلى تضخم في وظائف القلب والكبد والبنكرياس، وقد يؤدي إلى السكر، وغير ذلك من الأمراض، أما بالنسبة لمرضى "الأنيميا المنجلية" فيصابون بنوبة ألم شديدة، واحتكاك في المفاصل؛ ممّا يؤدّي إلى ضرورة زراعة مفصل، وكذلك قد يصاب المريض بجلطات، خصوصًا ذوي الأعمار الصغيرة، وبشكل عام كل مرضى "الثلاسيميا والأنيميا".
كما أنّ أكثر المضاعفات -وفق الدعيس- تكون نتيجة تأخر في النمو ونقص الدم بشكل مفاجئ، ونقصان الأكسجين، وألم بالصدر؛ بسبب صعوبة التنفس، وتضخم وانكماش في الطحال، وتضخم في الكبد. وتؤكّد على ضرورة إجراء الفحوصات الطبية اللازمة ما قبل الزواج؛ لتجنب الأمراض التي قد تصيب الأطفال، حيث تشمل فحص Hb.electophsis للتأكد فيما إذا كانوا حاملين للمرض أو غير حاملين له، وأيضًا ضرورة إجراء فحص Blood morphology وRetics.
بدورها، تؤكد رئيسة قسم المختبر في جمعية "الثلاسيميا"، الدكتورة هدى نبيل، لـ"خيوط"؛ أنه في حالة الإصابة بالمرض، لا بد من إجراء الفحوصات اللازمة للمحافظة على صحة المريض، ومن هذه الفحوصات CBC، وهو فحص لمقياس نسبة الدم والالتهابات، ويتم إجراؤه كل شهر، وفحص Ferritin لمعرفة نسبة الحديد لدى مرضى الثلاسيميا، ويتم إجراؤه كل ستة أشهر، وكذا إجراء فحص الكلى L.F.T، وأيضًا فحص الكبد K.F.T.
نصائح طبية وإرشادات
تقول منظمة الصحة العالمية، إنّ الآلاف من مرضى الثلاسيميا، واضطرابات الدم الوراثية الأخرى، يعانون من أعراض حادّة بسبب عدم حصولهم على الأدوية الأساسية.
وعلى الرغم من أنّ عمليات نقل الدم تعتبر علاجًا منقذًا للحياة، لكثير من المصابين بمرض الثلاسيميا؛ هناك في الوقت ذاته، تعقيدات لعمليات نقل الدم المتكررة، منها تكدس الحديد في الدم. والزيادة في مستويات الحديد في الجسم يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والكبد والغدد الصماء. وهي من الأسباب الرئيسة لمعاناة مرضى الثلاسيميا؛ ولهذا فإن عوامل استخلاب الحديد مهمة جدًّا، لخفض مستويات الحديد في الجسم والتخفيف من أعبائها.
ويشجع الدكتور مختار إسماعيل، المرضى على أهمية مقاومة أعراض المرض بالسلوك الإيجابي، التي تبدأ من الاستماع إلى نصائح الأطباء وتنفيذها، وتناول الأدوية كما تم وصفها، وشرب السوائل بكميات كافية، وتجنب التعرض للأجواء الباردة والإجهاد والسهر. وحثهم إسماعيل على التعليم والتعلم، وممارسة الأنشطة والأعمال المناسبة بدون إجهاد، مؤكدًا على أهمية الاستمرار في الدعم والمساندة والمتابعة لحالة المصابين من قبل الأسر، كما يحثّ الأهالي على التوقف عن الإنجاب ولو بشكل مؤقت، حتى يتعرفوا على المرض وأعراضه ومضاعفاته، وأخذ فرصة للتفكير واتخاذ القرار الواعي والمناسب فيما يخص الإنجاب، وذلك من أجل حياة صحية للجميع.
ويأمل كذلك الحرص على مستقبل الأحفاد بالتخطيط لهم من الآن، بإجراء الفحوصات المبكرة لجميع أفراد الأسرة والأقارب لمعرفة من هو سليم ومن هو حامل لموروثات تلك الأمراض الوراثية المزمنة، مناشدًا الجهات الرسمية الوقوف إلى جانب المرضى المصابين بأمراض الثلاسيميا وتكسرات الدم، وتوفير الأدوية والمحاليل والمستلزمات والخدمات المجانية والدم الآمن لهؤلاء المرضى، وبذل كل الجهود لتوفير حياة صحية واجتماعية لائقة بهم، كما يدعو المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية العاملة في اليمن، إلى مدّ يد العون للمصابين، وتأمين الاحتياجات الضرورية من الأدوية الأساسية والداعمة لاستمرار حياتهم.