"لم تسمح لي العادات والتقاليد بأن أحقق حلمي وألتحق بالجامعة"؛ هكذا عبّرت بدرية سالم، البالغة من العمر21 عامًا، عن العوائق التي حالت دون مواصلة تعليمها ونيل الشهادة الجامعية.
تضيف في حديثها لـ"خيوط": "كنتُ من الطالبات المتفوقات في مدرستي، وكان طموحي كبيرًا، ولدي رغبة وشغف لدراسة الطب لكي أحقّق حلمي وأصبح دكتورة، لكن نحن في قريتنا "وتير" أعلى صبر، لا نستطيع إكمال التعليم الجامعي؛ بسبب العادات والتقاليد". في حين كان الجانب الاقتصادي وتردي الأوضاع المعيشية، السببَ الذي جعل أحمد قايد يتوجه إلى سوق العمل بدلًا عن الجامعة، للبحث عن فرصة يساعد بها أسرته التي لم تسمح ظروفها الاقتصادية بمساعدته على الانتقال إلى المدينة من منطقته الريفية التي أكمل تعليمه الثانوي فيها للالتحاق بالجامعة، حيث يحتاج لتكاليف السكن والمواصلات والمعيشة واحتياجات الجامعة.
في السياق، تتبع كثيرٌ من الأُسر في المجتمع اليمني العادةَ المتبعة التي ترى أنّ الإجراء المناسب للفتاة بعد إكمالها التعليم الثانوي هو الزواج، الذي قد يكون هروبًا لدى بعضهم أو حلًّا لتنصلهم من تحمل تكاليف تعليمهن، وهذا ما حصل مع بدرية بعد أن أكملت الثانوية، حيث تزوجت وابتعدت عن الجامعة، في حين تبرز عوامل أخرى عديدة- كما تقول بدرية: "تجعل من الصعب جدًّا، أن نحقق طموحاتنا، ونضطر نحن إلى أن نتخلى عن الحلم ونتبع ما يقوله الآباء".
في حين يؤكد الشاب أحمد الحداد (24 عامًا)، طالب في جامعة تعز، لـ"خيوط"، أهميةَ التعليم الجامعي الذي يعتبر البوابةَ الرئيسية للفرص والتطور الشخصي، والرقيّ والتنمية، ليس فقط على المستوى الشخصي بل على مستوى المجتمع والبلاد بشكل عام، مشيرًا إلى أنّ مواصلة التعليم الجامعي والعمل في نفس الوقت، يشكّل تحدّيًا حقيقيًّا لتحقيق التوازن بين العمل والتعليم، مع ذلك- يتابع أحمد حديثه: "فإننا نبذل قصارى جهدنا لتحقيق هذا التوازن".
تعد ّالأوضاع الاقتصادية المتدهورة أحد أهم العوائق الرئيسية للكثير من الشباب في الالتحاق بالتعليم الجامعي، فهناك من يرى أنّ "التعليم لا يؤكل عيشًا في هذه الأيام، فنحن نعيش في اليمن، وهناك من ذهب إلى الجبهات لتوفيرها"، بينما يؤكد آخرون أهمية الكفاح من أجل التعليم.
ترصد "خيوط" عزوفًا وانخفاضًا في نسبة تسجيل الشباب في جامعات تعز، حيث يشير ذلك إلى وجود أزمة في التعليم العالي بالمحافظة الواقعة جنوب اليمن، تحتاج للوقوف أمامها بجدية، والبحث عن أسباب هذا الضعف الحاصل في الإقبال على الدراسة الجامعية لهذا العام، والأعوام الثلاثة الماضية.
تشير بيانات مركز الإحصاء بمحافظة تعز، إلى وجود تراجع بشكل نسبي في إقبال الشباب على الالتحاق بالتعليم الجامعي في تعز خلال الأعوام الثلاثة الماضية (2020-2023)، إذ بلغ عدد الملتحقين بالتعليم الجامعي الخاص -حيث تعمل بمدينة تعز نحو سبع جامعات- (5141) طالبًا وطالبة، كما بلغ عدد المقيدين في جامعة تعز الحكومية، نحو (25542) طالبًا وطالبة.
تعدّ هذه النسبة في الانخفاض كبيرة مقارنةً بعدد خريجي الثانوية، حيث تؤكّد إدارة جامعة تعز أنّ الملتحقين بالدراسة فيها خلال العام 2022/2023، لم يتجاوز (7000) طالب وطالبة، بالرغم من بلوغ عدد خريجي الثانوية للعام ذاته نحو (24000) طالبٍ وطالبة، بحسب إحصائيات مكتب التربية في محافظة تعز.
ويؤكّد مدير مكتب التربية والتعليم بمحافظة تعز، عبدالواسع شداد، في تصريح لـ"خيوط"، أنّ عدد خريجي الثانوية للعام 2023/2024، بلغ 23800 طالب وطالبة، فيما لم يتجاوز عدد الملتحقين بالتعليم الجامعي أكثر من 10000 طالب، وذلك لأسبابٍ عدة، مثل قلة فرص التوظيف، ولجوء الشباب إلى العمل أو الغربة بعيدًا عن التعليم.
عزوف متعمد وإقبال ضعيف
تعدّ الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أحد أهم العوائق الرئيسية للكثير من الشباب في الالتحاق بالتعليم الجامعي؛ كما يلخص محمد نبيل، البالغ من العمر (26 عامًا)، أسبابَ عدم مواصلته التعليمَ الجامعي.
يضيف نبيل لـ"خيوط": "التعليم لا يؤكل عيشًا في هذه الأيام، فنحن نعيش في اليمن، ولسنا كبقية شباب العالم؛ الدولة تؤمّن لك وظيفة بعد التخرج أو حتى في فترة الدراسة. أخي الأكبر مني درس دبلوم تسويق في معهد المعافر الدولي في "الصنة"، ورغم بعد مسافة المعهد من قريتنا المقطرية الواقعة في مديرية المعافر عزلة "الكلائبة"، وكفاحه لإكمال تعليمه، لم يستفِد منه في شيء، حيث أكمل الدراسة واشتغل بعد ذلك مزارعًا وهو خريج تسويق".
هكذا يستلهم محمد نبيل من تجربة شقيقه مع التعليم العالي: "أشعر أني عندما أدرس أضيع سنوات عمري؛ اضطررت للسفر إلى المملكة العربية السعودية لهذه الأسباب، ولأنّ وضع البلاد من سيئ إلى أسوأ، فالحل الوحيد لكي تعيش أسرتك عيشة مناسبة أن تغترب وتشتغل وتوفر لهم ما أمكن من حياة كريمة".
كانت الحرب المستمرة التي تدخل عامها العاشر، أحد الأسباب الرئيسية في تدهور التعليم في اليمن وزيادة نسبة عزوف الشباب عن الالتحاق بالتعليم الجامعي، وهو الأمر الذي يؤيده محمد الحميدي، البالغ من العمر (23 عامًا)، في حديثه لـ"خيوط": "تعتبر الظروف الراهنة سببًا رئيسًا لتدهور كل الأوضاع في البلاد، ومن بينها التعليم".
اضطر هذا الشاب، كما يقول، للتوقف عن التعليم، بالرغم من حبه وشغفه بمواصلة تعليمه والذهاب إلى جبهات القتال، كغيره من الشباب الذين كانوا ضحايا الحرب في اليمن، حيث تم استقطابهم للقتال في صفوف أطراف الصراع، إذ يرى محمد أنّه "ضحّى بتعليمه لحماية مدينته".
يختلف حبيب المجيدي (26 عامًا)، مع نبيل والحميدي، حاصل على شهادة دبلوم في إدارة الأعمال، إذ يرى أنّ إكمال التعليم بالنسبة له حياة ولا غنى عنها، إذ درس إدارة أعمال في كليات العلوم الإدارية، عمل على دراجة نارية، حسب قوله لـ"خيوط"، لكي يجمع احتياجاته من مصاريف الجامعة، وعمل أيضًا بالتصوير والمسرح، في حين قام بتأسيس مؤسسة إنتاج إعلامي، التي أعادته مرة أخرى إلى الجامعة لدراسة الإعلام، لكي يجمع بين المجالين، الإداري والإعلامي، في إدارة مشروعه الخاص.
نفور من التخصصات الإنسانية
شهدت محافظة تعز ما بعد الحرب، تحوّلًا في اتجاه اختيار الطلاب للتخصصات الجامعية، حيث يفضل العديد منهم التوجه نحو التخصصات المهنية، مثل الهندسة والطب والعلوم التطبيقية، على التخصصات الإنسانية.
يقول نائب رئيس جامعة تعز، الدكتور رياض العقاب، لـ"خيوط"، إنّ الكليات الإنسانية مثل كلية التربية وكلية الآداب وكلية العلوم التطبيقية، بدأت تناقش مشكلة انخفاض عدد الطلاب في التخصصات الإنسانية منذ نحو عامين، وقد تركزت الجهود الاستراتيجية على إعلام المجتمع والجهات المعنية بوجود هذه الفجوة، وحاجة التخصصات الإنسانية للدعم.
سبب تراجع اهتمام الطلاب بالتخصصات الإنسانية يعود إلى قلة فرص العمل والتوظيف في هذا المجال، إذ إنّ هناك حاليًّا حوالي 5000 متقاعد، ولكن لم يتم اتخاذ أي قرار بشأن تقاعدهم، لعدم وجود بدائل لتلك الوظائف؛ لذا فإنه في الوقت الحالي، هناك صعوبات في الحصول على وظائف رسمية.
وبناءً على الأرقام المتزايدة سنويًّا، تم التركيز على استخدام الإعلان بوسائل عدة، منها: البوسترات، والبروشورات، والسوشيال ميديا، وتوزيعها في الفعاليات والندوات، وحتى امتحانات القبول؛ لجذب الاهتمام بالمشكلة، وحث جميع الجهات المعنية على البحث عن حلول، مع توقع أن تتجاوز المحافظة هذه المشكلة في المستقبل القريب.
بحسب بيانات جامعة تعز، التي اطلعت عليها "خيوط"، فإنّ عدد الطلاب الملتحقين في كلية التربية بجميع تخصصاتها البالغة 14 تخصصًا خلال العام الماضي، وصل إلى (395) طالبًا وطالبة، وهو ما يشير إلى تناقص كبير في أرقام الملتحقين بهذه التخصصات، في حين بلغ عدد الطلاب بالكلية ذاتها (5938) طالبًا وطالبة في العام 2013/2014، فيما سجل العام الدراسي 2022/2023، تقييد (2415) طالبًا وطالبة.
وتؤكّد الإحصائيات ذاتها أنّ هناك أقسامًا في كليات التربية والآداب والعلوم التطبيقية بجامعة تعز الحكومية، أُغلقت تمامًا بفعل ضعف الإقبال، ومنها قسم الرياضيات في كلية التربية، بعد أن كان يصل إلى أكثر من 150 طالبًا، وقسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب الذي سجّل خلال عام 2009/2010 التحاق (454) طالبًا وطالبة، وفي عام 2022/2023، بلغ عدد الطلاب المقيدين بكل المستويات من أول مستوى إلى رابع مستوى: 13 طالبًا وطالبة فقط في القسم.
يؤكّد الأستاذ عبدالحكيم ناجي، المختص الأكاديمي ومدير الأنشطة في مكتب التربية، لـ"خيوط"، أنّ سبب تراجع اهتمام الطلاب بالتخصصات الإنسانية يعود إلى قلة فرص العمل والتوظيف في هذا المجال، مشيرًا إلى أنّ هناك حاليًّا حوالي 5000 متقاعد، ولكن لم يتم اتخاذ أيّ قرار بشأن تقاعدهم لعدم وجود بدائل لتلك الوظائف.
ويضيف أنّه في الوقت الحالي، هناك صعوبات في الحصول على وظائف رسمية، ويضطرون إلى التدريس في المدارس الخاصة، بأجور ضئيلة جدًّا، لافتًا إلى أنّ راتبه قبل الحرب كان يساوي 300 دولار، في حين أنّ راتبه الحالي لا يتجاوز 60 دولارًا، مع العلم أنّ سعر صرف العملة المحلية في تعز ومناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، يصل إلى أكثر من 1750 ريالًا مقابل الدولار الواحد.
من جهته، يؤكّد أحمد فارع، المسجل العام في جامعة تعز، لـ"خيوط"، أنّ مشكلة اللجوء إلى التخصصات المهنية هي مشكلة دولة في المرتبة الأولى، وليست مشكلة الجامعة، ففرص التوظيف للتخصصات الإنسانية لم تعد موجودة، وإن وُجدت فبنسبة قليلة جدًّا، متسائلًا: "كيف نقوم بحثّ طالب على تخصص نحن نعلم أنه لا يمكن أن يخرج منه بعمل يضمن له مستقبله؟!"؛ لذا من الطبيعي جدًّا -وفق حديثه- أن يلجأ الطالب إلى تخصص يرى فيه مستقبله وفرصه المهنية التي تضمن له فرصة عمل في المستقبل.