يُعد المسرح مرآة تعكس الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية للبلدان المختلفة، إذ يعبر عن هموم وتطلعات الناس. في اليمن، يعود تاريخ المسرح إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت عدن من أوائل مدن الجزيرة العربية تدشينًا واهتمامًا بالمسرح، إذ عرضت أول مسرحية سنة 1910 في عهد الاستعمار البريطاني، ظهر خلالها أول فريق للتمثيل العربي في المدينة، مقدمًا مسرحية "يوليوس قيصر" للكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير على مسرح صغير في ميدان التنس بكريتر.
في السياق، بدأ ظهور المسرح في اليمن الشمالي في بداية السبعينيات، والثمانينيات، إذ شهدت مدن شمالية، مثل (الحديدة، تَعِز، إب)، تطورات فنية لافتة، لكنها لم تلبث إلا قليلًا، وسرعان ما تلاشت جراء الصراعات وعدم الاستقرار التي شهدتها البلاد.
الآن ومنذُ بداية الصراع في سنة 2015، توقف العمل المسرحي في العديد من المحافظات اليمنية كليًّا، باستثناء بعض المحافظات الجنوبية وتعز التي شهدت عودة بسيطة للمسرح خلال السنوات الأخيرة عبر الفعاليات المسرحية التي نفذها مكتب الثقافة بالمحافظة، الذي فاز بجائزة أفضل عمل مسرحي سنة 2018.
عودة المسرح في تعز
نفذ مكتب الثقافة في تعز عددًا من الفعاليات والأنشطة المسرحية في إطار المحافظة، بالإضافة إلى المسابقات والمشاركات التي فاز بها المكتب على بقية المحافظات اليمنية الأخرى.
في هذا السياق، يقول مدير مكتب الثقافة في تعز، عبدالخالق سيف، لـ"خيوط": "إن الانطلاقة الكبرى للمسرح التي نجح المكتب في تنفيذها، كانت مشاركته سنة 2018 في مهرجان المسرح في محافظة عدن، والذي رعته الهيئة العربية للمسرح، حيث نافست فيه تعز الكثير من المحافظات اليمنية؛ منها لحج، وحضرموت، وأبين، والحُديدة، وظفرت بجائزة أفضل عمل في المهرجان".
الحديث عن المسرح في تعز، حديث لا يخلو من إبداع وتفرد، خاصة مع وجود روحٍ شبابية ووجوهٍ جديدة تعيد في النفس البهجة، وتبرز المسرحيات إلى الواجهة في المحافظة
وعلى الرغم من اشتداد الاقتتال والحصار الذي شهدته مدينة تعز خلال سنوات الحرب إلا أنها استطاعت التغلُّب على أوجاعها والعودة إلى واجهة الفن والثقافة التي تنتمي إليها.
يتابع سيف: "لا شك أن الحديث عن المسرح في تعز، حديث لا يخلو من إبداع وتفرُّد، خاصة مع وجود روحٍ شبابية ووجوهٍ جديدة تعيد في النفس البهجة، وتبرز المسرحيات إلى الواجهة في المحافظة، ابتداءً بعرض مسرحية (المخضرية) بمنتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، في منتزه التعاون بتعز، وليس انتهاءً بالجهود الذاتية التي تحاول أن تستمر هذه العروض".
المخضرية
عرضت مسرحية (المخضرية) الكوميدية في 15 يناير/ كانون الثاني، بقاعة أحمد عبده سعيد في منتزه التعاون وسط مدينة تعز، بطريقة تعبر عن الأوضاع المعيشة والسياسية في البلاد، من خلال تجسيدها شخصية شكسبير ورجال الكهف.
يؤكد عبدالخالق، أن المسرحية جاءت بقالب كوميدي فانتازي يستلهم من أباطرة الشر عالميًّا، ويقدم رسائل رمزية يصل من خلالها بكل وضوح إلى مأساة هذا الوطن، ويشير للمتسببين بقطع أواصره.
"تأتي فكرة مسرحية المخضرية من واقع مسرح الأحداث في تعز، حيث حاكت معاناة الناس، وتقمصت همومهم، وعكست شغف الجمهور الحاضر مع المسرح الذي احتفى الجمهور بعودته بكثافة وبحب شديد"- يقول سيف.
تحمس الكثير من المشاركين في المسرحية، وعبروا عن سعادتهم بتجربتهم المسرحية التي كانت قد توقفت لفترة طويلة قبل أن تعود مجددًا.
يقول محمد البعداني، أحد المشاركين في المسرحية، لـ"خيوط": "مسرحية مخضرية لها ميزة خاصة عندي، فقد جمعت بين شخصيات عالمية ومحلية من أزمنة مختلفة، منها الشخصيات السياسية والثقافية والعسكرية وغيرها. لقد كانت من أجمل الأعمال التي شاركت فيها، سعيد بعودة المسرح وأتمنى أن يستمر نشاطه بشكل دائم".
من جانبه قال حسام الشراعي، أحد المشاركين في المسرحية، لـ"خيوط": "تجربتي في المسرح والتمثيل كانت ولا تزال من أجمل التجارب التي مررت بها بحياتي؛ لأنها التجربة الوحيدة التي سمحت لي معرفة جوانب مختلفة في النفس البشرية، من خلال تقمّص هذه الشخصيات، ولبس (كاركترها) وعرضها للناس".
تحديث المسرح
يواجه المسرح تحديات كبيرة في اليمن، لا سيما محافظة تعز التي تعرضت مراكزها الفنية والثقافية للنهب والتدمير أثناء الحرب، مما عطل الكثير من هذه المرافق عن الخدمة وأفقدها إمكانياتها وقدراتها التشغيلية.
أمرٌ أكّده عبدالخالق بالقول: "تم تدمير ونهب المركز الثقافي بتعز، الذي كان يحتوي على مسرح متكامل مجهز بالإضاءة والصوتيات وكل الاحتياجات المتعارف عليها عالميًّا. الآن لم يعد مؤهلًا لأي فعالية، بل إنه ما يزال على خط تماس المواجهات، خارج الخدمة تمامًا".
لم تقتصر التحديات التي يواجهها المسرح في تعز على النهب والتدمير التي تعرض لها المركز الثقافي جراء الحرب فقط، بل إنه يفتقر أيضًا للمتخصصين والكفاءات في هذا المجال، فيما يعاني مبدعوه من غياب التأهيل والمواكبة.
"ومن ضمن الإشكاليات التي يواجهها مكتب الثقافة بتعز، غياب التمويل للعروض المسرحية، خصوصًا مع تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، إذ لا يستطيع المواطن حضور العروض المسرحية بسبب الأولويات الحياتية لديه، وإن كان شغوفًا بالفنون والمسرح"- يضيف سيف.
وفيما يتعلق بإهمال الجهات المعنية، أشار البعداني بقوله: "إننا في اليمن نعاني من وجود تمثيل بلا ممثلين، ومسرحيين بلا مسرح، وأفكار فنية وإبداعية لا يستوعبها أحد"، ويضيف البعداني: "هذا الإهمال عائد لغياب التقدير والاستيعاب الرسمي لأهمية وتأثير الفن والمسرح في خلق ثقافة عامة لدى الناس".