بعد قرابة أسبوع من تداول أخبار عن توافق الأطراف على فتح طريق رئيس يربط شرق مدينة تعز بغربها، أُعلن قبل ظهر اليوم الخميس 13 يونيو/ حزيران، وبلسان رئيس لجنة التفاوض الحكومي عبدالكريم شيبان، افتتاحَ طريق (الحوبان – جولة القصر – الكمب) لتنقل المواطنين بين شرق المدينة وغربها، بعد تسع سنوات من الإغلاق، وقبل ذلك تسع سنوات من تقسيم المدينة إلى ضفتين، تتحكم بشرقها (الحوبان) جماعة أنصار الله ( الحوثيين )، وبغربها (المدينة) القواتُ الحكومية المعترف بها وحلفاؤها.
على مدى تسعة أعوام، بقي السكان يبدّدون ساعات طويلة، ويخسرون أموالًا بطائلة، ويتكبدون مشاقًّا كبيرة من أجل الوصول إلى قلب المدينة أو إلى منطقة الحوبان، عبر طُرق فرعية طويلة ووعرة وخطرة، بعد أن فرض الحوثيون حصارًا خانقًا على المدينة من طريقها الشرقي والشمالي الغربي.
الطريق الذي أُعلن اليومَ عن فتحة أمام المسافرين والمنتقلين بين جهتَي المدينة هو واحد من ثلاثة منافذ تربط الحوبان بقلب المدينة وأطرافها الغربية والشمالية والجنوبية أيضًا، التي يتوجب العمل على فتحها السريع لتنقل المسافرين والبضائع بذات آلية المبادرة الشُّجاعة التي أفضت إلى فتح طريق الكمب للتخفيف عن المواطنين، ولا يكون التلكؤ وتبرير التأخير القولَ بكثافة الألغام المزروعة وعشوائياتها وهجرتها بسبب الأمطار إلى مناطق أبعد، وعلى وجه الخصوص منفذ فرزة صنعاء - عقبة منيف، وصولًا إلى حوض الأشرف.
ملف الطرقات الذي استُخدِم بتفريعاته المختلفة كأوراق ضغط وابتزاز من أطراف الحرب لبعضها، وعلى مدى السنوات التسع التي أغرقت اليمن بالدم والبارود، يتوجب أن يكون إلى جانب صرف مرتبات الموظفين العموميين والمتقاعدين، وتشغيل الموانئ والمطارات، وإطلاق المحتجزين والكشف عن المخفيين قسرًا، وإنهاء الانقسام الاقتصادي والمالي، على رأس التسوية القادمة لإنهاء الحرب والذهاب إلى سلام كامل غير منقوص، يُخرج اليمن واليمنيين من مهالك التفكيك، وقبل ذلك إخراجهم من أسوأ أزمة إنسانية تمر بها بلاد على مستوى العالم خلال عقود طويلة.
ومن المهم، بعد فتح هذا الشريان الحيوي الذي يصل شرق مدينة تعز بغربها، الذهاب بعيدًا في هذا الملف الذي طالما ناورت عليه الأطراف ونقلته، بوسائل وتبريرات شتى، من سياقه الإنساني إلى الشق الأمني والعسكري. والذهاب البعيد الذي نعنيه هنا هو فتح الطرق بين المحافظات اليمنية المختلفة، وعلى رأسها: طريق صنعاء - عدن عبر الضالع، وطريق صنعاء - مأرب عبر فرضة نهم، وطريق تعز - لحج - عدن عبر طريق كرش، وطريق الحديدة - تعز عبر الجراحي، وطريق البيضاء - أبين عبر عقبة ثرة، وطريق البيضاء - لحج عبر يافع، وكذا الطُّرق التي تصل شبوة بمأرب والبيضاء، وغيرها من الطرق المحورية التي ستذيب الترسيمات الجغرافية الطارئة التي عمّدتها القوى المتحاربة بدم الضحايا، لأسباب نفعية بلبوس مناطقية وجهوية، وغيرها من التعليلات البائسة.
أيّ مبادرات، رسمية كانت أو شعبية، تسعى للتخفيف من معاناة المواطنين، على نحو مبادرات فتح الطرق المغلقة، هي أفعال محمودة أيًّا كان مصدرها، وهي جديرة بالدعم من كل المكونات والشرائح في المجتمع، بعيدًا عن الحسابات شديدة القتامة، فالأعباء الكبيرة التي تحمّلها المواطنون خلال سنوات الحرب العبثية أكثرُ ممّا يطاق حمله، وإن الهشاشة التي صارت عليها البلاد بسبب غياب الدولة وانعدام فعالية مؤسساتها السيادية (في إطار الحكومة الصورية)، أتاحت لسلطات الأمر الواقع، التي تعمل كوكلاء محليين لِلَاعبين إقليميين ودوليين، في عموم البلاد، فرضَ معادلات مشوهة على الأرض، عنوانها: التحكم بمساحات جغرافية شاسعة، وفرض سياسات تجزيئية واستبدادية على عموم السكان في هذه المناطق، بما فيها تكميم الأفواه واحتكار الوظيفة العامة، واستخدام القضاء للتنكيل بالخصوم، ومصادرة الممتلكات، وليس آخرها إنتاج منظومات جبايات غير قانونية يتحمل أكلافها المواطنون البسطاء، ويستنفع منها قادة هذه السُّلط ودوائرها القريبة المغلقة.