يعاني معظم السكان في اليمن، من تبعات كارثية للحرب والصراع الدائر في البلاد منذ العام 2015، إذ نالت الفئات الضعيفة ومحدودي الدخل من السكان، النصيبَ الأكبر من هذه المعاناة في ظلّ أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بالأكبر على مستوى العالم.
وقالت منظمة اليونيسف، إنّ ثماني سنوات قاسية من النزاع دمّرت حياة الملايين من الأطفال في اليمن، وخلّفت وراءها 11 مليون طفل ممّن هم بحاجة للحصول على شكل أو أكثر، من أشكال المساعدة الإنسانية.
وحذّرت المنظمة الأمميّة المعنية بالطفولة، في تقرير صادر عنها، حصلت "خيوط" على نسخة منه، من أنّ الملايين في اليمن قد يواجهون مخاطر أكبر للإصابة بسوء التغذية ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة حيال ذلك.
ويعاني مئات الآلاف من الأطفال، دون سن الخامسة في اليمن، من سوء التغذية الحادّ الوخيم الذي يتهدّد حياتهم، حيث يموت طفلٌ واحد كل 10 دقائق لأسباب يمكن الوقاية منها.
وتعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن، بمثابة حصيلة التقاء مجموعة من العوامل المركبة ذات الآثار المدمرة، والتي تشمل: ثماني سنوات من النزاع المحتدم، والانهيار الاقتصادي، وتعطُّل منظومات الدعم الاجتماعي؛ ما أثّر سلبًا على الخدمات الأساسية.
في السياق، يؤكّد البنك الدولي أنّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام الرواتب وتقلّب المساعدات الإنسانية، واستمرار الأزمات المناخية المدمرة، كان لها آثارٌ كارثية على الظروف المعيشية المحفوفة بالمخاطر للأسر اليمنية، ونتيجة لذلك، ينتشر الفقر وانعدام الأمن الغذائيّ، حيث صُنّف اليمن من بؤر الجوع في العالم بعد تجاوز انهيار الأمن الغذائي مستويات قياسية، حيث يحتاجُ ما يقدّر بنحو 19 مليون يمنيّ إلى المساعدة، يمثّلون نحو 60% من السكان.
أهمية السلام
كما تسبّب النزاع كذلك بتفاقم أزمة سوء التغذية المستمرّة في اليمن، حيث يعاني نحو 2,200,000 طفل من سوء التغذية الحادّ، من بينهم أكثر من 540,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحادّ الوخيم، وهي حالة مهدّدة للحياة إذا لم يتم علاجها بشكلٍ عاجل.
لا يزال وضع الأطفال النازحين يُثير قلقًا بالغًا. فمخيمات النازحين تكتظ بأكثر من مليونَي وثلاث مئة ألف طفل، حيث لا يحصلون على ما يكفي لسدّ احتياجاتهم من الخدمات الأساسية في مجال الصحة والتغذية والتعليم والحماية والمياه والإصحاح البيئي.
وخلال الفترة ما بين مارس/ آذار 2015، ونوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تحقّقت الأمم المتحدة من أنّ أكثر من 11,000 طفل قد قُتِلوا أو أصيبوا بجروح خطيرة. فيما تم تجنيد أكثر من 4,000 طفل من قبل الأطراف المتحاربة، ووقع أكثر من 900 اعتداء على المرافق التعليمية والصحية أو تم استخدامها لأغراض عسكرية.
الأمر الذي من شأنه أنّ يَحُوْل دون إدراك حقوق الأطفال الأساسية في الحصول على خدمات صحية وتعليمية مأمونة ومناسبة. وبما أنّ هذه ليست سوى الأرقام التي تم التحقّق منها، فمن المرجّح أنّ العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
يقول ممثّل اليونيسف في اليمن، السيد بيتر هوكينز: "حياة الملايين من الأطفال الضعفاء في اليمن معرضة للخطر بسبب عواقب الحرب القاسية والمستمرة التي يصعب تصوّرها أو تحمّلها"، إذ تؤكّد "اليونيسف" أنّها لطالما كانت حاضرة لتوفير المساعدات المطلوبة بشدة طوال السنوات الثمانية الماضية وما قبلها، لكن كما تنوّه، لا يمكنها تقديم ما يكفي من الدعم للأطفال والأسر المتضرّرة دون التوصل إلى سلام دائم في البلاد.
في حين، يرى البنك الدولي أنّ عودة الاقتصاد اليمني للنموّ مشروطٌ باتفاقية سلام، وانتهاج سياسات حكيمة، وجهود قوية للإصلاح والتعافي، مدعومة بتمويل دولي لإعادة الإعمار، مشيرًا إلى أنّه في حالة حدوث هدنة دائمة أو نشوء سلام، يمكن للاقتصاد اليمني أن يسجّل نموًّا أكثر استدامة في غضون أشهر من الاتفاقية.
ويشهد اليمن تسارع جهود وتحركاتٍ نشطت منذ مطلع العام الحالي 2023، بشكلٍ مكثّف بوساطة ورعاية عمانية، لإيجاد توافق بين جميع الأطراف يهدف للتوصل إلى حلّ يحقّق اختراق في الملفات المعقدة، بما يؤدّي إلى الاتفاق على هدنة تصل إلى 6 أشهر يتخلّلها مفاوضات مباشرة بين الحكومة المعترف بها دوليًّا والمكونات التابعة لها وجماعة أنصار الله (الحوثيين).
وبدأت مؤشرات إيجابية عديدة تلوح بالأفق، إذ اتفقت الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، في ختام مفاوضات جنيف المنعقدة مارس/ آذار الماضي، على تنفيذ عملية تبادل تجري لإطلاق سراح 887 محتجزًا من الطرفين، على أنّ تعقد جولة أخرى خلال شهر أبريل/ نيسان، لاستكمال تنفيذ بقية الاتفاق.
إنقاذ الضعفاء
إلى ذلك، خلّفت سنوات من النزاع والشقاء والأسى وراءها ما يقرب من 8 ملايين شخص، ممّن هم بحاجة للحصول على خدمات الصحة العقلية والخدمات النفسية الاجتماعية في اليمن.
ويتعرّض الأطفالُ والقائمون على رعايتهم للخطر نتيجة مواجهتهم للعديد من المخاطر وحالات النزوح، حيث يلجؤون غالبًا إلى آليات التكيف السلبية مثل الزواج، وعمالة الأطفال، وفي كثيرٍ من الحالات تجنيدهم في القتال.
وبالمثل، لا يزال وضع الأطفال النازحين يُثير قلقًا بالغًا؛ فمخيمات النازحين تكتظ بأكثر من مليونَي وثلاث مئة ألف طفل، حيث لا يحصلون على ما يكفي لسدّ احتياجاتهم من الخدمات الأساسية، في مجال الصحة والتغذية والتعليم والحماية والمياه والإصحاح البيئي.
وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تشكّل النساء والأطفال 80% من مجمل النازحين. وفي ظل قلّة أماكن الإيواء، يعاني النساء والأطفال أكثر من غيرهم، مِن اكتظاظ هذه الأماكن، وانعدام الخصوصية فيها، ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل المراحيض أو المياه، في حين، فاقم الصراع أوجه الضعف الذي تعاني منه النساء بشكلٍ كبير.
ومع تفاقم العنف ضدّ النساء، بسبب تدهور الأزمة الإنسانية والانهيار الاقتصادي وتعطل الخدمات العامة، جراء الصراع المستمر منذ نحو 8 سنوات، يؤكّد صندوق الأمم المتحدة للسكان حاجة نحو 7.1 ملايين امرأة وفتاة إلى خدمات، لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي والتصدّي له في عام 2023.
وبعد مرور أكثر 8 سنوات، يشعر العديد من الأطفال والأُسَر بأنّهم عالقون في حلقة مستمرّة من اليأس، إذ يؤكّد مسؤول اليونيسف هوكينز، أنّه من خلال زيارة تمت مؤخرًا إلى أسرة نزحت من مسكنها منذ أكثر من سبع سنوات، يمكنك أن تدرك أنّ أوضاع العديد من الأسر النازحة لم تتغير كثيرًا عدا ملامح وجوه أطفالهم. وحيث إنّ الأطفال قد كبروا وهم لا يعرفون شيئًا سوى النزاع؛ فمن الأهمية بمكان منحُ هؤلاء الأطفال بعضَ الأمل في مستقبل يسوده السلام.
يضيف: "يجب أن يكون أطفال اليمن قادرين على التطلع إلى المستقبل بأمل، وليس بخوف"، داعيًا جميع الأطراف للمساعدة على تحقيق هذا الأمل عن طريق التزامهم تجاه الشعب اليمني، وإنقاذ البلاد والسكان المجهَدين، من حافة الهاوية.
وتؤكّد اليونيسف أنّ فجوة التمويل التي استمرّت في مواجهتها، أدّت خلال العام 2022، ومنذ بداية العام 2023، في تعريض الاستجابة الإنسانية المطلوبة للأطفال في اليمن للخطر، بما في ذلك الحصول على خدمات الصحة والتغذية والتعليم والمياه والإصحاح البيئيّ. فمن دون الدعم الذي تقدّمه اليونيسف، تصبح قدرة هؤلاء الأطفال للبقاء على قيد الحياة، ونمائهم، منخفضةً إلى حدٍّ كبير في ظلّ الأزمة الإنسانية المعقدة.