بدافع العجز المادي وغلاء المهور، يتجه كثير من الشباب _في مناطق يمنية مختلفة_ إلى زواج الشغار، أو ما يعرف محليًّا بـ"زواج البدل"، لكنهم لا يدركون خطورة هذا الحل المؤقت، إلا بعد فوات الأوان؛ حين يصبح الطلاق فَرْضًا إذا فشل أحد الطرفين في زواجه.
تتلخص فكرة "زواج البدل"، في كونه اتفاقًا بين شخصين/ أسرتين، على أن يُزوِّج كلٌّ منهما وليَّته (ابنته/ أخته/ ...)، للآخر دون مهر، بغرض "تيسير الزواج" حسب الاعتقاد الشائع، إلا أن غالبية هذه الزيجات تنتهي بالطلاق الطوعي أو الإجباري، نظرًا لطبيعته التي تشبه المقايضة، ذلك أنه في حال فشل أحد الطرفين في حياته الزوجية وتقرر أنها العلاقة، يتعين على الطرف الآخر فعل الشيء نفسه، وفك ارتباطه بشريكه/ شريكته، كإجراء مقابل، دون مراعاة للضرر النفسي والانهيار الأسري وتبعات ذلك على الأسرة، والأنباء خاصة.
عواقب مأساوية
ما تزال هذه الظاهرة المتوارثة حتى الآن، تشهد انتشارًا وتوسعًا في المجتمع اليمني، نظرًا لتدني مستوى التعليم في بعض المجتمعات المحلية، وتردي الأوضاع الاقتصادية وغياب التوعية بعواقب مثل هذا الزواج القائم على معادلة غير عادلة ترتبط بها مصير عائلتين، بناء على عادات وتقاليد توغلت منذ القدم في الأسرة اليمنية دون غيرها، ويبقى استمرار هذا الزواج مرهونًا بصلاح الحال دون حدوث أي اختلال في توازن أحد الطرفين.
أعجب الشاب عبدالقوى _كما يروي أحد معارفه، لـ"خيوط"_ بإحدى فتيات قريته بمديرية شرعب (محافظة تعز)، وتقدم لخطبتها، إلا أن أهلها اشترطوا، للقَبول به، أن يزوِّج أختَه (إيمان) بابنهم في المقابل، وافق عبدالقوي على الشرط، وتم الزواج كما أراد.
بعد فترة، نشب الخلاف بين إيمان (أخت عبدالقوي) وزوجها، وذهبت إلى بيت أهلها، ثم أخذ الخلاف يتطور بينهما إلى أن طلبت الطلاق، الأمر الذي ترتب عليه انتزاع زوجة أخيها عبدالقوي، بالقوة من قبل أهلها كرد فعلٍ مُقابل، بعد مشادات كلامية وصلت إلى إطلاق النار بين العائلتين.
فعلوا ذلك؛ نكايةً بعبدالقوي _الذي فشلت محاولاته في إقناعهم بترك زوجته_ واحتجاجًا على فشل زواج أخيها مع شقيقته. بعد فترة قصيرة، لاذت ياسمين بالفرار من بيت أهلها إلى عبدالقوي، وتدخل مشايخ ووجهاء لحل القضية، لينتهي الأمر بمحاولة إجبار عبدالقوي على طلاق زوجته، إلا أنه فضل الانتحار على الانفصال عنها، نظرًا لعلاقة الحب والوئام التي كانت بينهما، ليختار خاتمة مأساوية كان سببها زواج الشغار.
أما محمد، وهو من أبناء محافظة المحويت، فقد أُجبِر على أن يتزوج ابنة عمه؛ طاعة لوالده الراغب في تزويج ابنته (أخت محمد)، بابن أخيه. ورغم أن محمد _بصفته شابًّا متعلمًا وواعيًا_ كان يدرك جيدًا مخاطر هذا النوع من الزواج، إلا أنه امتثل لرغبة والده وعمه.
مرت سبع سنوات من هذا الزواج، عاش فيها محمد استقرارًا وهناءً مع زوجته، وأنجبا خلالها ثلاثة أبناء، إلا أن الحال لم يدُم حتى بدأ الخلاف بين شقيقته وزوجها (ابن عمه)، بدأت على إثرها الخصومة بين العائلتين، وأخذت كلتاهما ابنتها وأطفالها.
ويقول محمد لـ"خيوط": "أصبحت أنا الطرف الخاسر في هذه "الصفقة" التي دمرت استقراري مع زوجتي وأطفالي، والآن أعيش العام الثالث بعيدًا عن زوجتي، حتى إنه تم حرماني من ورؤية أطفالي دون أي سبب، سوى كوني طرفًا من هذا الزواج، ولا توجد أي مشاكل بيني وبين زوجتي وأكِنُّ لها كل الحب، لكنها لعنة زواج البدل"، حد تعبيره.
اعتقاد خاطئ
في حديثه لــ"خيوط"، يصف الأخصائي الاجتماعي، محمد مهيوب، زواج الشغار بكونه عبارة عن قيد يجبر الطرفين على القبول دون أخذ رأيهم، إنما نزولًا عند رغبة الأهل الذين يعتقدون أنهم يسعون لتأسيس ترابط أسري بين العائلتين.
يضيف: "من حق الإنسان أن يكون له الحرية في اختيار شريك/ شريكة حياته، وعلى ذلك من المستحيل أن تتكون أسرة سليمة البنيان على أساس متزعزع؛ نظرًا لضعف مؤشر نجاح مثل هكذا علاقة، فضلًا عن كون هذا الزواج يهدد البناء الاجتماعي للعائلة، بسبب الخلافات والمشاكل الناتجة عنه".
كما يشدد على ضرورة التوعية المجتمعية، للحد من زواج الشغار، كونه ينتهي في الغالب بمشاكل وحالات طلاق، وخلافات وتوترات أسرية حادة، حتى إنها صارت اعتيادية، لدى بعض الأسر التي اضطرت أن تضحي بابنها مقابل الانفصال، بعد أن وقعت في فخ هذا الزواج.
عن أسباب انتشار هذه الظاهرة، يشير مهيوب إلى أن أهم الأسباب هي الأعراف والتقاليد المتوارثة في مجتمعنا، والتي لم نستطع التحرر منها، ويأتي غلاء المهور بالدرجة الثانية في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد، بالتالي يكون هذا النوع من الزواج حلًّا بالنسبة لمن لا يستطيعون توفير متطلبات الزواج، رغم عواقبه المأساوية.
"لا شغار في الإسلام"
"من النادر أن يكتب النجاح لمثل هذا الزواج؛ حاليًّا صرتُ أمتنع أن أعقد (عقد الزواج الشرعي) للأشخاص الذين يندرجون تحت هذا النوع من الزواج المتعارف عليه بالبدل، الذي يضطر إليه البعض بدافع الفقر المدقع الذي تعيشه كثير من الأسر اليمنية، خاصة الساكنين في المناطق الريفية"، كما يفيد الأمين الشرعي محمد عبده الخزيق، لـ"خيوط".
عن حكم زواج الشغار في التشريع، يوضح الخزيق، أن شرط جوازه "أن يُسمّى لهن مَهر المِثْل، فإن لم يسمى لهن مهرًا، فهو حرامٌ شرعًا"، مُبيّنًا أن الشواهد والواقع يؤكدان أنه "زواج فاشل، بالنظر إلى التجارب المجتمعية التي انتهت غالبيتها بالانفصال الإجباري بين الأحبة؛ فكم من أسر تفككت بسبب العناد، والمفاهيم القبلية التي تحتكم إلى قاعدة: إما أن تبقى علاقة الكل، أو تنتهي علاقة الكل"، حد قوله.
يجهل كثير من أولياء الأمور حق المرأة وحريتها في اختيارها شريك حياتها، حملًا على ظنهم أن ذلك يحافظ على تماسك الأسرة، أو خوفًا على ذهاب الميراث إلى شخصٍ "غريب" من خارج العائلة، وجهلًا بالنهي الشرعي الصريح على أن "لا شغار في الإسلام".