تتذكر أسرة الطفل "عبدالوهاب" تعابير وجهه، بعد أن تمّ طرده العام الماضي من إحدى مدارس "بني الحارث" في العاصمة صنعاء قُبيل الامتحانات؛ نتيجة عدم قدرتهم على دفع رسوم العام الدراسي لطفلهم الأول، ويشعرون بالأسى والوجع، وقلة الحيلة أيضًا، فقد طرق العام الدراسي الجديد أبوابه، ولا سبيل لإلحاق ولدهم بالمدرسة، فوضع أسرته أسوأ من أيّ عامٍ مضى بكل أوجاعه، وتخشى أن تتكرر حادثة الطرد مرةً أخرى.
يقول والد الطفل عبدالوهاب، وهو من سكان مديرية بني الحارث (شمال صنعاء)، لـ"خيوط": "إنّ تعليم الأبناء أصبح لمن استطاع إليه سبيلًا"، نتيجة الوضع الذي تعيشه الأُسَر في أغلب المناطق اليمنية، مع استمرار الحرب في اليمن أكثر من تسع سنوات، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
يضيف: "العام الماضي شكّل كابوسًا على ولده "عبدالوهاب" عندما أبلغته مديرة المدرسة بعدم السماح له بدخول قاعة الاختبار، حتى يقوم بدفع ما تبقى عليه من رسوم دراسية، أو حضور ولي أمره للتعهد بدفع المبلغ عقب أداء الاختبار".
كاد الطفل "عبدالوهاب" أن يُحرَم من عامه الدراسي لولا أنّ أحد أقرباء الأسرة تدخل وأقرض والده المبلغ المتبقي من الرسوم، رفقًا بمشاعر الطالب وتشجيعًا لمستواه المتقدم بين زملائه، فهو من الأشخاص الأذكياء في الفصل الدراسي؛ وفق حديث والده.
صعوبة الالتحاق بالتعليم
يأتي العام الدراسي الجديد مثقلًا بكل أحماله على الأسر اليمنية المنهَكة من الحرب وما خلّفه الصراع، والمكوية بين نار الأوضاع الاقتصادية الصعبة ومغبّة الأزمات، غير قادرة على توفير أدنى متطلبات التعليم لأبنائهم في ظل وضع مأساوي يكابده اليمنيون على مدى قرابة عقدٍ من الزمن، دون أمل بانفراجة قريبة أو بصيص سلام يخمد نارًا أشعلتها الحرب لتسعِ سنوات عجاف.
خلال الفيديو الذي انتشر بشكل واسع، ظهرت والدة الطفلة "سحر الخولاني"، وهي إعلامية يمنية، تتحدث عن تعرض طفلتها للتعنيف في إحدى المدارس الأهلية بصنعاء، وتحدثت الطفلة وهي ترتدي الزي المدرسي وتبكي بشدّة، عما تعرضت له، متهِمةً معلمتها في المدرسة بإزاحتها من مقعدها لتحل مكانها ابنة قيادي تابع لجماعة "الحوثي"، وهو ما وصفه مراقبون بـ"أنّه تكريس للعنصرية والطبقية"، وأنّه يمثل شاهدًا حيًّا لواقع التعليم في اليمن.
ويكابد الطلاب في العاصمة صنعاء ومعظم مناطق اليمن، العديد من التحديات، ويصارعون من أجل مواصلة التعليم، في ظل الأوضاع القاسية التي قد تحول بين عدم تلقيهم التعليم، أو طردهم من على باحات المدارس وزوايا الفصول، فضلًا عن الممارسات التعبوية والمناهج الملغومة بالطائفية، أو حتّى التفضيل العنصري التي أفرزته الحرب بحق العديد من الطلاب والطالبات.
تقول سارة محمد (اسم مستعار)، إنّها عجزت عن شراء المتطلبات الدراسية الضرورية لأبنائها الثلاثة (بنتين وولد)، فضلًا عن الزي المدرسي والحقائب، وأصبحت في حيرة كبيرة من أمرها، نتيجة ظروفها القاهرة التي تعيشها مع أولادها.
تؤكد سارة لـ"خيوط"، أنها تفكر بإلحاق ابنها فقط، إذا توفرت الإمكانيات لشراء المتطلبات، أما البنتان فقد أبعدت فكرة دراستهما من رأسها؛ لأنها عاجزة عن توفير أدنى المتطلبات. وهذا شكّل فارقًا في تعليم الفتاة، وجعل من الظروف الاقتصادية التي تعيشها الأسر عائقًا أمام تعليم الفتيات، وتعدّ هذه من أكثر الأسباب التي تعيق الفتيات من استكمال تعليمهنّ في اليمن.
طلابٌ بلا حيلة والمدارس تصعّد
يُشير الدكتور خالد الجوفي، الاستشاري في الإدارة والتخطيط والتدريب، ومدير مدرسة الخوارزمي الأهلية سابقًا، إلى أنّ التعليم في زمن الحرب أصبح عملة صعبة وغالية، وشبّهه بالعملة التي ثمرتها وشكلها جميل لكنها تعاني من التسوس في الداخل، فالمعدلات عالية والمخرجات ليست بالجيدة، لما يشوب التعليم من إرهاصات وتحولات، مما أثر على الأجيال ومستقبل البلاد.
ويتحدث الدكتور الجوفي لـ"خيوط"، عن تباين ردود الأفعال حول تعامل المدارس الخاصة (الأهلية) في حال عجز أولياء أمور الطلاب عن سداد الرسوم نتيجة الوضع المعيشي الصعب والإجراءات التي تتخذها إزاء ذلك، كونه عمل مدةً في منصب مدير مدرسة أهلية في العاصمة صنعاء، بالقول: "إنّ هناك الكثير من الطرق التي تتمثل بالإشعارات الورقية والهاتفية، ومن ثم الاستدعاءات، ثم يتصعّد الأمر إلى إيقاف الطلاب عن التعليم وعن الاختبارات".
ومن جهةٍ أخرى، يَعزي الدكتور الجوفي حال وضع الطلاب وأولياء أمورهم، الذين وجدوا أنفسهم بلا حيلة أمام هذه التصعيدات التي تطلقها المدارس الخاصة تجاه العاجزين عن دفع الرسوم، بالقول: "إنّ الانكسار هو سيّد الموقف مع كل أسرة تمر بهذه الظروف"، ويوضح أنّه مرّ بالعديد من التجارب مع أولياء الأمور، وهم منكسرون ومحبطون، وصل الحال بهم إلى بيع أسطوانة الغاز أو أثاث البيت من أجل دفع أقساط رسوم تعليم أولادهم.
ويضيف: "طلاب الأُسر الفقيرة ربما تعودوا على الإجراءات ووعود الآباء بدفع الرسوم، دون جدوى، لكننا نعاني الأمرّين، ألمًا وحرقةً ونحن بين نار الألم والدموع في عيون ووجوه الطلاب، وخصوصًا البنات، أثناء إيقافهم ومنعهم من الاختبارات، وعجزنا عن إدخالهم بسبب ضغط أصحاب المدارس"؛ على حدّ تعبيره.
تكريس الطبقية في التعليم
آخر حادثة أصدرت موجة احتجاجات وغضب واسع بين أوساط الشعب اليمني ورواد وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنم عن الحال الذي وصلت إليها الأوساط التعليمية في العاصمة صنعاء ومناطق عدّة في البلاد. وهو ما أثاره مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت خلاله طفلة تشكو إهانة معلمتها بإنزالها على الأرض مقابل أن تحل مكانها ابنة "أحد القيادات" في صنعاء، وهو ما عدّه مراقبون تكريسًا لثقافة التمييز والعنصرية التي مُنيت بها المدارس اليمنية.
وخلال الفيديو الذي انتشر بشكل واسع، ظهرت والدة الطفلة "سحر الخولاني"، وهي إعلامية يمنية، تتحدث عن تعرض طفلتها للتعنيف في إحدى المدارس الأهلية بصنعاء، وتحدثت الطفلة وهي ترتدي الزي المدرسي وتبكي بشدّة، عمّا تعرضت له، متهمةً معلمتها في المدرسة بإزاحتها من مقعدها لتحل مكانها ابنة قيادي تابع لجماعة "الحوثي".
الجدير بالذكر أن "الخولاني" تعرضت للاعتقال، بحسب مصادر تؤكد ما تم تداوله بهذا الخصوص.
ووصف مراقبون ذلك بأنه "تكريس للعنصرية والطبقية"، وأنّه يمثل شاهدًا حيًّا لواقع التعليم في اليمن، وما أحدثته الحرب من عذاباتٍ على حياة الطلاب في مختلف المناطق، إضافةً إلى التدمير في البنية التحتية للتعليم، وحرمان المعلمين رواتبهم منذ سنوات، وكثير من الإرهاصات التي ألمّت بالتعليم.
اضطرابات التعليم والحرب
وفق منظمة اليونيسف، فإنّ اليمن يواجه أزمة حادة في التعليم، حيث من الممكن أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات التي تلحق تعليمهم، إلى 6 ملايين طالب وطالبة، وهو ما سيكون له تبعات هائلة عليهم، على المدى البعيد. مشيرةً إلى أنّه منذ بداية النزاع في مارس 2015، خلّفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثارًا مدمرةً على النظام التعليمي في البلاد وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.
إلى ذلك يقول الناشط الاجتماعي محمد الطويل: "إنّ سنوات الحرب أثقلت كاهل الأسر، وكان لتدني مستوى التعليم لدى الطلاب في العاصمة صنعاء ومختلف مناطق اليمن، نصيبٌ من المعاناة التي عصفت بالكثيرين، وأبقتهم بين ويلات الجهل وجحيم التشرد".
يضيف الطويل لـ"خيوط"، بالقول: "إنّ تعليم الأبناء أصبح بالغ الصعوبة"، وأردف: "يعيش الناس وضعًا مأساويًّا مع بداية العام الدراسي الجديد، والآباء في مرحلة عجز شديد، أمام متطلبات الدراسة".
ويواجه أولياء الأمور العام الدراسي الجديد، بأنين الحزن وحسرة المغبون، لسوء الأحوال، وهم يرقبون أنفسهم بين نار الفقر وجحيم الأوضاع، لا حيلة لديهم ولا اقتدار، وأولادهم بين الحنين للدراسة ومُنقلب المنغصات.