بعد ثلاث سنوات من التخرج، بشهادة بكالوريوس في الاقتصاد، من جامعة تعز، تعود سمية الحكيمي إلى جامعتها، لكن العودة هذه المرة لم تكن بغرض التعلّم، بل لعرض منتوجاتها الحرفية من الملابس والإكسسوارات.
اضطرت سمية إلى البحث عن عمل يُمكّنها من مساعدة أسرتها، في مواجهة متطلبات العيش وظروف الحياة الصعبة، التي فاقمتها الحرب المستعرة في اليمن منذ ثماني سنوات، وما خلّفته من ارتفاعٍ ملحوظ في نسب البطالة في أوساط الشباب، لا سيما الخريجين من الجامعات، فكان التفكير في احتراف صناعة المشغولات اليدوية.
كان الخيار المتاح أمامها؛ حياكة الملابس والإكسسوارات، بعد أن فقدت الأمل في إيجاد فرصة للعمل بتخصصها الجامعي الذي درسته على مدى أربع سنوات.
عودة إلى الرصيف
على أرضية مجاورة لإحدى مباني الجامعة، تفترش سمية المكانَ لعرض بعضٍ من المشغولات اليدوية التي تعمل على حياكتها بنفسها، بمهارة عالية، وتنتج منها أشكالًا متنوّعة من ملابس ودمى للأطفال، وميداليّات وأساور وأشياء أخرى، جميعها تتعلق بزينة المرأة، إلى جانب احترافها صناعة البخور والعطور.
يؤكّد والد سمية أنّ هذا العمل يساعد ابنته في توفير بعض احتياجاتها التي عجزت الأسرة عن توفيرها لها، بسبب معاناتها المعيشية وأعبائها المتزايدة.
تقول سمية، في حديثها لـ"خيوط": "اشتغلتُ في هذا المجال بهدف إنشاء مشروعٍ خاصّ بي، أستطيع من خلاله دعم نفسي وأسرتي، وتوفير احتياجات معيشتنا اليومية، إلى جانب كونها هواية أسعى إلى تطويرها".
وعن سبب لجوئها إلى هذه المهنة، بعيدًا عن تخصصها العلمي، تشير سمية إلى أنّها فقدَت الأمل بالحصول على التوظيف في ظلّ واقع البلاد المعقّد، فكان لا بُدّ لها من البحث عن فرص أخرى للعيش.
تأخذ مصاعب الحياة المعيشية جلَّ تفكير اليمنيّين، في ظلّ ارتفاعٍ صادمٍ في مستويات الفقر والبطالة في البلاد، خلال السنوات الأخيرة.
إصرارٌ لا يتوقّف
كانت بدايات سمية في امتهان هذه الحرفة، بانضمامها إلى دورات تدريبية خاصة بتعليم طرق حياكة الصوفيات وملابس الأطفال والإكسسوارات، لتتطوّر الفكرة لديها وصولًا إلى عمل دمى وألعاب للأطفال، وبيعها لزميلاتها من الطالبات في الجامعة.
بين الحين والآخر، يرافق والد سمية، ذو الستين عامًا، ابنتَه. ويؤكّد في حديثه لـ"خيوط"، دعمَه لها، وفخره بما تُبْدعه أناملها، وعدم استسلامها للواقع المرير المفروض عليهم، كحال كثيرٍ من اليمنيين.
ويؤكّد أنّ هذا العمل يساعد ابنته في توفير بعض احتياجاتها التي عجزت الأسرة عن توفيرها لها، بسبب معاناتها المعيشية وأعبائها المتزايدة.
فيما تُبدي أحلام محمد، إحدى زميلات سمية في الجامعة ورفيقة دراستها، إعجابَها بما تقوم به زميلتها، وتشجيعها الدائم لها من خلال الشراء منها والترويج لمنتوجاتها.
لم يتوقف الحال عند سمية الحكيمي، بالذهاب إلى الجامعة فقط لبيع مشغولاتها ومنتجاتها، بل بدأت مؤخرًا بالمشاركة في المعارض المحلية التي تنظمها جمعيات ومؤسسات مختلفة، وتجد فيها فرصتها لإبراز نفسها والتسويق لمنتوجاتها، بما يحقّق لها مبيعات تعود عليها بالفائدة وتُشجِّعها على الاستمرار.
وأدّى الصراع الذي طال أمده في اليمن -بحسب البنك الدولي- إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، حيث يحتاجُ ما يقدّر بنحو 19 مليون يمنيّ، إلى المساعدة، بَدءًا من أغسطس/ آب 2022، يمثّلون نحو 60% من السكان. بالإضافة إلى ذلك، أدّت التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، إلى تفاقم مخاوف الأمن الغذائيّ في اليمن.
وأمام كل هذه الأرقام، تظلّ المرأة هي الحلقة الأضعف والضحية الأكبر التي تقع عليها مسؤوليات مضاعفة. ومع ذلك، تحاول الكثيرُ من النساء التمسُّك بحقّها الوجوديّ، ومحاولة صناعة واقعٍ مغاير من صميم يوميّات الصراع الدائر؛ أملًا في البقاء على قيد الحياة.