تعاني محافظة ريمة من جمود طال كافة القطاعات، وفي مقدّمتها القطاع الصحي والتعليمي والتنموي، كأنها زائدة على الجغرافيا اليمنية.
تتكون ريمة إداريًّا من ست مديريات، فيما يُقدّر عدد سكانها وفقًا لنتائج التعداد السكاني لسنة 2004، بـ(394.448) نسمة، بمعدل نمو سنوي يقدر بحوالي (3.04%)، وهناك تقديرات تشير إلى أنّ التعداد الحالي بلغ 800 ألف نسمة، معظمهم يتركزون في مديرية الجبين، عاصمة المحافظة.
مرافق صحية بلا خدمات
يوجد في ريمة ثلاثة مستشفيات ريفية، وقرابة 130 وحدة صحية تفتقر لأبسط المتطلبات الأساسية؛ بحسب مصدر طبي بمكتب الصحة العامة والسكان بالمحافظة.
وأشار المصدر في حديث لـ"خيوط"، إلى أن مستشفى الثلايا في الجبين هو الأبرز؛ إذ يقدم خدمات جراحية، وخدمات النساء والولادة، والرقود، وقسم العناية والعمليات الجراحية، والطوارئ؛ لكنه بحاجة لكادر مختص ومدرب، خاصة في قسم الطوارئ والأشعة والحضانة، وأقسام أخرى تبدو الحاجة إليها ملحة، واستمرار الأقسام الأخرى متعلق بوجودها واستمرارها.
موضحًا بالقول: "يفتقر القطاع الصحي في المحافظة إلى توافر التجهيزات والأجهزة الطبية الهامّة والضرورية، فضلًا عن أنه لا يوجد فرع للمختبر المركزي، ولا بنك للدم، أو مركز للأورام وآخر للأطراف الصناعية، ولا مخازن للأدوية بتاتًا، لا في مكتب الصحة ولا في المستشفيات، إلى جانب الحاجة لعدة أجهزة جوهرية، بينها جهاز الإليزا الخاص بعمل الفحوصات الطبية، وكشافة ديجيتال، وجهاز مغناطيسي، وجهاز الأشعة المقطعية؛ لذلك نضطر إلى إحالة المرضى إلى محافظة الحديدة، ما قد يعرّض حياتهم للخطر بسبب طول المسافة، ورداءة شبكة الاتصالات".
ويضيف المصدر الطبي، قائلًا: "الحديث تفصيلًا عن وضع القطاع الصحي بمحافظة ريمة، حديثٌ ذو وجع وعجز، بالنظر إلى تدفق المرضى وعجز البنية، وشحة الإمكانيات، وقصور الكادر من أطباء واختصاصيين، وفنيين متخصصين لإصلاح المعدات الطبية، ويكفي أن أشير -للتدليل على وضع الصحة بمحافظة ريمة- إلى أنه لا يوجد حتى مكب للنفايات الطبية، علاوة على الحاجة إلى توسعة المستشفى، بسبب ما نعانيه من ضغط".
لا تتجاوز الميزانية المخصصة لأكبر مستشفى بمحافظة ريمة سقف 240 ألف ريال يمني؛ أي حوالي 450 دولارًا فقط، بعد إيقاف النفقة التشغيلية المعتمدة للمستشفيات من الوزارة، وهو رقم ضئيل وصادم، ويكشف لماذا لا تتوافر الكوادر الكفؤة والمتخصصة، ومن ثم الوصول لهذا الوضع المتردي للغاية.
إيقاف النفقات التشغيلية
ويفجر المصدر مفاجأة تكاد تنهي كل الكلام حول الوضع الصحي بالمحافظة التي يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، حيث قال: "لا تتجاوز الميزانية المخصصة لأكبر مستشفى بمحافظة ريمة سقف 240 ألف ريال يمني؛ أي حوالي 450 دولارًا فقط، بعد إيقاف النفقة التشغيلية المعتمدة للمستشفيات من الوزارة، وهو رقم ضئيل وصادم، ويكشف لماذا لا تتوافر الكوادر الكفؤة والمتخصصة، ومن ثمّ الوصول إلى هذا الوضع المتردي للغاية".
من جهته، يؤكد منذر العرنوط، مدير مستشفى الميثاق المحوري، بمديرية بلاد الطعام، أنّ الموازنة التشغيلية الشهرية للمستشفى لا تزيد على 249 ألف ريال يمني، وبعد استبعاد الضرائب منها تُصبح 180 ألف ريال لا غير، ومن ثم فالمستشفى يكاد يخرج عن الخدمة تمامًا، وحتى الأجهزة المتوافرة، ومن ضمنها جهاز التعقيم الخاص بالعمليات والميكروسكوبات، قبل أن تتم صيانتها قبل شهور قليلة.
ويُتابع العرنوط في حديث لـ"خيوط": "مباني مستشفى الميثاق تحتاج إلى صيانة شاملة وعمل توسعة رأسية للمبنى، وبناء مبنى للإدارة كون الإدارة تعمل حاليًّا من سكن الأطباء، كما يحتاج المستشفى إلى معمل لإنتاج الأكسجين كونه بمنطقة نائية والحصول على الأكسجين مكلفٌ، ومتعب جدًّا، بسبب الطُّرق الوعرة، بالإضافة إلى احتياج المستشفى لمولد كهربائي بحجم 150 كيلو على الأقل، لأنّ المولد الحالي قديم وكثير الأعطال، ويحتاج ميزانية ضخمة للصيانة".
ويُضيف: "تفتقر المستشفيات في ريمة، ومنها مستشفى الميثاق المحوري، للأطباء والمتخصصين، خاصة في مجال النساء والولادة، والجراحة العامة والتخدير، إذ لا يوجد سوى اختصاصية نساء واحدة من روسيا في المستشفى، تعمل بنظام التعاقد بنسبة 50%، إضافة إلى ذلك يحتاج المستشفى للأدوية والمستلزمات الطبية وأدوية الصحة النفسية والأمراض المزمنة".
موضحًا أنّ المستشفى تنحصر خدماته على ضرب الإبر والمجارحة والتعامل مع الحالات الحرجة وتحويلها، وكذا الولادة القيصرية والولادة الطبيعية، والتنظيف في حالة وفاة الجنين، ورعاية الحوامل والحضانة، مُبديًا خشيته من توقف أغلب الخدمات في المستشفى، وخروجه عن الخدمة.
رحلة البحث عن علاج
يوسف الريمي، من سكان مديرية الجعفرية بريمة، يتحدث لـ"خيوط"، عن الوضع الصحي بمديريته، قائلًا: "لا يوجد مستشفى في المديرية بالكامل، وعوضًا عن ذلك يوجد مركز صحي لا يفتح إلا يومًا واحدًا أو يومين في الأسبوع، يفتقر لأبسط الخدمات، وتباع الأدوية المتوافرة فيه، كالمهدئات الخاصة بالحميات أو الإسهال أو ما شابه، بأسعار باهظة جدًّا؛ لأنه لا بديل".
يضيف الريمي: "نسافر مجبرين إلى محافظة الحديدة لتلقي العلاج، وهذا يكلفنا كثيرًا، بسبب المصاريف المترتبة على ذلك، خاصة لو تقرَّرَ للحالة المرَضية رقودٌ في المستشفى".
في سياق متصل، يتحدث محمد علي، أحد سكان مديرية كُسمة، عن حادثة تعرضت لها زوجته أثناء ولادتها، يقول: "أسعفت زوجتي إلى أحد مستشفيات الحديدة قبل شهور؛ لأننا لم نجد مستشفى مؤهلًا في المحافظة، وبعد أن أجريت لها عملية قيصرية اكتشفنا لاحقًا أنّ الأطباء الذين أجروا العملية نسوا بعض القطن في بطنها، إلى جانب أنهم لم يقوموا بعملية التنظيف كما ينبغي؛ ما سبّب لها تقيحًا في مكان العملية، بعدها اضطررنا للذهاب إلى صنعاء لزيارة طبيب مختص. الأمر تطلب منّا تكاليف إقامة وعلاج باهظة إلى جانب مشقة التنقل، لكنني بعد هذه التجربة كرهت العودة إلى القرية، خوفًا من تكرار المعاناة مجدّدًا".
تجسد تجربة علي وزوجته حالة عامة للناس في كل مديريات محافظة ريمة، حيث تتكاتف الظروف البيئية وغياب الاهتمام بالمحافظة وبقطاعاتها المختلفة من الحكومات المتعاقبة، لتدفع المحافظة وأبناؤها ثمنًا باهظًا من أرواحهم وأعمارهم.