بين معبد أحمد بن أحمد قاسم في ساحل أبين، وبين ساعي بريد أحباب محمد سعد عبدالله، تقف الأغنية العدنية، وهي في قاماتها الموسيقية، تاريخٌ يحكي عن الحُبّ والعشق والخيانة والبُعد. فالأغنية العدنية كانت رسمًا يخطه الشعراء ويلونه الملحنون في لوحة الغناء العربي، المحمولة بأصوات تربت عليها أجيال عدة في مدينة عدن واليمن والخليج العربي.
يتحدث وليد الدباء، وهو مختص بالأغنية اللحجية ورافق كثيرًا الفنان فيصل علوي، حول الأغنية العدنية، وارتباطها بالذاكرة، والتي كانت لغة تُعبر عن المكنون الداخلي في الوجدان العدني، إذ يقول الدباء لـ"خيوط"، إن حجم التنافس الذي حدث بين الأغنية العدنية والأغنية اللحجية أثار كثيرًا مهارات الإبداع، وصقل المواهب الفنية، فيما ترجمت الأغنيات بالكلمات والألحان صوت المشاعر والأمنيات.
ويشير الدباء إلى الأغنية اللحجية كأغنية راقصة في المجمل؛ لأنها تمتاز بالشرح و"المركح" وهي أغنية شاعرية يستقي شعراؤها الكلمات من بساتين لحج الخضيرة، كالحسيني على سبيل المثال.
مقهى الأغنية العدنية
تمتاز الأغنية العدنية بالكلمات العذبة والألحان الجميلة، لذلك هناك تنوع فني كبير في جنوب اليمن؛ نظرًا لما يحمله من مزيج رائع من الأغاني، حيث لا يتوقف الأمر عند الأغنية العدنية واللحجية، فهناك أيضًا اللون الغنائي الحضرمي واليافعي والبدوي.
تعبر الإعلامية فرح جمال عن اندهاشها، بالتوجه الحاصل في الأوساط الفنية بعدن إلى أغنيات الراب والخليجي والعراقي في اللحظة التي تمتلك عدن في لهجتها أسلوبًا ساحرًا في الكلمات والألحان
في "مقهى الشجرة" الشهير في منطقة الشيخ عثمان (شمال عدن)، برزت الأغنية العدنية كثيرًا، فقد كان بمثابة رمز ومنتدى يجتذب الفنانين والشعراء والملحنين، ورواد كثيرون رشفوا أكواب الشاي العدني الشهير والقهوة على سماع الأغاني العدنية، والتي تتناول ظروف القلب في معترك الحياة.
ويتحدث أحد كِبار السن، الحاج حسن عن الندوات التي كانت تجمع بين الشعراء والملحنين في مقهى الشجرة، خصوصًا في المناسبات وأيام الأعياد، ويوضح لـ"خيوط"، أن المقهى والأغنية العدنية كانت عنوانًا لمرحلة لن ينساها من عاشها، فقد تعدت شهرة الأغنية العدنية إلى خارج الحدود، وغنّاها الكثير من الفنانين، خصوصًا في دول الخليج العربي.
عدم التوثيق
تقول الإعلامية فرح جمال لـ"خيوط"، إن بساطة الأغنية العدنية وصدقها، هي ما جعلتها خالدة، فالإحساس بالكلمات يصل إلى القلب مباشرة، دون أي حواجز. وتؤكد أن هناك حاجة ماسة حاليًّا إلى فن يوازي الأغنية العدنية الشهيرة، بالتوازي مع تراث هذه الأغنية. وترى فرح أنه لطالما كانت الأصوات موجودة، لكنها افتقدت لوجود شعراء وملحنين يكتبون ويلحنون كلمات عدنية حقيقية.
وتعبر فرح عن اندهاشها، بالتوجه الحاصل في الأوساط الفنية بعدن إلى أغنيات الراب والخليجي والعراقي في اللحظة التي تمتلك عدن في لهجتها أسلوبًا ساحرًا في الكلمات والألحان.
لم توثق كُلّ الأغاني العدنية؛ الأمر الذي جعلها مشاعًا لكثير من الفنانين من خارج البلاد الذين لم يتورعوا في أخذ الحق الفني وتغييبه، بعمد أو بغير عمد، كما تحدث عن ذلك كثير من الفنانين، ومنهم الفنان نايف عوض في إحدى المقابلات التلفزيونية، الذي أكد أنه بسبب عدم وجود حقوق للكلمات والألحان في عدن، تسبب في سطو فنانين خليجيين على الأغنية العدنية بكلماتها وألحانها والاكتفاء فقط بالإشارة إلى كونها تراث يمني، فيما تم إغفال حقوق الشاعر والملحن والفنان.