أصبح على الأُسَر في جزيرة سقطرى -وهي أرخبيل يمنيّ، يضمّ ست جزر على المحيط الهندي، قبالة السواحل الإفريقية بالقرب من خليج عدن- مجابهة الغلاء الفاحش، عقب تسع سنوات من الحرب.
كانت الجزيرة قبلها تتمتع بنوع من الاستقرار نتيجة تنوّع الثروة الحيوانية والنباتية التي تزخر به الجزيرة البكر، غلاء انعكس على استعدادات سكان الأرخبيل أثناء استقبال شهر رمضان.
يقول سمير بن قبلان، من سكان سقطرى، في حديث لـ"خيوط": "بسبب الغلاء المعيشي الذي يعاني منه المواطن السقطريّ، اتجهت بعض الأُسَر إلى التسول في الأسواق، وهذه عادة لم نعهدها من قبل في الأرخبيل".
ويعزو قبلان سبب تفشي الفاقة والفقر في أوساط المجتمع السقطريّ، إلى انعدام فرص العمل، واقتصارها على المهن التقليدية (الرعي والصيد والزراعة)، وهي مهن علاوة على أنّها تأثّرت بالحرب الدائرة، فإنّها باتت لا تغطي احتياجات السكان المحليّين .
قبلان يستذكر وضع الجزيرة في السابق، قائلًا: "قديمًا لم تكن هناك عملة محلية في سقطرى، وإنما كان السكان يتبادلون السلع (بالمقابل/ المقايضة) فيما بينهم، وكذلك مع العالم الخارجي، حيث كانت تصدّر المنتجات السقطرية لمناطق ودول مختلفة، بمقابل مواد غذائية واستهلاكية. حاليًّا في ظل التعامل بالبيع والشراء بالعملة المحلية، بات الأهالي يعانون من الغلاء الفاحش الذي فاقم معاناتهم".
في المساء، توقد النيران في إحدى المنازل لتجتمع النساء فيه للسهر وتبادل القصص والأحاديث، بينما يمارس الأطفال لعبتهم المفضلة الأجاشل (لعبة تلعب بواسطة الأحجار)، ولعبة الطيبانات بلهجة أهل سقطرى (لعبة تلعب بالعيدان)، ويمارسها الرجال وقت العصر إلى جانب الألعاب الشعبية المختلفة.
ويشير أحمد الرميلي، رئيس مؤسسة سقطرى للتراث، إلى هذا الاكتفاء الذي ولى، أثناء حديثه لـ"خيوط"، قائلًا: "في بوادي سقطرى قديمًا، كان الإفطار من خيرات الأرض (الثروة الحيوانية والنباتية) التي تتمتع بها الجزيرة (التمر، والذرة (مقدارة، بالسقطرية)، والشعير، والدُّخْن (بنبة، بالسقطرية)، والحليب، والسمن (الأبقار والأغنام)، حيث كان المواطن يفطر بما توفر".
طقوس مختلفة
في سياق متصل، تتنوع عادات وتقاليد استقبال رمضان في سقطرى، منها ما هو متوارث عبر الأجيال، ومنها ما هو مستحدث بفعل التقارب الذي فرضته وسائل التكنولوجيا. يشرح بن قبلان لـ"خيوط"، بعض هذه المظاهر، قائلًا: "تبدأ الاحتفالات والاستعدادات لشهر رمضان في سقطرى منذ وقت مبكر".
إذ تحرص الأُسَر السقطرية على شراء مستلزمات رمضان منذ شهر شعبان، فيما تحرص النساء في بوادي سقطرى على الانتهاء من جمع الحطب قبل حلول الشهر قدر الإمكان، حتى لا يرهقن أثناء الصيام، إضافة إلى تجهيز الأواني الفخارية لتخزين الماء فيها، والقدور لطبخ الفطور، وغسل أكبر قدر من الملابس والبطانيات في الوادي أو في أي بئر قريبة، في حين يتولى المسحراتي مهمة إيقاظ الناس وينادي بالسقطرية: "فلاح، فلاح، ..."، أي: سحور، ثلاث مرات.
من جانبها، تفيد ميسون الدعرهي، باحثة اجتماعية، في حديث لـ"خيوط"، بأنّ من ضمن العادات الرمضانية في بادية جنوب أرخبيل سقطرى، إخراج من يملك مواشي ذبيحة كزكاة للجيران الذين بدورهم يطبخونها كشوربة.
كما يقوم من لديه مواشٍ في البادية بإخراج خروف كزكاة، حيث يتم توزيعه على الجيران، بشرط ألّا يأكل منها صاحب الشأن، وعند العصر يأتي أطفال الجيران حاملين الأواني للحصول على اللحم والتنافس على الشحم، فهو المفضل لديهم، ويتم طبخ الشوربة بما يُحضرونه من لحم وشحم في تلك الأواني.
وتضيف الدعر: "جرت العادة عند نساء البادية في المناسبات والضيافة، أن يطحنَّ الشعير والدخن على الأحجار، ويصنعن الخبز منه، ولكن يبقى اللحم والأرز الأبيض الذي يوضع عليه السمن السقطري (سمن الأغنام أو الأبقار) مع الروبة هو المفضل.
هناك أيضًا التمر السقطري، والقهوة، وشوربة الشعير باللحم أو السمك، بالإضافة إلى الأكلات المتنوعة الأخرى، إذ تختلف الأكلات الرمضانية في بادية سقطرى عن غيرها من الأماكن".
في المساء، توقد النيران في إحدى المنازل، لتجتمع النساء فيه للسهر وتبادل القصص والأحاديث، بينما يمارس الأطفال لعبتهم المفضلة الأجاشل (لعبة تلعب بواسطة الأحجار)، ولعبة الطيبانات بلهجة أهل سقطرى (لعبة تلعب بالعيدان)، ويمارسها الرجال وقت العصر إلى جانب الألعاب الشعبية المختلفة.
التمايز في الطقوس
ويشير الرميلي إلى أنّ هناك طقوسًا وعادات وأطباقًا رمضانية مختلفة في المدينة (حديبو)، بفعل التداخل المجتمعي الذي طرأ على الأرخبيل، تقترب هذه الطقوس من تلك السائدة في عموم المحافظات اليمنية.
لا تختلف الطقوس الدينية في سقطرى عن غيرها من المحافظات اليمنية في إحياء صلوات القيام وحلقات الذكر، غير أنّها تقترب أكثر من الطقوس الصوفية في بعض مناطق محافظة حضرموت المجاورة.
من ناحيته، يؤكّد عيسى جمعان، باحث اجتماعي، في حديث لـ"خيوط"، أنّ التآلف والتراحم بين الناس في بادية سقطرى والمتمثل بالعادات المتوارثة قديمًا، قلّما تجدها في الحضر؛ إذ كان الناس قديمًا يجتمعون على سفرة واحدة ويفطرون على قليل من القهوة والتمر السقطري، ثم يتناولون وجبة العشاء المكونة من (الأرز، واللبن الرائب، والخبز، والشاي)، بينما يفضل أهل الساحل السمك أو اللحم مع الأرز، بدلًا عن اللبن الرائب؛ تآلف يفتقده حضر الجزيرة".
طرق متشابهة
في السياق، تكاد معظم مناطق سقطرى تشترك في طريقة التعامل مع مثل هذه المناسبات، من خلال تنظيف المنازل والشوارع والأحياء ومختلف الطقوس التي تتفرد بها مناطق الأرخبيل.
مارينا السومحي، رئيس اللجنة الوطنية للمرأة في الأرخبيل، وهي من سكان العاصمة حديبو، تقول في تصريح لـ"خيوط": "من العادات والتقاليد للتعامل مع رمضان في الأرخبيل، القيام بحملة نظافة واسعة قبل حلول الشهر يتم فيها تنظيف البيوت والشوارع وأفنية المنازل، وجمع القمامة وحرقها في الأودية أو في أماكن مخصصة لذلك، إلى جانب توفير متطلبات ومستلزمات الشهر".
وتضيف السومحي: "في المناطق (الشرقية، والغربية، والوسطى) لا يفطر الناس هناك إلّا من تمور بساتينهم، ويقومون بإهداء هذه التمور إلى أقاربهم، فيما يسارع الأطفال بدِلَال) القهوة والشاي إلى المساجد لإفطار الصائمين، إضافة إلى تبادل الأسر للأطباق الرمضانية".
الطقوس الدينية
لا تختلف الطقوس الدينية في سقطرى عن غيرها من المحافظات اليمنية في إحياء صلوات القيام وحلقات الذكر، غير أنّها تقترب أكثر من الطقوس الصوفية في بعض مناطق محافظة حضرموت المجاورة.
كما أنّ هناك صلاة التسبيح، حيث يطوّل الإمام بالصلاة في كل ركعة، وهناك أيضًا صلاة السجود، في السابع والعشرين من شهر رمضان، إلى جانب بعض الأدعية الخاصة بالمذهب الصوفي.
وتعليقًا على ذلك، يوضّح أحمد الرميلي؛ أنّ هذه الأدعية ذات منحى صوفي تم استقدامها إلى الأرخبيل من قبل بعض الشباب الذين تلقّوا جزءًا من العلوم في حضرموت، وهي لا تعد من الطقوس السقطرية، وإنّما دخيلة عليها، حيث ما تزال بعض هذه الأدعية تقال في المساجد من قبل أتباع المذهب الصوفي في بعض التجمعات الساحلية.