الفرحة العارمة التي عمت اليمنيين لم تكن فقط تعبيرًا عن تتويج منتخب الناشئين تحت 17 عامًا ببطولة غرب آسيا، بل كانت صوتًا وهديرًا مرتفعًا لشعب أراد التعبير عن وجوده وإرادته الجبارة في وجه الحرب وأمرائها وأطرافها التي تذيقه الويل منذ سبع سنوات.
خرجت صنعاء في مواكب فرائحية ملأت شوارعها وحاراتها تهتف: "بالروح بالدم نفديك يا يمن"، صدح الآلاف للوطن لليمن، الشعب قال نحن هنا ما زلنا أحياء، لم تنَل منا حربكم وصراعكم وقتلكم وتجويعكم، كما كان الحال في تعز وحضرموت وشبوة وصعدة وثغر اليمن الباسم عدن، التي عبرت هي الأخرى عن فرحتها العارمة بفوز أشبال اليمن وإنجازهم الكبير ليس في تتويجهم بالبطولة، بل في توحيدهم للشعب اليمني، صرخت عدن لليمن، تحدى الناس مشاريع وسياط التجزأة والتفتيت.
احتفل اليمنيون، هتفوا للمنتخب الوطني للناشئين، للإنجاز النادر في التتويج بالبطولة والفوز على مستضيفها المنتخب السعودي في المباراة النهائية بضربات الترجيح، لكن كان هناك شخص خلف كل هذه الفرحة والإنجاز، لم تسلط عليه الأضواء في خضم هذه النشوة والفرحة العارمة، إنه المدرب الوطني لهذا المنتخب "قيس محمد صالح".
انسل ابن كريتر في عدن ونادي التلال، أعرق الأندية على مستوى الجزيرة العربية، بهدوء إلى عالم التدريب بعد أن خاض مسيرة كروية حافلة، استمرت لأكثر من عقدين رفقة جميع الفئات العمرية لنادي التلال بدأت في العام 1992 إلى العام 2013.
مسيرته خارج المستطيل الأخضر
حدد وجهته القادمة خارج المستطيل الأخضر، والانتقال إلى خطوط الملاعب في العام 2013، حصل على شهادة الماجستير في قسم التربية البدنية في كلية التربية بجامعة عدن. كما حصل على شهادات عدة في مجال التدريب؛ منها شهادة (c) للمدربين من دولة قطر، ودورة المدربين البراعم من صنعاء للمحاضر الدولي داتو. والتحق مطلع العام 2018 ببرنامج لتأهيل المدربين من المستوى (A) و (B) التي أقيمت في سلطنة عمان.
شارك اللاعب قيس محمد صالح في مرحلة مهمة مع نادي التلال، وكان أحد اللاعبين في الفريق الذي أحرز بطولة الدوري للموسم الكروي 2004-2005 التي توج بها التلال بقيادة المدرب سامي نعاش، وكأس الرئيس للموسم الكروي 2007، ووصيف الدوري لموسم 2001
عاد بعد ذلك، محاولًا الحصول على فرصته في مجال التدريب، عمل مدربًا للفئات السنية في عدد من الأندية في عدن، ومن ثم مدربًا للفريق الأول لنادي وحدة عدن في العام الماضي 2020.
في 28 مايو/ أيار 2021، أعلن الاتحاد اليمني لكرة القدم عن تعيين المدرب قيس محمد صالح مدرّبًا للمنتخب الوطني للناشئين، وهو قرار كان له صدى بالغ في الأوساط الرياضية، كونه الأجدر لقيادة المنتخب الوطني للناشئين.
خلال سبعة أشهر فقط، قاد قيس الفريق بعد فترة إعداد صعبة وقاسية، مع إمكانيات شحيحة، ومعسكرين تدريبيين للمنتخب بعد غربلته، في صنعاء، ومن ثم سيئون بحضرموت، ليكون أول مدرب يمني يدخل التاريخ، منذ تأسس اتحاد كرة القدم في جنوب اليمن عام 1965، وفي الشمال عام 1966، فقد آمن قيس بفتيان اليمن، قبل انطلاق البطولة سئل في مؤتمر صحفي عن حظوظ المنتخب، فكان رده: "أتينا للمنافسة على اللقب".
مسيرته في الملاعب
كانت الانطلاقة الأولى للاعب قيس محمد صالح في موسم 1997، إذ كانت مشاركته الأولى مع نادي التلال عميد أندية الجزيرة العربية والخليج، ليكون أحد اللاعبين الذين رافقوا آخر الأجيال الذهبية الفذة لنادي التلال.
شارك اللاعب قيس محمد صالح في مرحلة مهمة مع نادي التلال، وكان أحد اللاعبين في الفريق الذي أحرز بطولة الدوري للموسم الكروي 2004-2005 التي توج بها التلال بقيادة المدرب سامي نعاش، وكأس الرئيس للموسم الكروي 2007، ووصيف الدوري لموسم 2001.
كما ساهم المهاجم قيس محمد صالح كثيرًا في تحسين وضع التلال في المسابقات الرسمية من خلال الأهداف التي سجلها في كثير من المباريات التي لعبها ليسجل خلال مشاركاته مع الفريق في المسابقات الكروية نحو 64 هدفًا.
تتضمن مسيرته الكروية العديد من المشاركات الخارجية للفترة من 99-2004، منها مشاركته مع المنتخب المدرسي عام 99 الذي شارك في البطولة العربية المدرسية التي أقيمت في مدينة الإسكندرية المصرية ومع منتخب الشباب بالطائف بالسعودية، ومع المنتخب الأولمبي في مدينة بوسان الكورية، وفي خليجي 16 بالكويت، وهي أول مشاركة يمنية في بطولات الخليج وفي بطولة الأقصى الدولية التي جرت في صنعاء وضمت اليمن والجزائر وفلسطين وعمان، وأحرزتها الجزائر.
فرحة من تحت ركام المعاناة
تعيش الرياضة في اليمن أوضاعًا مأساوية منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد، والتي تسببت في توقف الفعاليات الرياضية، وسط جهود شحيحة تُبذل في سبيل إيجاد الحلول لاستعادة النشاط الرياضي في عموم المحافظات.
وانضم منذ العام الماضي فيروس كورونا إلى الحرب في التأثير على الرياضة في اليمن، ليقضي الوباء الذي تعاني منه مختلف دول العالم على بصيص الأمل لدى الرياضيين الذين زادت معاناتهم جراء هذه الظروف التي انعكست على الوضع المعيشي عليهم، وخاصة أولئك الذين كان يشكل لهم المجال الرياضي، بالأخص المنتمين لرياضة كرة القدم مصدر دخل بما يتقاضونه من أجور مقابل لعبهم لدى الأندية.
في مطلع العام الحالي 2021، أصيب الوسط الرياضي والكروي في اليمن بصدمة كبيرة، بوفاة الكابتن سامي نعاش، مدرب المنتخب الوطني اليمني وأسطورة نادي التلال العريق، متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا الذي تسبب في اختطاف عدد كبير من نخبة اليمن من مختلف التخصصات والمجالات الأكاديمية والسياسية والأدبية والفنية والرياضية.
منذ منتصف العام 2021، بدأت الرياضة اليمنية تعود تدريجيًّا إلى الواجهة، إذ استضافت مدينة سيئون بمحافظة حضرموت المرحلة الأخيرة من الدوري التنشيطي لأندية الجمهورية اليمنية المتواجدة بالدرجة الأولى والثانية من الدوري العام، وذلك بالملعب الأولومبي بمدينة سيئون، وشارك فيها ثمانية أندية رياضية، والتي أحرزت المركز الأول في تجمعات المحافظات.
وتوج نادي شعب حضرموت بالبطولة بعد فوزه على نادي وحدة عدن بركلات الترجيح، في المباراة التي اعتبر المتابعون أنها الأكثر جماهيرية من عشرات السنين.
وتم مجددًا في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، استئناف الدوري اليمني لكرة القدم، بعد توقف دام 6 سنوات بسبب الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، بمشاركة 14 ناديًا، خاضوا منافسات البطولة بنظام التجمع بعد أن تم تقسيمهم إلى مجموعتين تضم كل مجموعة 7 أندية. ليتوج نادي فحمان من محافظة أبين بهذه البطولة لأول مرة في تاريخه.
واستبشر كثيرون في الوسط الرياضي بهذه العودة للدوري اليمني لكرة القدم، إذ يرون فيها استعادة لعافية الكرة اليمنية المنهارة، بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من ست سنوات، ليختتم العام بفرحة عارمة انطلقت من وسط ركام الحرب، بتتويج منتخب الناشئين تحت 17 عامًا بقيادة المدرب الوطني قيس محمد صالح ببطولة غرب آسيا التي أقيمت في مدينة الدمام السعودية.