الحرب وتداعياتها كاثرت من أعدادهم

مرضى ومعتلّون نفسيًّا بدون مصحَّات!
غدير الشرعبي
July 14, 2023

الحرب وتداعياتها كاثرت من أعدادهم

مرضى ومعتلّون نفسيًّا بدون مصحَّات!
غدير الشرعبي
July 14, 2023
.

يعد المرضى والمعتلون نفسيًّا من بين أكثر ضحايا الحرب تأثرًا بتداعياتها؛ بسبب إهمال وتجاهل المجتمع والجهات المعنية لمعاناتهم وتزايد أعدادهم.

وتتجلى مؤشرات الزيادة -وفق مختصين في الصحة النفسية- في حالة الرهاب الليلي، والهلع لدى الأطفال، ومتلازمة ما بعد الصدمة عند الكبار، وتفاقم حالات الصرع عند مرضى التشنجات، إضافة إلى تزايد حالات الانطواء الاجتماعي، وجميعها أمراض تمر بهدوء وسط زحام الوضع الصعب في اليمن، إذ ليست هذه الأمراض وليدة الحرب فقط -وإن كانت الحرب قد فاقمت حدتها- لكنها أيضًا نتيجة الانتشار الكبير للفقر والبطالة وانسداد الأفق منذ زمن لدى نسبة كبيرة من المواطنين، وفي مقدمتهم الشباب المُقبِلون على الحياة.

الجدير بالذكر أنه لا توجد إحصائية رسمية توثق نسبة هذه الزيادة، لكن منظمة الصحة العالمية قدّرت أعدادهم في اليمن عبر تقرير لها السنة الماضية، بحوالي ثمانية ملايين شخص، في ظل ما وصفتها بـ(الأزمة النفسية)، في البلاد التي يعاني نظامها الصحي من انهيار شبه كامل.

في الوقت الذي لا تتجاوز فيه عدد مستشفيات الصحة النفسية العامة والخاصة الرقم سبعة، يعمل منها مستشفيان حكوميان فقط، بطاقةٍ محدودة للغاية؛ أحدهما في مدينة تعز، وهو الأكثر نشاطًا، والآخر في مدينة عدن، لكنه يعاني من التوقف بين الفترة والأخرى.

مستشفى بلا إمكانيات

يوحي الشكل الخارجي لمبنى مستشفى النور للأمراض النفسية والعصبية، بمدينة النور في مدينة تعز، بأنه مبنى حديث، مجهز بكافة الاحتياجات والتجهيزات الطبية، لكن الواقع من الداخل على العكس من ذلك تمامًا؛ فهو يفتقر لوجود كادر طبي متكامل، حيث يعمل فيه ثلاثة أطباء فقط وممرضون، وعاملان اثنان بالتعاقد، فضلًا عن افتقاره لأبسط الإمكانيات، من دواء وغذاء وملابس ومياه ونظافة، وغيرها من الاحتياجات.

حيث يحاول القائمون عليه تقديم الرعاية الطبية المتاحة للمرضى البالغ عددهم 185 نزيلًا، يتوزعون على القسمين العام والخاص، إلى جانب عدد الذين يأتون للعلاج.

وضمن اهتمامها بمثل هذه القضايا المجتمعية، زارت "خيوط"، المستشفى للاطلاع على أوضاعه باعتباره المستشفى الحكومي الوحيد الذي يعمل دون توقف، كما يقول القائمون عليه.

إذ لا تزال أضرار الحرب ظاهرة على المبنى منذ تعرضه لهجمات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، تسببت بهدم السور الخارجي، وإخراج بعض المرافق عن العمل، ومنها (قسم النساء الخاص) و(الملحق) والغسالة المركزية، بحسب مدير المستشفى، عادل ملهي.

يقول ملهي في حديث لـ"خيوط"، إنّ تضرر السور أعاق المستشفى عن تقديم خدمة أفضل؛ لأنه كان يُمكن تطويره ليكون أكثر متانة وارتفاعًا، ما يوفر مساحة آمنة وأكثر حرية للمريض، للحركة بداخله بدلًا من إغلاق الغرف عليهم خوفًا من هروبهم.

الوعي المتدني -إن لم يكن الجهل- بأعراض الحالات النفسية، واعتقاد الناس بأن المريض النفسي يعاني من مسّ شيطاني، يدفعهم لعلاجه بواسطة الذهاب إلى القرّاء أو المشعوذين والدجّالين؛ الأمر الذي يفاقم من تدهور صحة المرضى ويعقد إمكانية علاجهم.

الخدمات والمشاكل

وعن طبيعة الخدمة التي يقدّمها المستشفى للمرضى، يؤكّد ملهي أنّهم يقدّمون العلاجات المتاحة، لكنها غير كاملة لقلة الدعم الحكومي والمساعدات الأخرى، بالإضافة إلى أنّ المستشفى يقدم التغذية، وهي الأخرى لا تغطي سوى نسبة 15% من نسبة النزلاء، مؤكدًا أنّ المستشفى يفتقر للملابس وخدمات النظافة والمياه.

وبنبرة حزينة أضاف ملهي: "لولا يد العون التي تمتد لنزلاء المستشفى من أهل الخير لأصبح المرضى عرايا، ينامون على الأرض".

وبعيدًا عن هذه المشاكل، هناك مُعضلة أخرى تتعلق بأهالي المرضى الذين -برأي ملهي- لا يؤتى بهم في بداية حالتهم المرضية، حين يكون علاجها أسهل، ولكن عندما يصلون إلى مراحل مرَضية متأخرة يصعب تلافيها؛ وبالتالي يتحولون لخطر على أنفسهم وعلى المجتمع.

وتابع قائلًا: "يأتي الأهالي بالمريض العنيف إلى المصحّة، فيما لا يؤتى بالمريض المنعزل الذي لديه فرص أعلى للشفاء، وهذه واحدة من التحديات الجسيمة التي نواجهها في المستشفى وفي العلاج النفسي عمومًا".

وأضاف: "الوعي المتدني -إن لم يكن الجهل- بأعراض الحالات النفسية، واعتقاد الناس بأن المريض النفسي يعاني من مسّ شيطاني، يدفعهم لعلاجه بواسطة الذهاب إلى القرّاء أو المشعوذين والدجّالين، الأمر الذي يفاقم من تدهور صحة المرضى ويعقّد إمكانية علاجهم؛ ولذا فإنّ عدم التعامل مع المرض على محمل الجد، قد يؤدّي إلى تقهقر وضع المريض وزيادة حدة مرضه".

بعد تحسّن حالة المريض بناء على تقدير الطبيب المعالج المختص، يمكن له الخروج من المستشفى، بحسب ملهي الذي يشير إلى مشكلة تواجههم في هذا الجانب، وتتعلق باعتقاد بعض الأهالي أنّ المصحة ملجأ للتخلص من المريض وليس لعلاجه.

التغذية والعلاج

من جهته، أكّد محمد طه، رئيس هيئة التمريض بالمستشفى لـ"خيوط"، أنّ التغذية والعلاج يحتلان المرتبة الأولى في عملية تعافي المريض، وهذا ما يفتقر له المستشفى؛ لأنّ الموازنة المقدرة لها لا تغطي احتياجات المرضى كافة.

وأوضح طه أنّ "الأدوية النفسية تعمل على فتح شهية المريض بشكل أكبر، فضلًا عن أهمية إقامة حملات للتثقيف الصحي والتوعية على المستوى العام، خاصة في مجتمع كالمجتمع اليمني الذي يجهل كثيرًا من أسباب وطرق التعامل مع المرض النفسي، علاوة على ما قد يمارسه الناس من تصرفات تفاقم من وضع المريض النفسي، وهي جميعها تحديات نواجهها في ظل غياب الدعم". 

وتابع طه حديثه عن التحديات والمخاطر التي يواجهها العاملون في المستشفى، قائلًا: "حياة الممرضين في خطر، والسبب يعود إلى عدم وجود معايير السلامة الكافية في المصحة للحفاظ على سلامتهم، سواء كانت هذه المعايير متعلقة بأدوات السلامة أو تلك المرتبطة ببرامج التوعية والتثقيف الكفيلة بغرس الوعي المطلوب لدى العاملين للتعامل في حالات الطوارئ".

الأسباب والمعاملة

بدورها، تُرجع الأخصائية النفسية في المستشفى، حياة قائد، زيادة أعداد المرضى لديهم إلى الحرب التي كان لها دور كبير في بث العديد من الأزمات والصدمات التي ألقت بظلالها على نفسيات الناس وقدرات تحملهم العقلية، إلى جانب جهل المجتمع بطرق التعامل مع المرض النفسي وضحاياه، إضافة إلى العوائق المتعلقة بالتعامل مع المريض نفسه الذي قد يرفض تناول العلاج، أو يستمر بمضغ القات، رغم تحذيرات الأطباء.

موضحة في حديث لـ"خيوط"، كيفية التعامل مع المريض النفسي العدائيّ: "لا بد من معاملة المرضى العدائيين بطريقة خاصة، إما بواسطة ضرب إبر كيميائية لمدة ثلاث أيام حتى يهدأ من حالة العداء، وبعدها يتم أخذ المعلومات وتشخيص الحالة بشكل دقيق".

•••
غدير الشرعبي
.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English