أولى أولويات حماية اليمن وأبنائه

عن أكثر من ثلاثين مليون جاسوس!
عبدالرشيد الفقيه
June 21, 2024

أولى أولويات حماية اليمن وأبنائه

عن أكثر من ثلاثين مليون جاسوس!
عبدالرشيد الفقيه
June 21, 2024
.

في عالم اليوم لم تعد أجهزة استخبارات الدول بحاجة إلى مخبرين من البشر، كما كان الحال قبل عقدين فقط من الآن. فقد شهدت المجالات الأمنية والاستخبارية والعسكرية قفزات غير مسبوقة، أكثر بما لا يقاس مما أُنجِز من القفزات التقنية والتكنولوجية الهائلة التي نعايشها، منذ سنوات، في مختلف جوانب حياتنا المختلفة، من خلال الأجهزة والبرامج والخدمات وغير ذلك من الابتكارات التي تجتاح عالمنا من أقصاه إلى أقصاه.

على سبيل المثال، فإن دراسة وظائف أجهزة الهواتف وتقنياتها، وبرامج التواصل والتفاعل في إطار الشبكة العالمية التي كسرت الحدود القُطرية، تكفي لإدراك ذلك التحول الجِذري. فهناك وظائف تجارية، ووظائف خدمية، ووظائف أمنية واستخباراتية، تجعل من جهاز هاتفٍ جاسوسا متحركا، يعمل على مدار الأربعة والعشرين ساعة، كامل أيام الأسبوع، يجمع كل شارة وواردة، بصورة تفوق بما لا يقاس قُدرة العنصر البشري، وتُغني كليا عن خدماته، في جميع الظروف.

وفوق ذلك، فنحن مقبلون على مستويات جديدة من ثورة الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي والتكنولوجي قادرة على جمع وقراءة وتحليل وحفظ وتخزين ومعالجة مليارات البيانات والعناصر والمعلومات والوسائط المتعددة، ويشمل ذلك المفردات واللهجات واللغات المحلية، من أقصى نقطة في الكوكب إلى أقصى نقطة، في ظل تغطية أقمار ستارلينك الفضائية التي بدأت بقلع البوابات والجدران وغرف التحكم القُطرية، ليصبح سكان العالم جميعا سكانا لقرية واحدة. 

إن ما تجمعه تلك الأجهزة المحمولة وبرامجها من بيانات ومعلومات وصور وتفاصيل يفوق بمراحل ما يمكننا تصوره كما وكيفا وسعة ودقة، وهذا أمر ثابت في واقعنا. وأبعد من ذلك، فإن مهمة جمع المعلومات والبيانات، لجملة من الاستخدامات، لم تعد مهمة مناطة بأجهزة الهاتف فقط، بل بمختلف الأجهزة والتقنيات الحديثة. على سبيل المثال، تمتلك الشركة المنتجة لسيارات تِسلا مخزونا ضخما من المعلومات والبيانات والصور حول الطُرقات الطويلة، وشوارع المدن، وأنماط القيادة، في مختلف التضاريس، في حالات الليل والنهار، ومسائل الأمان والسلامة، وغيرها من البيانات والمعلومات والصور والوسائط المتعددة، وهذا أحد عناصر تفوقها على العديد من شركات تصنيع السيارات الأطول منها عمرا.

لذلك رأينا معركة الدولة الأمريكية مع تطبيق التواصل (تيك توك،) ورأينا معركة الدولة الصينية مع جوجل ويوتيوب وفيسبوك وتويتر، ونرى معركة الاتحاد الأوروبي لفرض حزمة من التدابير الحمائية والوقائية لمواطناته ومواطنيه، ونرى العديد من القضايا المرفوعة أمام العديد من المحاكم الوطنية لبلدان عدة، ونرى كل يوم سباق التكنولوجيا والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، فضلا عما كنا نراه من سباقات التسلح. ولذلك نجد نسخا عديدة من تلك البرامج والتقنيات، منها نسخ مخصصة للبلدان التي تمتلك معايير عالية للحماية والخصوصية، ونُسخ أدنى مخصصة للمجتمعات البدون، بدون استراتيجيات وتشريعات ولوائح وإجراءات ومعايير للحماية والخصوصية، مثل بلدنا.

ولنا في تجارب الاتحاد الأوروبي والصين، وغيرها من الدول، في التعامل مع ثورة التكنولوجيا والاتصال، عبرة تستحق الدراسة والتحليل، ليس بهدف استنساخها، وليس بهدف الهروب من تلك الثورة إلى التقوقع والعزلة، ولا من أجل المزيد من الخطوات الارتجالية غير المدروسة وغير الواقعية، ولا لابتكار المزيد من تكتيكات قمع الناس والتضييق عليهم، بل من أجل إجراء دراسات مهنية متخصصة معمقة، وعقد مؤتمرات علمية يشارك فيها الخبراء المتخصصون، تُشبع عناصر تلك الثورة بالدراسة والتحليل، وتستكشف السبل المثلى للتعامل معها ومع آثارها، وتحلل الأجهزة والتقنيات والبرامج وصلاحيات ورخص وصولها للمعلومات والبيانات، وفق رؤية وطنية شاملة رامية لإنجاز عملية تحول رقمي، قائمة على خصائص الحالة اليمنية، بكُل مدخلاتها وعناصرها ومخرجاتها، وتضمن الاستفادة القصوى من الفرص والخدمات والمنافع التي يوفرها، كما تضمن الحماية من الثغرات الكثيرة المصاحبة لتلك الفرص والمنافع، بما في ذلك إعادة النظر في التشريعات واللوائح والإجراءات، وفي البُنى والهياكل القائمة، وإلى وضع التدابير الحمائية والوقائية العِلمية والحديثة والذكية والفعالة، وإلى خلق الوعي العام بها، في إطار بناء الهوية الرقمية، الفردية والجماعية.

•••
عبدالرشيد الفقيه

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English