أعادت واقعة إغلاق شركة "برودجي سيستِمز"، واعتقال مديرها وعدد من موظفي الشركة، في صنعاء الخاضعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، التأكيدَ على استمرار ممارسات التضييق التي تشهدها اليمن بفعل الحرب والصراع في البلاد منذ العام 2015.
خلال أعوام النزاع المسلح الثمانية في اليمن، فرضت أطراف النزاع، على رأسها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، العديدَ من القيود والاشتراطات على العمل الإنساني والحقوقي.
لم تكتفِ بذلك، إذ عمدت مرات عديدة إلى ارتكاب انتهاكات مختلفة بحق العاملين/ات في المجال الإنساني، والنشطاء، والكيانات من مؤسسات ومنظمات عاملة في المجال المدني.
في طليعة تلك الانتهاكات، اعتقال وتقييد حريات العاملات والعاملين في تلك المجالات، ومنعهم من السفر، وفرض رقابة على اتصالاتهم وتحركاتهم، إضافة إلى التضييق على الجهات والكيانات، سواء بفرض رقابة غير مسوغة عليها أو تعيين موظفين ممثّلين لأطراف النزاع تلك، أو من خلال الإغلاق وإيقاف النشاط ومنع إصدار تصاريح العمل أو سحبها وإيقاف العمل بها.
آخر تلك الانتهاكات، ما ارتكبته جماعة أنصار الله (الحوثيين) ممثّلة بجهاز الأمن والمخابرات والأمن المركزي وأجهزة أخرى في 11 يناير/ كانون الثاني 2023، بحق شركة "برودجي سيستِمز"، وهي "شركة متخصصة في تقديم خدمات وحلول تكنولوجيا المعلومات المتقدمة"، بمداهمتها لمقرّ الشركة واعتقالها لعددٍ من الموظفين، ومن ثَمّ إغلاق الشركة وإيقافها عن العمل، ومن اللحظات الأولى للمداهمة وما سبقها من ممارسات وإجراءات وعلى مدار ما يقارب أربعة أشهر، ارتكبت الجماعة انتهاكات متعدّدة، مثّلت خرقًا لقواعد القانون الوطني، ومخالفة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وطالبت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان جماعة أنصار الله (الحوثيين) بالإفراج الفوري عن عدنان الحرازي (50 سنة)، مؤسس ومدير شركة "برودجي" المحتجز تعسفيا منذ ما يقارب ثمانية أشهر بطريقة مخالفة للقانون.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان؛ "يجب الإفراج فورًا عن المحتجز تعسفيا عدنان الحرازي. وعلى جماعة أنصار الله (الحوثيين) التوقف عن الانتهاكات التي تطال مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات التجارية".
عدم وجود تهمة وتجاهل الضمانات
علاوة على الانتهاك الرئيسي المتمثّل بمداهمة واقتحام مقرّ شركة "برودجي سيستِمز" بأمانة العاصمة صنعاء، بدون مسوّغ قانونيّ واضح، تم ارتكاب سلسلة من الانتهاكات بحق الموظفين في الشركة والمعتقلين، على رأسهم مؤسس الشركة ومديرها العام (عدنان علي الحرازي).
وعمدت الجهات التي قامت بالمداهمة (جهازي الأمن والمخابرات، والأمن المركزي)، إلى تجاهل الضمانات القانونية التي يكفلها الدستور والتشريعات اليمنية، فضلًا عن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان لكلّ الأفراد وفي مختلف الظروف، وأيًّا كانت المسوغات، من منطلق الحفاظ على كرامة الأفراد وإنسانيتهم، ممّا يجعل الإجراءات المتخذة بحق الضحايا غير قانونية.
في السياق، قامت أسرة مالك شركة برودجي سيستِمز وموظفوها، بتقديم العديد من المذكرات والشكاوى التي طالبت بالإفراج عن المعتقلين، على رأسهم مدير الشركة عدنان الحرازي، وفتح الشركة، والسماح باستئناف العمل فيها، منها شكوى مقدّمة إلى النائب العام القاضي محمد الديلمي، بعدم تنفيذ التوجيهات المتعلقة بإنهاء حالة حجز الحرية والحبس غير المشروع لمدير شركة برودجي سيستمز وعدد من موظفيها، واستمرار إغلاق شركة برودجي سيستمز.
قوبلت كل المناشدات بالرفض أو التجاهل، واكتفت بعض الجهات بطلب عدم التدخل من أسرة عدنان الحرازي، وتركها في حالة من القلق على مصيره، ومنتهكة حقّهم في الحصول على المعلومات وبناء الدفوع والإنصاف، في حين تقول زوجة عدنان الحرازي، ندى المؤيد: "أصبحنا نبحث عن تهمة يتم توجيهها لعدنان أيًّا كانت، ليتسنّى لنا المتابعة ومعرفة ما لنا وما علينا".
في مطلع يونيو / حزيران 2023 – أي بعد ما يقارب خمسة أشهر من الاعتقال – أحال جهاز الامن والمخابرات ملف القضية الى النيابة الجزائية المتخصصة، التي بدأت أولى جلسات التحقيق الرسمية في 11 يونيو / حزيران 2023م، وبناء على معلومات تحصلتها مواطنة فأن جلسات التحقيق الخاصة بشركة برودجي كانت تُقام غالباً من الساعة 3 عصراً وحتى 1 صباحاً داخل مبنى الامن والمخابرات بالمخالفة لقانون الإجراءات الجزائية اليمني.
وتؤكد منظمة مواطنة أنها قامت عبر فريق الدعم القانوني بإرسال مذكرات قُدِّمَت للنائب العام، والنيابة الجزائية المتخصصة، ووزارة حقوق الإنسان؛ بسرعة الإفراج عن عدنان الحرازي المحتجز تعسفيًا لدى الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة الأمر الواقع في صنعاء.
الآثار والتبعات
تسبّبت واقعة إغلاق برودجي سيستمز، بالكثير من الآثار والتبعات على المستويَين؛ الخاص المتعلّق بأسرة عدنان الحرازي، وموظفي الشركة، والعام في جانبه المتعلق بالعمل الإنساني في اليمن، فعلى المستوى الخاص تعيش أسرة الضحية حالةً من القلق؛ لعدم معرفتها ما سيؤول إليه مصيره في ظلّ الضبابية التي تغطي الموضوع، فضلًا عن الآثار المادية المتمثلة بتحمّل أسرة الضحية للالتزامات التي كانت تغطيها الشركة كإيجار مباني وأجور حراس الأمن وغيرها، والتي أرهقت كاهلهم ودفعتهم إلى بيع بعض الممتلكات أو الاقتراض لتغطية الحدّ الأدنى من تلك الالتزامات.
كما أدّى ذلك إلى فقدان ما يقارب 2200 موظف لأعمالهم ومصدر دخلهم الوحيد الذي يُعيلون به أسرهم، إذ يعيش موظفو الشركة حالةً من العوز وعدم القدرة على الإيفاء بأبسط الالتزامات تجاه أسرهم؛ ممّا اضطرهم إلى بيع ممتلكاتهم من أثاث وسيارات وغيرها، والاقتراض من الآخرين، وتسبّب لهم ذلك بالعديد من المشكلات الأسرية والاجتماعية.
يتحدّث أحد موظفي الشركة الذي فقدَ عمله، بالقول: "من الصعب جدًّا أن تنتقل من موظفٍ لديك عمل وراتب تعيش وأسرتك منه، إلى شخص معوز وفقير لا يستطيع تسديد إيجار منزله أو العودة إلى أبنائه وأسرته بشيء في يده".
يضيف: "الأسوأ من ذلك، أنّه لا يمكنك تفسير ما حدث، لأطفالك الذين لا يمكنهم فهم ما حدث، ولا علاقة لهم به، وجلّ اهتمامهم أن تلبّي احتياجاتهم كما اعتادوا".
مثّلت عملية مداهمة وإغلاق برودجي سيستمز، واعتقال مديرها وعدد من موظفيها، انتهاكًا للقانون الوطني، والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث ارتكبت الجهات المسؤولة سلسلة من المخالفات القانونية، بَدءًا من اقتحام المقرّ وتخويف الموظفين دون مسوغ قانونيّ، ومرورًا بالاعتقال التعسفي والاختفاء القسري الذي تعرّض له المدير وعدد من الموظفين، وجملة من الإجراءات التي تخل بالعدالة الإجرائية.
يعيش أغلب الموظفين في بيوت بالإيجار، وهو ما جعل بعضهم يتركون منازلهم وينضمّون إلى منازل من أفراد أسرهم، لعدم قدرة الموظفين على دفع الإيجار وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
يقول موظف آخر فقدَ عمله: "حالتنا مزرية، حيث لم نعُد قادرين على دفع الإيجار أو سداد فواتير الماء والكهرباء، وتعبنا ونحن نطالب المؤجرين بالصبر علينا إلى أن تفرج، في حين كثيرٌ منّا تركوا منازلهم".
أمّا الأثر العام والمتعلق بالتبعات على العمل الإنساني في اليمن، فيتمثّل بكون أحد أهم أسباب إغلاق شركة برودجي سيستِمز، هو عملها في مجال الرقابة على العمل الإنساني كطرف ثالث، في ظلّ إنشاء جماعة أنصار الله (الحوثيين) لعدد من الكيانات للعمل في المجال ذاته تحت إشرافها، وفي ظلّ اتجاه المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني للعمل والتعاقد مع برودجي سيستِمز، وتفضيلها إلى حدٍّ كبير مقارنة بتلك الكيانات الناشئة، ما يحول دون تحقيق أهداف الجماعة في الإشراف على سير العمل الإنساني، والتحكم بتقديم المعونات على اختلافها، وبما يتناسب مع توجّهاتها في معايير تحديد المستفيدين وطرق التوزيع وغيره، وهذا من شأنه ترتيب تبعات سلبية كثيرة على العمل الإنساني وتوجه المنظمات الإغاثية في تقديم المعونات والخدمات للفئات المستهدفة من الأفراد والأُسَر الأشدّ فقرًا في اليمن، في ظلّ تقييد عمل الجهات الرقابية المستقلة والتضيّيق عليها.
إنفاذ القانون
وفي الوقت الذي تشكل حالات الاختفاء القسري انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان، وتنتهك الحق في الحرية من بين حقوق أساسية أخرى، جددت مواطنة مطالبتها جماعةَ أنصار الله (الحوثيين) بضرورة الإفراج الفوري عن عدنان الحرازي الذي يمثّل استمرارُ احتجازه خرقًا صريحًا للقانون اليمني النافذ. وتؤكد مطالبتها جماعةَ أنصار الله (الحوثيين) بضرورة تمكين شركة "برودجي" لمعاودة مزاولة عملها، وعدم التعرض بمضايقة موظفيها وعمالها، والتوقف عن استهداف المؤسسات المدنية والتجارية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
تعمل شركة "برودجي سيستِمز" بتصريح رسمي من الجهات الحكومية المعنية، ممثّلة بالمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي سكمشا (SCMCHA)، والذي أُنشِئ بموجب القرار الصادر من المجلس السياسي الأعلى -أعلى هرم للسلطة في صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)- رقم 201 لسنة 2019، كجهة أولى ووحيدة معنية بإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، وإصدار التصاريح للكيانات والمشاريع الإنسانية، والإشراف على العمل الإنساني.
يطلع المجلس على استمارات التقييم، وأية وثائق ونماذج تعمل عليها وتستخدمها في عملها من خلال عرضها على المختصين في المجلس، واعتماده لها بختمها، وهو ما يمكّنها من تنفيذ مهامها الرقابية، ويساعد في السماح لموظفي الشركة بالعمل من قبل منفّذي المشاريع الإغاثية في مختلف المحافظات، والتي تكون في الغالب (الجهات المنفذة) جهات تابعة للجماعة (كعقّال الحارات) أو ما يسمى "المشرفين" التابعين لجماعة أنصار الله (الحوثيين).
بحسب منظمة مواطنة لحقوق الإنسان؛ مثلت عملية مداهمة وإغلاق "برودجي سيستِمز"، واعتقال مديرها وعدد من موظفيها، انتهاكًا للقانون الوطني، والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث ارتكبت الجهات المسؤولة سلسلة من المخالفات القانونية، بدءًا من اقتحام المقرّ وتخويف الموظفين دون مسوغ قانونيّ، ومرورًا بالاعتقال التعسفي والاختفاء القسري الذي تعرّض له المدير وعدد من الموظفين، وجملة من الإجراءات التي تخلّ بالعدالة الإجرائية، وانتهاءً برفض تنفيذ قرار النيابة بتسليم الشركة لمالكيها، وفتحها من قبل جهاز الأمن والمخابرات.
وتسبّبت الواقعة بجملة من الآثار النفسية والمادية لأسرة المعتقل عدنان الحرازي، وموظّفِي الشركة الذين فقدوا أعمالهم نتيجة إغلاق الشركة، بالإضافة إلى تبعاتها على العمل الإنساني في اليمن، وعليه.
الأمر الذي يُلزم الجهات المعنية بسرعة تنفيذ مطالب المتضرِّرين، وإنفاذ القانون بالإفراج عن عدنان الحرازي، وتسليم الشركة لملاكها وفتحها، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وتقديم التعويضات اللازمة للمتضرّرين طبقًا للقانون.