هناك عدة تعريفات لفلسفة التعليم، ومن أبرزها في روسيا التعريفُ القائل بأن "فلسفة التعليم هي مجال بحثي في الفلسفة، يحلل أسس النشاط التربوي والتعليم وأهدافه ومثله العليا ومنهجية المعرفة التربوية وطرق تصميم وإنشاء المؤسسات والأنظمة التعليمية الجديدة".
ومن التعريفات الشائعة لفلسفة التعليم في الغرب، التعريف القائل بأن "فلسفة التعليم هي فرع من الفلسفة التطبيقية أو العملية التي تهتم بطبيعة التعليم وأهدافه والمشكلات الفلسفية الناشئة عن النظرية والممارسة التعليمية". ونظرًا لأنّ هذه الممارسة منتشرة في كل المجتمعات البشرية، ولأن مظاهرها الاجتماعية والفردية متنوعة جدًّا، وتأثيرها عميق جدًّا، فإنّ الموضوع واسع النطاق، ويتضمّن قضايا في الأخلاق والفلسفة الاجتماعية/ السياسية، ونظرية المعرفة، والميتافيزيقا، وفلسفة العقل وفلسفة اللغة، وغيرها من مجالات الفلسفة. ونظرًا لأنّها تنظر إلى التربية الداخلية للوالدين وإلى الممارسة التعليمية الخارجية والسياقات الاجتماعية والقانونية والمؤسسية التي تحدث فيها، فإنّ فلسفة التعليم تهتم بكلا جانبي الفجوة التقليدية بين النظرية والممارسة. ويشمل موضوعها كلًّا من القضايا الفلسفية الأساسية (مثل طبيعة المعرفة التي تستحق التدريس، وطبيعة المساواة والعدالة التعليمية، وما إلى ذلك)، والمشكلات المتعلقة بالسياسات والممارسات التعليمية المحددة (على سبيل المثال: الرغبة في المناهج والاختبارات الموحدة، والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية لترتيبات التمويل المحددة، وتبرير قرارات المناهج الدراسية، وما إلى ذلك)" .
بين السياسة التعليمية وفلسفة التعليم
وبالطبع، هناك فرقٌ بين فلسفة التعليم والسياسة التعليمية، ويتمثل في أنّ فلسفة التعليم تبرز بوصفها أساسًا نظريًّا للسياسة التعليمية، التي هي عبارة عن جملة إجراءات ملموسة تتخذها الدولة في مجال التعليم، حيث إنّ السياسة التعليمية هي أهم عنصر في سياسة الدولة، وهي أداة لضمان الحقوق الأساسية للفرد، والتنمية الشاملة للمجتمع، وتحدّد الغايات الأساسية للتعليم وطرق الوصول إليها.
دأبت النخب الحاكمة في اليمن على محاربة الفلسفة؛ بسبب عدائيتها للنظر العقلي، الذي يحصّن الإنسان من الاستسلام لسلطة الأفكار التي تفتقر إلى البراهين العلمية، ويعمل على بناء الشخصية القادرة على التفكير المستقل.
ولذلك، كان من الطبيعي ألّا تلتفت الهيئات الحكومية المعنية بالتعليم إلى ما تكنزه فلسفة التعليم من نفائس، وترسم سياستها التعليمية دون معرفة حاجات المجتمع الحالية والمستقبلية، وهذا هو أهم أسباب إخفاقاتها وعدم رضا الناس عنها.
تساعد فلسفة التعليم على رسم ملامح الشخصية المطلوبة في المرحلة الراهنة من تطور المجتمع، وهي -في نظرنا- الشخصية المتناسقة في بنائها وتطورها، القادرة على الإبداع العلمي والتقني والفني والأدبي، القادرة على تحديث المجتمع، المشبعة بالأخلاق الرفيعة والثقافة العقلانية والإنسانية.
إنّ رسم الهدف الأسمى للتعليم، على النحو الذي أوردنا، ليس اعتباطيًّا، بل ينبع من فهم خاص لضرورة التطور الاجتماعي في اليمن، التي ما زالت علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية السابقة للعلاقات الرأسمالية هي العلاقات السائدة.
كان من الطبيعي ألّا تلتفت الهيئات الحكومية المعنية بالتعليم، إلى ما تكنزه فلسفة التعليم من نفائس، وترسم سياستها التعليمية دون معرفة حاجات المجتمع الحالية والمستقبلية، وهذا هو أهم أسباب إخفاقاتها وعدم رضا الناس عنها.
لا يمكن للبلاد أن تدخل بوابة العصر الحديث إلّا إذا تحقق إصلاح سياسي وتعليمي، يتوافق مع مستقبل التطور الاجتماعي. وجوهر الإصلاح السياسي هو بناء دولة المؤسسات والقانون، وجوهر الإصلاح التعليمي هو رسم سياسة تعليمية، تعمل على خلق الظروف المواتية لخلق الشخصيات القادرة على تلبية الحاجات الراهنة للتطور التاريخي.
وبناء على ذلك، يجب على السياسة التعليمية في المرحلة الحالية أن تحقق متطلبات الجودة الحديثة في التعليم، ومطابقته للاحتياجات الحالية للانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع المدني، مع ما كل يتطلبه ذلك من تحولات جذرية مصاحبة في البنية الاقتصادية والسياسية للمجتمع.
التعليم في ظل أسوأ أزمة إنسانية
أثرت حرب السنوات التسع تأثيرًا خطيرًا على التعليم، وفيما يتعلق بذلك عقدت الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ، ندوةً يوم الخميس 23 يونيو 2022، بعنوان «تأثيرات الحرب والصراع على التعليم في اليمن (الواقِعُ والتَّحدِّياتُ والحلول)»، وجاء في خلفيتها التعريفية بالسياق: "تعاني اليمن من أسوأ أزمة إنسانية عرفتها البشرية؛ بسبب الصراع والحرب الدائرة فيها منذ عام 2015، ويعد قطاع التعليم من أكثر القطاعات المتضررة بسبب الحرب، فقد تم تدمير قرابة ( 2500) مدرسة، وتوقف حوالي (1.9) مليون طالب وطالبة عن الذهاب للمدرسة، وتوقف صرف المرتبات لقرابة (200.000) من المعلمين والإداريين منذ عام 2016، وما نتج عن ذلك من ارتفاع في معدلات التسرب من (980.000) طالب وطالبة عام 2014، إلى أكثر من ثلاثة ملايين طالب وطالبة عام 2021، بحسب تقرير اليونسكو 2021.
ومع استمرار عمليات الصراع والحرب، سوف تزداد المعاناة لقطاع التعليم، ما يهدّد بانهيار المنظومة التعليمية؛ بسبب ارتفاع معدلات الفقر، وتدني المستوى المعيشي للأُسَر، وتوقف الميزانيات السنوية الحكومية لتمويل التعليم، وقلة الدعم من المنظمات الدولية لدعم قطاع التعليم في اليمن".
إن حل كل تلك المشكلات، الآنفة الذكر، حلًّا شاملًا، غيرُ ممكن في ظل الظروف الحالية للبلاد، التي تعيش أزمة سياسية واقتصادية عميقة، أوصلت البلاد إلى حالة اللادولة، ولكن ذلك لا يمنع من التقدم ببعض الاقتراحات والتوصيات العامة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
من المهمات الملحة للسياسة التعليمية، في الوقت الحالي، هي زيادة الإنفاق الحكومي على التعليم؛ لوجود حاجة متزايدة لزيادة عدد المدارس والمدرسين، وتحسين نوعية التعليم، وضمان العيش الكريم للمعلمين في المدارس الحكومية والأساتذة الجامعيين، وبدون ذلك لا يمكن أن نتحدث عن أي تقدم في مجال التعليم.
كما يجب إلغاء سير التعليم في مرحلة الثانوية العامة في مسارين؛ هما المسار العلمي، والمسار الأدبي، وتوحيدهما في مسار عام؛ لأنّ العلوم المعاصرة، بما فيها العديد من العلوم الاجتماعية والإنسانية، والتقنيات المعاصرة، تتطلب معارف واسعة وعميقة للرياضيات والفيزياء.
وكذلك يجب تجاوز الفجوة بين النظري والعملي في التعليم الجامعي وما قبل الجامعي، وكلنا يعرف أنّ المدارس الحكومية والأهلية لا تملك معامل للفيزياء والكيمياء، بل وحتى الجامعات الحكومية تشكو من عدم توفر الأجهزة والأدوات والمواد اللازمة للمعامل.
من المهمات الملحة للسياسة التعليمية، في الوقت الحالي، هي زيادة الإنفاق الحكومي على التعليم، لوجود حاجة متزايدة لزيادة عدد المدارس والمدرسين، وتحسين النوعية، وضمان العيش الكريم للمعلمين الحكوميين والأساتذة الجامعيين.
ومن المواضيع الجديرة بالاهتمام، دراسة تجربة التعليم البوليتكنيكي في بعض البلدان، وإمكانية تطبيق هذا النظام في اليمن، وتحديد أوجه اختلافه عن التعليم المهني، مع العلم أنّ ثمّة قواسم مشتركة بينه وبين التعليم المهني والفني، القائم في العديد من البلدان العربية، بما فيها اليمن.
ولكن، التعليم البوليتكنيكي، بمحتواه وأهدافه وبرامجه الدراسية في روسيا الاتحادية، أكثرُ فعالية "في تعريف الطلاب على أساسيات الإنتاج الحديث، وتكوين مهارات العمل، وإيصال المعرفة حول الأساسيات الحديثة للهندسة والتكنولوجيا والاقتصاد وتنظيم الإنتاج؛ وإكساب الطلاب المهارات والقدرات اللازمة لاستخدام الأدوات الحديثة والميكنة والأتمتة وأساليب إدارة العمليات التكنولوجية".
إنّ "المعرفة البوليتكنيكية بطبيعتها هي مجموعة من المفاهيم المترابطة للعلوم الطبيعية والتقنية والاجتماعية والرياضيات، وتصبح في الواقع بوليتكنيكية عندما يتم تضمينها في أنشطة عمل الطلاب. ويتضمن نظام التدريب في الفنون التطبيقية في المدرسة الثانوية، اكتساب المعرفة والمهارات في مجال الفنون التطبيقية في عملية دراسة أساسيات العلوم، والتدريب العمّالي، والعمل المختبري والعملي، والرحلات الميدانية، ودورات في العلم والتقنية والتجارب الزراعية خارج الفصول. والمواد التعليمية «أساسيات الإنتاج»، و«أساسيات المعلوماتية وعلوم الحاسوب»، و«أساسيات المعرفة الاقتصادية»".
تلك هي، بوجه عام، أهم المشكلات والمهمات الأكثر إلحاحًا في المرحلة الحالية، التي يتعين طرحها أمام صانعي السياسة التعليمية في اليمن، ولم يكن بوسعنا في هذه المقالة الموجزة التطرق إلى كل مشكلات التعليم العام، التي هي بالطبع كثيرة ومتنوعة؛ حيث إنّ بعضها يتعلق بنوعية التعليم، وبعضها يتعلق بالإدارة المدرسية، وبعضها يتعلق بنفسية الطلاب وسلوكهم، وما إلى ذلك من المشكلات.
1A. П. Огурцов, В. В. Платонов // Новая философская энциклопедия: в 4 т./ гл. ред. В. С. Степна [и др.] – М., 2010. – Т. 2. – с. 223.
2Siegel, Harvey, D.C. Phillips, and Eamonn Callan, "Philosophy of Education", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.)
تأثيرات الحرب والصراع على التعليم في اليمن (الواقِعُ والتَّحدِّياتُ والحلول)، الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ، موقع على النت، 23 يونيو 2022)3.
4Бим-Бад Б.М. Педагогический энциклопедический словарь. — М., 2002. С. 204.
5Там же.