تعاني سميرة محمد (اسم مستعار)، في بداية العقد السابع من عمرها، من رعشة في اليدين عندما تريد الإمساك بشيء ما، وصعوبة في المشي والبطء الشديد في الحركة. وهو مؤشر واضح لإصابتها بما يعرف بمرض "الشلل الرعاش" الناتج عن اضطراب عصبي مزمن يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، ويتسبب بتدهور تدريجي في الحركة.
تؤكد حفيدة سميرة، رانيا سعد (اسم مستعار)، لـ"خيوط"، أنّ نتائج الفحص التي أُجريت لجدتها بيّنت إصابتها بـ"الشلل الرعاش"، لكن الأسباب لم تكن معروفة، حيث يرجح بعض الأطباء أن ذلك قد يرجع إلى عامل السن بدرجة رئيسة.
تطلق منظمة الصحة العالمية على الشلل الرعاش: "باركنسون"، وهو عبارة عن حالة دماغية تسبّب مشاكل في الحركة والصحة النفسية والنوم والألم وغير ذلك من المشاكل الصحية، في حين تصفه بأنه مرض لا شفاء منه، ولكن بإمكان العلاجات والأدوية أن تخفّف من أعراضه الشائعة، التي تشمل الارتعاشات والتقلصات العضلية المؤلمة وصعوبة في الكلام.
هذا ما يؤكّده الدكتور محمد عبدالحافظ حيدرة، طبيب مقيم للزمالة العربية في طب الأمراض الباطنية بمستشفى الثورة في صنعاء، لـ"خيوط"، إذ إنّ أسباب المرض غير المرتبطة بسبب معين تصل نسبتها إلى 85%، في حين النسبة المتبقية مرتبطة بمرض "باركنسون" الثانوي نتيجة مجموعة من الأمراض.
تحديات الوصم والتمييز والرعاية
يتعرض الأشخاص المصابون بمرض باركنسون في كثيرٍ من الأحيان للوصم والتمييز، بما في ذلك التمييز المجحف في المجتمع ومكان العمل، وقلة فرص المشاركة والانخراط في مجتمعاتهم المحلية.
ويعاني كثير من المصابين بهذا المرض في اليمن، من تحديات عديدة؛ منها ما يتعلق بالتعامل والتمييز، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع، إذ يشير محمد عباس (اسم مستعار)، لـ"خيوط"، إلى عدم وجود رعاية مناسبة أو اهتمام بسبب شعور بعضٍ من أهاليهم بالملل تجاههم، وعدم مراعاة وضعيتهم الصحية التي أجبروا عليها، إضافة إلى تعامل المجتمع والشارع وبيئات العمل.
أعراض الشلل الرعاش تظهر تدريجيًّا، وتزداد مع الوقت، ومن هذه الأعراض الجسدية: الرعشة، ورجفة في اليد أو الذراع أو الساق أو الفكين، وتصلب الأطراف والجذع مع قلة في الحركة أو بطئها، وعدم القدرة على القيام بالمهام اليومية، وكذلك الجمود في تعابير الوجه، وأيضًا بطء في الكلام، أو الكلام بصوت هادئ.
تقول منظمة الصحة العالمية، في هذا الخصوص: يمضي القائمون على الرعاية، غير الرسميين (أي أفراد الأسرة والأصدقاء في معظم الحالات) ساعات طويلة يوميًّا في تقديم الرعاية للأشخاص المصابين بمرض باركنسون. ويمكن لذلك أن يسبّب ضغطًا شديدًا، ويمكن أن تسبب الضغوط الجسدية والعاطفية والمالية إجهادًا كبيرًا للأُسَر والقائمين على الرعاية.
ويحتاج المصابون بمرض باركنسون إلى خدمات صحية ميسرة لتلبية احتياجات الرعاية الصحية العامة على غرار بقية السكان، بما في ذلك الحصول على الأدوية، والخدمات التعزيزية والوقائية، وأوجه التشخيص والعلاج والرعاية الفورية. وتتجلّى إحدى العوائق الشائعة؛ في المعرفة والفهم غير الكافيَين بشأن مرض باركنسون لدى مقدّمي الرعاية الصحية، وكذلك الخرافات القائلة بأن الباركنسون مرض معدٍّ أو جزء طبيعي من التقدم في العمر.
مخاطر وغموض أسباب المرض
يكشف أطباء لـ"خيوط"، عن أنّ انتشار المرض في اليمن، عادةً يكون بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 عامًا، ويمكن أن يصاب الشباب في حالات نادرة، إذ يوضح الطبيب عبده الأحصب، وهو دكتور باطنية، لـ"خيوط"، أنّ الشلل الرعاش أو ما يسمى (داء باركنسون) هو اضطراب تنكسي يستفحل ببطء في مناطق محددة من الدماغ.
ويُعرف المصابون بالرعاش، بأن عضلاتهم تكون في حالة راحة يسمى (رعاش الراحة)، وأيضًا بطء الحركات الإرادية، وصعوبة الحفاظ على التوازن لديهم، وفق الأحصب، إضافة إلى زيادة توتر العضلات الذي يسمى (التصلب أو الصَّمَل)، وكثيرٌ من الأشخاص يُصبح تفكيرهم ضعيفًا أو يحدث لديهم الخرف.
في حين يؤكّد حيدرة أنّ مرض "باركنسون" أو "الشلل الرعاش" يصنف أنه خلل من ضمن مجموعة اضطرابات النظام الحركي، التي تنتج بسبب خسارة خلايا معينة من الدماغ لمادة "الدوبامين"، ومِن ثَمّ يؤدّي إلى تيبُّس في بعض عضلات الجسم وظهور حركات لا إرادية.
ويؤدّي مرض "باركنسون" إلى معدلات إعاقة مرتفعة، ويتطلب الرعاية. ويُصاب العديد من مرضى باركنسون بالخرف أيضًا. ويظهر المرض عادة لدى كبار السن، ولكن قد يُصاب به الأشخاص الأصغر سنًّا أيضًا، ويتأثر الرجال بهذا المرض أكثر من النساء. وفي حين أنّ مسببات مرض "باركنسون" غير معروفة، بحسب منظمات صحية دولية، فإنّ وجود حالات سابقة في العائلة يزيد من مخاطر الإصابة به. وقد يؤدّي التعرّض لتلوث الهواء والمبيدات الحشرية والمذيبات إلى ارتفاع مخاطر الإصابة به أيضًا.
بالمقابل، فإن السبب الرئيسي والدقيق لشلل الرعاش لا يزال غير معروف حتى الآن، لكن ما يحدث -كما يشرح الأحصب- يكون نتيجة وجود مشكلة في الأجزاء العميقة من الدماغ التي تتحكم في الحركات.
فضلًا عن إمكانية حدوثه بسبب الوراثة وبعض العوامل الأخرى التي تساهم في تطويره؛ منها العامل الوراثي الذي له دور في زيادة احتمالية الإصابة بالشلل الرعاش، خصوصًا من لديهم تاريخ عائلي للإصابة بهذا المرض، فضلًا عن الشيخوخة.
إلى جانب السموم البيئية التي تزيد من خطر الإصابة بداء باركنسون، كالمبيدات الحشرية، وفق الأحصب، إضافة إلى أنّ هناك بعض العوامل، كتناول بعض الأدوية، مثل أدوية الربو والكافيين و"الأمفيتامينات"، وكذا الأدوية المستخدمة في بعض الاضطرابات النفسية والعصبية.
أعراض الشلل الرعاش
يفيد أطباء أنّ تشخيص المرض يكون عن طريق الأعراض والعلامات السريرية التي تظهر على المريض من خلال فحص (الكرياتين) بواسطة الطبيب في العيادة، ولا يوجد تحليل خاص لتشخيص مرض "باركنسون".
لكن في بعض الأحيان -والحديث للدكتور محمد عبدالحافظ- يتم عمل فحوصات "جينيس" لتشخيص المرض، خصوصًا للمرضى الذين يصابون بالمرض في سن مبكرة؛ لأن أكثر المصابين في الغالب، يكونون من فئات كبار السن.
يقوم الطبيب بالتشخيص استنادًا إلى تاريخ الفرد الطبي، ومراجعة علامات المرض وأعراضه، والفحص العصبي والجسدي، فيما قد يقترح الطبيب -وفق الأحصب- إجراء فحوصات تصويرية، وفحوصات مخبرية، مثل: اختبارات الدم؛ لاستبعاد الحالات الأخرى التي قد تسبّب الأعراض نفسها.
ويتفق حيدرة والأحصب على أنّ أعراض الشلل الرعاش تظهر تدريجيًّا، وتزداد مع الوقت، ومن هذه الأعراض الجسدية: الرعشة، ورجفة في اليد أو الذراع أو الساق أو الفكين، وتصلب الأطراف والجذع مع قلة في الحركة أو بطئها، وعدم القدرة على القيام بالمهام اليومية، وكذلك الجمود في تعابير الوجه، وأيضًا بطء في الكلام، أو الكلام بصوت هادئ.
في الوقت الذي تنتشر فيه أنواع من الأدوية التي تساعد على تخفيف الأعراض، ليس هناك أي علاج شافٍ لهذا المرض، بحسب تأكيدات الأطباء (حيدرة والأحصب)، فهذه الأدوية تعتمد إما على تعويض الجسم بمادة الدوبامين، أو تحفيز الخلايا الموجودة في الدماغ على إفراز الدوبامين.
إضافة إلى سيلان اللعاب، وصعوبة في المشي، حيث يكون بخطوة قصيرة مع جر القدمين أو اختلال في التوازن وفرملة حركية أو نوب الجمود، وهناك أعراض أخرى تظهر في بعض الأشخاص، منها: صعوبة في البلع أو المضغ أو الكلام، ومشاكل بولية وإمساك، ومشاكل في النوم، وكذلك اضطرابات معرفية واضطرابات في الذاكرة، وقد يصاب آخرون، إضافة إلى ذلك، بمشاكل نفسية واكتئاب بسبب المرض نفسه.
ويؤكد الأحصب أنّ السقوط المتكرر يعدّ السبب الأول لوفاة مرضى الباركنسون، فهم أكثر عرضة للسقوط من غيرهم. وقد تُسبّب العملية الجراحية لعلاج الكسور الناتجة عن السقوط العديدَ من المضاعفات التي قد تؤدي إلى الوفاة. الالتهاب الرئوي وذات الرئة الاستنشاقية، وذلك نتيجة اضطرابات البلع لدى مرضى الباركنسون. أمراض القلب
التدخلات العلاجية والدعم النفسي
ينصح الأطباء بالتدخل الجراحي في بعض الحالات الأكثر تقدّمًا، في حين قد يوصي فريق الرعاية الصحية أيضًا ببعض التغييرات في نمط الحياة، ولا سيما ممارسة التمارين الهوائية باستمرار.
ويؤكّد حيدرة أنّ علاج المرض يختلف بحسب الأعراض؛ فكلما زادت الأعراض، زادت الحاجة لزيادة جرعة العلاج، إذ يعتبر مرض باركنسون من الأمراض المزمنة التي يحتاج المصاب بها إلى الدعم النفسي بجانب العلاج الدوائي.
وفي الوقت الذي تنتشر فيه أنواعٌ من الأدوية التي تساعد على تخفيف الأعراض، ليس هناك أيّ علاج شافٍ لهذا المرض؛ بحسب تأكيدات الأطباء (حيدرة والأحصب)، فهذه الأدوية تعتمد إما على تعويض الجسم بمادة الدوبامين، أو تحفيز الخلايا الموجودة في الدماغ على إفراز الدوبامين.
وينصح الأطباءُ الجميعَ بممارسة الرياضة بانتظام لتحسين المرونة، والحرص على الحفاظ على التوازن وتجنّب السقوط، والحصول على قسط كافٍ من النوم يوميًّا، واتباع نظام غذائي صحي.
الجدير بالذكر، أنّ معدلات انتشار المرض تضاعفت خلال 25 عامًا الماضية، حيث أشارت التقديرات العالمية في عام 2019 إلى وجود أكثر من 8,5 ملايين شخص مصاب بمرض باركنسون. وتشير التقديرات الحالية إلى أنّ مرض باركنسون أدّى في عام 2019 إلى 8,5 ملايين سنة من سنوات العمر المعدلة بحسب مدد العجز (DALYS)، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 81% منذ عام 2000، وسبّب 329000 حالة وفاةً، ما يمثّل زيادة بنسبة تناهز 100% منذ عام 2000.