بداخل أسوار أقدم المعاهد المتخصصة في شبه الجزيرة العربية، احتفت إحدى قاعات معهد جميل غانم للفنون الجميلة في مدينة عدن، بالعشرات من الزوار الذين تركوا خلفهم كل مشاق الحياة، للاستمتاع بألوان الحياة. رسامون أربعة من أبناء وبنات عدن رسموا راية الأمل الجديد إيذانًا بعودة الفنون الإبداعية والفعاليات الثقافية بعد ركودها الطويل جراء الحرب.
وأقيم الخميس الماضي 16 ديسمبر/ كانون الأول، معرض "أورفيك" الفني، لمدة ثلاثة أيام، كأول معرض يضم جناحًا تعرض فيه لوحات "النيون" -لوحات مضيئة تعرض لأول مرة في البلاد- إلى جانب الكثير من اللوحات الأخرى ذات المدارس التشكيلية المختلفة التي تناولت قضايا الإنسان والمجتمع.
نفذت المعرض الذي احتوى على 43 لوحة فنية لمجموعة من الفنانين الشباب، مؤسسة (عدن أجين الثقافية)، بالشراكة مع معهد جوته الألماني، ضمن الشبكة الثقافية اليمنية، ويعد الثالث من سلسلة معارض أقيمت ضمن مشروع "ريجاثرد" لتدريب وتأهيل الفنانين في ثلاثة مجالات، هي (الرسم، والتصوير، والديجيتال آرت).
تنوعت مدارس اللوحات بين التجريدي، والواقعي، والانطباعي، ضمت أيضًا لوحات تناولت معالم مدينة عدن التي تم مزجها بأسلوب "فان جوخ".
المدينة المنهكة ثقافيًّا
في هذا الصدد يقول مازن شريف العدني، مؤسس ومدير تنفيذي في "مؤسسة عدن أجين الثقافية"، لـ"خيوط": "يأتي معرض (أورفيك) ضمن نشاط مشروع "ريجاثرد" الذي دشن قبل ثلاثة أشهر، بتدريب 12 فنانًا وفنانة حول الإدارة الفنية وإرشادهم في مرحلة الإنتاج الفني، والتي من خلالها أنتجت أعمال فنية، عرضت بثلاث معارض، آخرها (أورفيك).
عبر كثير من زوار المعرض عن سعادتهم بهذه الفعالية النوعية التي تلامس هموم وقضايا المجتمع وإعادة تفعيل المشهد الثقافي في ظل ظروف صعبة تمر بها عدن ومختلف المدن اليمنية بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ سبع سنوات.
ويضيف شريف، أن مشروع "ريجاثرد" يهدف إلى إنعاش الوضع الثقافي في مدينة عدن المنهكة ثقافيًّا، ونقل صورة إيجابية عنها كمدينة للحب والفن الذي يستحق أن يشاهده العالم ويستحق الاهتمام وجمع الفنانين وتدريبهم حول الإدارة الفنية، ومن ثم إنتاج أعمال فنية من قبل المتدربين، تليها عرض الأعمال على هيئة سلاسل فنية، كل سلسلة ناقشت موضوعًا معينًا.
بحسب شريف، فقد تمحورت المواضيع حول المشاعر الشخصية للإنسان، وقضايا اجتماعية أخرى، مثل سعر الصرف والاغتراب وأثر الحرب، إلى جانب أعمال تناولت بيئة وطبيعة ووضع عدن.
تحديات صعبة
تواجه "عدن أجين" تحديات كثيرة بحسب مديرها التنفيذي؛ منها واقع البلد، وأهمها انقطاع الكهرباء بشكل مستمر، بالإضافة إلى عدم وجود قاعات ومراكز ثقافية حكومية في عدن وغياب الاهتمام من قبل السلطات وصناع القرار، وهو ما يرفع من مستوى التحدي.
ويتابع شريف حديثه قائلًا: "عمل هذا المشروع على خلق حراك ثقافي من خلال تنظيم المعارض الفنية وتشجيع الفنانين والموهوبين لممارسة فنهم دون خوف، وإنتاج أعمال فنية في بيئة آمنة وإبداعية، كما أعطى للجمهور العدني فرصة لحضور فعاليات ثقافية، كما كان سائدًا في العقود السابقة.
يصف شريف وضع مدينة عدن الثقافي؛ بأنه كان أقرب للموت، لولا بعض هذه المحاولات المتواضعة لإعادة إحيائه، وهو ما يستدعي التقدير والالتفات لهذه الفعاليات حتى يستمر المشهد الثقافي في المدينة.
وتستعد المؤسسة خلال الفترة القادمة لتنفيذ مشروع "فامليت" الذي يهدف لتمكين خريجي المعمار والديكور الداخلي بـ"الفهم الكافي للمعمار العدني. ويستهدف المشروع خريجي المعمار، من خلال العمل على تدريبهم والقيام بنزولات ميدانية للأحياء القديمة، إضافة إلى أن هناك أنشطة سيشارك فيها الجمهور خلال الأسابيع القادمة.
الفن يجسد المعاناة
الفنانة التعبيرية، سارة وهيب، إحدى المشاركات في المعرض، وصفت تجربتها بأنها جميلة جدًّا. مؤكدةً في حديثها لـ"خيوط"، على تنوع رسائل لوحاتها، إذ عكست معاناة مدينة عدن، فيما أغلبها كان حلقة وصل بين مشاعر الناس وأنفسهم.
وتضيف (سارة): "كان هناك تنوع في رسائل لوحاتي؛ إحداها تناولت معاناة مدينة عدن، فيما البقية كان تجسيدًا للمشاعر الشخصية للناس.
من جانبه قدم الفنان أسامة أشرف تسع لوحات، تتناول قضايا مجتمعية متعلقة بالغربة وتأثير الحرب على المجتمع، وحياة الشباب في ظل هذه الظروف الصعبة.
يتحدث أشرف لـ"خيوط"، حول مشاركته قائلًا: "من الجيد أن يجد الفنان فضاء يعبر فيه عن أفكاره وآرائه وتطلعاته، رسمًا وتشكيلًا".
وعبر كثير من زوار المعرض عن سعادتهم بهذه الفعالية النوعية التي تلامس هموم وقضايا المجتمع وإعادة تفعيل المشهد الثقافي في ظل ظروف صعبة تمر بها عدن ومختلف المدن اليمنية بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ سبع سنوات.
نور السقاف، إحدى الزائرات، للمعرض، تقول لـ"خيوط": "كان المعرض وسيلة لترجمة المشاعر، إذ تقف أمام لوحة ترى ذاتك من خلالها، رغم بساطتها الظاهرية إلا أنها مشحونة بالدراما المكثفة الذي تجسده تلك اللوحات".
صفاء أنيس، فنانة تشكيلية، وإحدى المشاركات في المعرض، عبرت عن سعادتها بردود فعل الزوار بمختلف أعمارهم، وتقول لـ"خيوط"، إن التفاعل مع المعرض كان رائعًا، لقد آمنت أن بداخل كل إنسان فنانًا في تذوقه للفن، وتحمست كثيرًا للمشاركة؛ لأن مثل هذه الدورات والورش نادرة جدًّا في عدن".
وتضيف: "مشاركتي في المعرض كانت من أفضل ما حدث لي في 2021، كانت بمثابة خاتمة مسك لهذا العام،خصوصًا أن المعرض تم إقامته في معهد من أعرق المعاهد في عدن (معهد جميل غانم)".
الجدير بالذكر أن ضمن الزوار أساتذة من معهد جميل غانم، أبدوا إعجابهم باللوحات والأعمال المشاركة كما ساعد المشاركين على التعرف على الوسط الفني في عدن بشكل أكبر.