ما أسرع ما تمرّ الأيام، رغم مشقتها وسط الحرب!
في العاشر من مارس/ أذار 2020، أطلقنا موقع منصة "خيوط" على الإنترنت، بجهود تأسيسية ذاتية، وتعاون كثير من الكتّاب والصحفيين، سواءً من جيل الكبار أو من جيل الشباب. لن نتحدث عن فترة التأسيس العصيبة، إذ أن جميع اليمنيين، خاصة من هم في الداخل، يعرفونها وما زالوا يعيشون مشقتها كل يوم.
غير أن ما كان جديداً حين بدأنا النشر في موقع المنصة، هو وصول جائحة كورونا إلى اليمن، وما صاحبها من هدر للأرواح وإرباك في الحياة العامة والخاصة، جراء المخاوف التي اجتاحت قلب كل إنسان على كوكب الأرض، من الوباء المجهول. الوباء الذي يتهدد أرواحنا الآن بموجة ثانية آخذة بالتصاعد في عدن وحضرموت وتعز، منذ مطلع العام الجاري (2021)، وها نحن نستعد له بخطة تغطية نأمل أن تكون أفضل من السابقة.
على الرغم من أن تغطية أحداث الجائحة كانت أولوية لدى "خيوط"، مثل غيرها من وسائل الإعلام، إلا أننا عملنا أيضاً على تغطية أحداث وقضايا أخرى تكمن أهميتها في خطورة آثارها على المدى المتوسط والطويل؛ كالزواج المبكر، والعنف ضد النساء والأطفال، والعنف الكامن في تفاصيل ارتكاب الجرائم المجتمعية، وقصص الناس الذين يقاومون سطوة الحرب بعزم لا يلين وبانتهاج طرق بديلة للاستمرار في الحياة.
قصص ملهمة لنماذج من كفاح الإنسان اليمني في مرحلة حرب تفرز تحولات يومية وشبه يومية، وفي وضع تكافح فيه الغالبية العظمى من اليمنيين من أجل البقاء. قصص النساء اللائي وجدن أنفسهن وسط واقع مرير أفرزته الحرب، فأخذن زمام المبادرة وحافظن على عائلاتهن من التفكك أو حاربن الجوع والمرض والتشرّد والجهل. قصص الأطفال والشباب المتمسكين بحقهم في المشاركة في صنع مستقبل لا يتربص فيه الموت بهم، وقصص الرجال الذين يقاومون قهر الزمن.
طيلة أيام العام المنصرم، نشرت "خيوط" قرابة 700 مادة، منها 81 قصة إنسانية، إضافة لمئات القصص التي تضمنتها أكثر من 150 تقريراً صحفياً غطت أحداثاً وقضايا مهمة من يوميات الحرب، أكثر من 100 مادة مجتمعية، بما فيها قصص مبادرات الأهالي في رصف طريق أو ترميم مدرسة أو مدّ يد العون لبعضهم في كثير من جوانب حياتهم. 45 تحقيقاً صحفياً في قضايا وأحداث متعددة، 54 تحليلاً سياسياً واجتماعياً، 18 استطلاعاً، 18 حواراً مع شخصيات ذات صلة بالشأن السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي الراهن، بمن فيهم مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، 36 مادة متخصصة في الصحة البدنية والنفسية، إضافة لما تضمنته التقارير الصحفية المواكبة لموجة كورونا الأولى وما سبقها ورافقها من أمراض موسمية، 36 تقريراً اقتصادياً تناولت جوانب مختلفة من مشكلات الاقتصاد اليمني الذي أنهكته الحرب وأطرافها، أكثر من 180 مادة ثقافية وفنية وأدبية، 18 ترجمة في مواضيع مختلفة، قرابة 20 سيرة لأماكن ومباني يمنية ذات ميزات لافتة أو شهدت أحداثاً مفصلية خلال فترات من تاريخ اليمن، 50 سيرة لشخصيات يمنية بارزة في مجالات متعددة، وبينهم كثيرون فارقوا دنيانا خلال فترة الحرب الدائرة منذ ست سنوات، عشرة ملفات تناولت أحداثاً ثورية وشخصيات وطنية مؤثرة، وقضايا عالية الأهمية.
كل هذا كان وراءه جهد مكثف من فريق المنصة ومن كتّابها، الذين كان الكثير من الشباب حديثي التخرج من كليات الإعلام، أو حتى من كليات أخرى، لكنهم وجدوا منصة يمارسون عبرها شغفهم بالكتابة والتقاط روح اليمن القادرة على مقاومة الفناء في زمن حرب وأحداث جسام.
حين نرى هذه الحصيلة من الجهد المكرّس من أجل الإنسان والحياة، نشعر كم أن جهد يوم واحد يساعد في تقليص رقعة الخراب الذي تحدثه الحرب، ويسعدنا أن عجلة "خيوط"، وغيرها من المنصات المستقلة التي تعمل من أجل الحياة، مستمرة في الدوران. إنه جهد دؤوب لفريق يحرص طيلة الوقت على استكشاف معاني جديدة للتكامل ولروح العمل الجماعي.
في مثل هذا اليوم من العام 2020، الماضي، أطلقنا الموقع الإلكتروني للمنصة بعدد من المواد التي تفاعل معها جمهور "خيوط" منذ البداية، وتحمّل عناء تصفح الموقع السابق لعدة أشهر، على الرغم من إمكانيته المتعبة في تصميمه الفني، خاصة مع تدهور خدمة الإنترنت في اليمن، وانقطاعاتها المتكررة. كان لتفاعل القراء والمتابعين أثر إيجابي على معنويات كامل الفريق للاستمرار بدأب أكبر في تطوير التصميم الفني وتجويد المحتوى وتوسيع نطاق تغطيته للأحداث والقضايا انطلاقاً من المحلي إلى ارتباطاته الإقليمية والدولية. لقد فعلنا كل ذلك يداً بيد مع كتّاب مخضرمين وشباب، وجمهور حيّ قادر على متابعة قضايا بلده ومجتمعه، بمنظور ما يستحق اليمن وسكانه من حياة.
366 يوماً، لم نتوقف فيها يوماً واحداً عن العمل ولا ساعة كاملة عن عصر أذهاننا بحثاً عن فكرة جيدة، وطالما كانت نقاشاتنا مع كتّاب المنصة، مليئة بالأفكار الملهمة، وفي هذا السياق، نوجه لهم الشكر الجزيل وخالص التقدير لتفاعلهم الجاد والمثمر. كما كانت رسائل القراء والمتابعين مصدراً آخر للإلهام، وللطاقة الإيجابية التي اكتشفنا كم أن إنسان هذا البلد قادر على استجماعها من أقصى مناطق الألم ليبثها في أقرب شخص في متناوله. بهذه الروح فقط، يمكن لليمن أن يجتاز محنته ويتجاوز آلامه.