تشهد مدينة صنعاء القديمة في أيام العيد طقوسًا شعبية متوارثة، تتمثّل في الموائد الشعبية، والملابس الجديدة، والأهازيج، وتبادل الزيارات، ومصالحة الخصوم. فما أن تبدأ تباشير أول أيام العيد حتى تحسُّ بدفء الحركة في المنازل وتتعالى أصوات كبار السن بالتهاليل والتكبيرات والشكر والثناء، وتعبيرًا عن فرحتهم بحلول العيد السعيد.
تنهض النسوة لإعداد فطور العيد بعد بزوغ الفجر مباشرة، ويتكوّن في العادة من أكلات شعبية تقليدية متوارثة لها تسميات عديدة، منها: "السبايا"، "السبية"، "الملَّوح"، وجميعها تحضّر من القمح الخالص والسمن البلدي والبيض وحبة البركة، حيث تعجن وتخبز بطريقة مميزة، وتقدَّم ساخنة صبيحة يوم العيد مع قهوة "القشر" المستخلصة من قشور البن اليمني ذات المذاق المتفرد، ولها طريقة خاصة في التحضير، حيث توضع القشور في الطل لمدة زمنية معينة حتى تكتسب حلاوة طبيعية، يُستغنى فيها عن السكر الاصطناعي ولها مذاق ونكهة زاكية.
بعد تسلّل الضوء من نوافذ المنازل، يصحو من كان نائمًا من الرجال ويلتحق بمن واصل سهره، ثم يرتدي الجميع ملابسهم الجديدة (ثوب، وشال، وكوت، وجنبية، وحذاء جديد)، ويتطيّبون ثم يتناولون وجبة الفطور قبل ذهابهم إلى المسجد لأداء الصلاة، وعند إتمامهم للصلاة يغادرون إلى باحات وأزقة المدينة يردّدون الأهازيج الشعبية، ويتصافحون بحرارة ويتبادلون التهاني العيدية؛ ومن الطقوس الشائعة تقبيل الصغار للكبار في رُكَبِهم، وتقبيل النساء للرجال الأقارب على رؤوسهم، وبعد تبادل الزيارات يقومون بزيارة مقابر الموتى.
وللأطفال في العيد بهجتهم الخاصة، حيث يرتدون الملابس الجديدة المزركشة، ويردّدون المهجل الشعبي الذي يقول: "يا ليت والله وغدوة عيد، ألبس قميصي وقَرقُوشي، واسير اسلِّم على سيدي، يدّي لي العسب والتمرة".
لا يمكن أن تستطعم العيد في بيوت صنعاء إلا برائحة قهوة القشر التي تُقدَّم للضيوف، خصوصًا كبار السن، وتُصبّ في فناجين مزركشة بألوان زاهية وأشكال وأحجام معينة، تميل إلى المتوسطة منها إلى الصغيرة، وفي بعض البيوت الصنعانية العتيقة لا تزال القهوة تُحتسى في فناجين تسمى "الحياسي" مصنوعة من الفخار، ومع قهوة القشر يقدّم الكعك، ومنه أنواع عديدة: "المذبل"، و"المُقحّط"، وتقدم بداخل وعاء تقليدي مصنوع من القش يسمى "الغِطاء"، ويغطى بقطعة من القماش تسمى "قوّارة". ومن أنواع الكعك والمعجنات التي تقدم في العيد، أيضًا: "الكُبانة"، "قَفُوع البِلسن"، "الذَّمول"، "الجحِين"، وغيرها من المسميات التقليدية لعددٍ من المخبوزات الشعبية التي تُصنع من الحبوب النباتية الطبيعية التي تجود بها الأرض اليمنية، ويدخل ضمن مكونات بعضها السمن والبيض البلدي، ويرافق الكعك بأنواعه في التقديم ما يسمى بـ"جعالة العيد"، وتتكون من التمر المجفف، فقديمًا لم تكن هناك حلوى الشوكولاتة المعروفة حاليًّا، ولا يزال كثير من سكان صنعاء القديمة يحرصون على تقديم التمر ضمن أطباق العيد إلى جانب الزبيب البلدي واللوز والفستق، وتقدَّم "جعالة العيد" -كما تسمى في اللغة العامية الدارجة- في أطباق من القش، مصنوعة يدويًّا بطريقة حرفية فنية جميلة.
للبخور طقوس متفردة في بيوت صنعاء القديمة، فلا يخلو "مجلس العيد" من رائحة الطيب وبخور العود، الذي يُعدّ من أهم ركائز سلام العيد في صنعاء القديمة، حيث يوضع على الجمر في "مبخرة" مصنوعة من النحاس، وهي من العادات التقليدية القديمة التي يحرص عليها السكان إلى يومنا هذا عند الزيارات العيدية، حيث تهرول النسوة لإعدادها، وتقدّمها للزائر لشمّها وتطييب ملابسه، مع ترديد عبارات المعايدة والتمنيات بالصحة والسلامة. ومن الطقوس الشعبية المتوارثة أيضًا، ما يسمى بـ"عَسْب العيد"، وهو عبارة عن مبلغٍ من المال، يعطى من كبار السن ورجال العائلة للأطفال والنساء.
وللنساء في صنعاء القديمة، طقوس خاصة بهن؛ حيث يقمن بتفصيل ملابس العيد، مثل الفساتين "زنَّة العيد" ومتبوعاتها، كما تذهب الفتيات ليلة العيد إلى ما يسمى "المُنقِّشة" لرسم الخضاب على كفوفهن وأرجلهن. والخضاب الذي تتزين به الفتيات والنساء يُحضَّر من نبتة من مواد طبيعية، مثل: العفص، المسك، الملح، ويتميز بلونه الأسود الغامق الجميل.
للموائد الشعبية العيدية طابعٌ خاص في صنعاء، حيث تتفرد النساء بطبخ أقدار اللحم بطريقة مميزة وشهية، وقبل تناول غداء العيد تقدّم مرقة اللحم في أقدار خشبية أو أوانٍ فخارية تسمى "الجَفنة"، وتقدم ساخنة، ويحرص رب كل أسرة على تقدميها لكبار السن والضيوف. ومن أصناف الطعام التي تقدّم في وجبة غداء العيد "السُّوسي"، وهو عبارة عن أكلة مكونة من السمن البلدي والبيض والخبز الطازج وحبة البركة، تحضر بطريقة مميزة داخل وعاء يسمى "المقلى الحَرَض"، وتُقدّم ساخنة ولها مذاق شهيّ، بالإضافة إلى "الشفوت"، وهي وجبة تشتهر بها اليمن دون غيرها، تحضّر من الخبر المخمّر الرقيق الليّن، ويفرش في وعاء (صحن)، وتضاف إليه كمية من اللبن الرائب ثم تضاف إليه مقادير مناسبة من البهارات، ويعتبر الشفوت من المقبلات في الوجبات اليمنية، ويقدّم في أغلب المناسبات. أيضًا "بنت الصحن"، وهي عبارة عن فطيرة مستديرة مقرمشة تتكون من عدة طبقات، تحضّر من رقائق خبز ناعمة معجونة بالسمن والبيض، ثم يرش عليها العسل، وتقدّم في جميع المناسبات. وهناك "السلتة" وهي عبارة عن مرق اللحم مع قطع صغيرة منه، تخلط مع الأرز والبطاط والتوابل المذابة فيها "الحلبة"، وتقدم في "مقلى حَرَض" ساخنة مع خبز خاص يسمى "المَلُوج"، ويحضر من القمح الخالص.
بعد تناول وجبة الغداء، يخلد أهل البيت للراحة وأخذ قيلولة قبل العصر، ليبدأ الفصل الثاني من عادات العيد، حيث يذهب الرجال إلى مجالس القات، فيما تذهب النسوة إلى المجالس العيدية عند الأهل والأقارب والجيران، حيث تقدَّم فيها كل أصناف الكعك "المقحّط" و"المذبل" مع قهوة القشر وجعالة العيد، وقبيل غروب الشمس تمرَّر المبخرة على جميع الحاضرات.