لاقت التسعيرة المُعلنة من قبل شركة النفط اليمنية في صنعاء التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين) ردود فعل غاضبة بعد إقدامها على رفع سعر صفيحة البنزين الـ(20) لترًا إلى 12600 ريال من 9900 ريال التسعيرة الرسمية السابقة، وبنسبة زيادة تقدر بنحو 35%.
وشهدت صنعاء وعددٌ من المدن اليمنية أزمةً خانقة في الوقود منذ مطلع العام الحالي 2022، مع انخفاض المعروض منها ترجعه سلطة صنعاء إلى احتجاز الحكومة المعترف بها دوليًّا والتحالف بقيادة السعودية والإمارات للسفن المحملة بالوقود المتجهة إلى ميناء الحُديدة (غربي اليمن)، في عرض البحر لفترات طويلة تصل إلى شهور.
وأفضت الهدنة الإنسانية التي رعتها الأمم المتحدة بين أطراف الحرب في اليمن مطلع أبريل/ نيسان، إلى عديدٍ من التفاهمات؛ منها موافقة الحكومة المعترف بها دوليًّا على السماح لسفن الوقود بالمرور إلى ميناء الحديدة، في حين أعلنت شركة النفط في صنعاء التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين) الأحد 10 أبريل/ نيسان، عن انتهاء الأزمة وفرض تسعيرة جديدة لأسعار الوقود.
وعبر مواطنون وتجار ومزارعون وسائقو مركبات وسيارات النقل والمواصلات عن تذمرهم من رفع سعر البنزين بعد معاناة شاقة من الأزمة التي اجتاحتهم منذ نحو ثلاثة أشهر مع وصول سعر صفيحة البنزين في السوق السوداء إلى أكثر من 25 ألف ريال، فيما زادت بسبب ذلك تعرفة المواصلات الداخلية بين المدن إلى 200 ريال، وواصلت أسعار السلع والمواد الغذائية ارتفاعها إلى مستويات تفوق قدرات كثير من المواطنين.
ضاعفت أزمة الوقود كثيرًا من معاناة اليمنيين في مختلف المناطق والمحافظات في بلد تصنفه الأمم المتحدة أنه يعاني من أكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ اعتبر كثير من المواطنين التسعيرة الجديدة الرسمية للوقود في صنعاء ومناطق في شمال اليمن خاضعة لسيطرة سلطة أنصار الله (الحوثيين)، مجحفة للغاية وستعمل على بقاء الأزمة وتبعاتها
يشرح المواطن عبدالرحمن دغار (34 سنة)، عامل، من سكان صنعاء في حديث لـ"خيوط"، وضعه المعيشي كواحد من ملايين المتضررين بالقول: "وجدت صعوبة كبيرة في توفير لقمة العيش وتعطلت حياتي بشكل شبه كلي"، مضيفًا أن تأثير أزمة الوقود وارتفاع أجرة المواصلات إلى التنقل سيرًا على الأقدام لعدم قدرته على دفع تكاليف المواصلات.
وبالرغم من تعبير دغار عن فرحته بعد إعلان الهدنة والسماح لسفن الوقود بالمرور إلى ميناء الحديدة، إلا أنه تفاجأ كغيره من المواطنين بالتسعيرة الجديدة المرتفعة لأسعار الوقود، إذ بدّد هذا القرار روح الأمل والتفاؤل التي سادت الكثير بانتهاء الأزمة، وبالتالي التخفيف من معاناتهم التي لم يعد باستطاعة كثيرٍ تحملها.
تذمر من التسعيرة الجديدة
يشكو الكثير من حالة تردي المعيشة وارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة تصل في بعض السلع إلى أكثر من 50% عمّا كانت عليه العام الماضي، وذلك انعكاسًا لانعدام المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها بشكل كبير في جميع المحافظات والمناطق اليمنية.
المزارع عبدالله علي، من محافظة عمران (30 كيلومترًا شمال صنعاء)، يؤكد لـ"خيوط"، أنّ أزمة الوقود أثّرت عليهم بشكل كبير كمزارعين وزادت تكاليفهم أضعافًا بسبب شراء الديزل من السوق السوداء بضعف سعره الرسمي، لكن انتهاء الأزمة التي انتظروها طويلًا كانت صادمة، وفق حديثه؛ وذلك بسبب فرض زيادة يراها كبيرة في تسعيرة البنزين الرسمية المعلن عنها من قبل شركة النفط اليمنية في صنعاء.
لؤي سلطان (23 سنة)، طالب جامعي، يقول لـ"خيوط": "استبشرنا خيرًا بالهدنة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة، وبما تضمنته من إعادة تشغيل رحلات تجارية عبر مطار صنعاء وتدفق الوقود إلى ميناء الحديدة، لنتفاجأ -بحسب وصفه- بالجرعة الجديدة لأسعار البنزين والتي لا تختلف كثيرًا عن سعره في السوق السوداء بالفترة الأخيرة من الأزمة".
وأرجع مسؤول في شركة النفط اليمنية في صنعاء التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، في مؤتمر صحفي أسباب ارتفاع كلفة الوقود إلى زيادة الأسعار عالميًّا بنسبة تزيد عن 30% على خلفية الأزمة في أوكرانيا، لافتًا إلى أنه سيتم إعادة النظر في التكلفة كل عشرة أيام.
الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي نبيل الشرعبي، يرى في حديث لـ"خيوط"، أنه قياسًا على السعر العالمي لبرميل النفط الخفيف أوكتن 95 والذي يعتبر أنقى أنواع النفط، في آخر تداول يوم الخميس 14 أبريل/ نيسان 2022، إذ أغلق عند 105 دولارات للبرميل- ستكون الصفيحة؛ أي العشرين لترًا بـ 13.12 دولارًا؛ ما يعادل 7872 ريالًا بسعر الصرف المقدر بنحو 600 ريال يمني، فيما التسعيرة الحالية تساوي 21.33 دولارًا.
السعر العالمي المشار إليه هو في التعامل الآني، أما العقود الآجلة فالسعر قد يكون أقل بحوالي 30%؛ أي ما يساوي 9.4 دولار وتعادل بالريال اليمني 5640 ريالًا، مضافًا إليها أجور النقل وعمولة الوسيط.
يضيف الشرعبي: "أما إذا كان البنزين الذي يباع بالسوق أوكتن 85، فإن سعر العالمي أقل، وقد لا يتجاوز الـ80 دولارًا للبرميل، أي ما يعادل 8 دولارات للصفيحة الواحدة- العشرين لترًا، ما يعادل بالريال اليمني 4800 ريال، مضافًا إليها عمولة الوسيط وأجور النقل والربح المخصص للتاجر".
في تسعيرة شركة النفط بصنعاء، ذكر ناطق الشركة مبررات التسعيرة، وأن تأخير وصول السفن يتسبب في فرض رسوم إضافية تم إضافتها على السعر ليتحمله المستهلك.
في هذا الخصوص، يرى الشرعبي أنه لم يكن من الصواب أن تقحم الشركة نفسها بتحديد وضع التسعيرة في ظل متغير سوق النفط العالمي، خاصة أن الشركة أكدت أن تسعيرتها كانت وفق متغير السوق العالمية.
انعكاس التسعيرة الحالية، أكثر ما سيبرز في المواصلات على خطوط السفر بين المدن، إذ سترتفع كلفة التنقل بحوالي 25%، وهو ما سيثقل كاهل المواطن، وينطبق الشيء ذاته على أجور نقل البضائع، فهي الأخرى ستشهد ارتفاعًا بنسبة 25%، ولن يكون أمام التاجر سوى إضافة هذه الزيادة على أسعار السلع، والمواطن من سيتحمل نتيجة الأعباء.
ويوضح الشرعبي أنه لن يكون بمقدور الجهات المعنية اتخاذ إجراءات لمنع التجار من هذه الزيادة، ولذلك فإن نسبة الزيادة بسعر صفيحة البنزين في تسعيرة شركة النفط سيحد من انعكاس أي تحسن وتعافي في سعر الصرف على أسعار السلع، وبقاء هذه التسعيرة قائمة، سيقود إلى زيادة في أسعار السلع والمواد الأساسية وكذلك الأدوية وتكاليف جانب من الخدمات.
استمرار الأزمة
كانت الأمم المتحدة قد أعلنت هدنة إنسانية بين طرفي الحرب تُفضي إلى فتح مطار صنعاء، وعودة تدفق سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، الأمر الذي لاقى ترحيبًا وتفاؤلًا شعبيًّا واسعًا.
وضاعفت أزمة الوقود كثيرًا من معاناة اليمنيين في مختلف المناطق والمحافظات في بلد تصنفه الأمم المتحدة أنه يعاني من أكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ اعتبر كثيرٌ من المواطنين التسعيرةَ الجديدة الرسمية للوقود في صنعاء ومناطق في شمال اليمن خاضعة لسيطرة سلطة أنصار الله (الحوثيين)- مجحفةً للغاية وستعمل على بقاء الأزمة وتبعاتها في أسعار السلع الغذائية وأجرة المواصلات.
ويرى الباحث الاقتصادي، رشيد الحداد، في حديث لـ"خيوط"، أنّ التسعيرة الجديدة انعكاسٌ لارتفاع أسعار النفط في البورصات العالمية، وخدمات "النقل" التي تتعلق بتكاليف النقل البحري وتأمين السفن وغرامات التأخير، إضافة إلى تكاليف النقل البري من الميناء إلى المدن وهامش ربح التاجر المورّد.
وبالرغم من الرفض الشعبي للتسعيرة المعلنة، إلا أنّ الحداد يرى أنها لن تكون مستقرة، إذ يجب على شركة النفط في صنعاء، وفق حديثه، مراجعة أسعار الوقود.
ويعتبر خبراء ومراقبون أنّ مبررات شركة النفط اليمنية في صنعاء التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين) في فرض التسعيرة الجديدة وربطها بحسابات متوسط سعر البترول عالميًّا، واعتماد التكاليف الجمركية بسعر الدولار الواحد في السوق السوداء 590 ريالًا بخلاف ما هو متداول، إذ إن سعر الدولار في التعرفة الجمركية يساوي 250 ريالًا.
وتشير التسعيرة الجديدة للوقود إلى استمرار الأزمة وارتفاع حدتها وتبعاتها على كتلة سكانية كبيرة في اليمن، تسببت الحرب والأزمات الاقتصادية في مضاعفة معاناتها المعيشية إلى مستويات تفوق قدرات الكثير على تحملها.
* تحرير خيوط