وصل أحد الآباء، وهو من أبناء مديرية كتاف والبقع، منتصف العام 2022، إلى المستشفى الجمهوري بصعدة، ليعالج ابنته البالغة من العمر تسع سنوات والمصابة بسرطان الدم، لكنه لم يستطِع.
كانت ظروف الأب الماديّة غاية في الصعوبة، بينما ابنته مريضة جدًّا وتحتاج للعناية المركَّزة، بَيدَ أنّ رسومَ خدمات الرقود والأشعة والفحوصات باهظة الثمن، مع أنّ المستشفى الذي يفترض أن تُعالج فيه؛ حكوميّ.
وفي المستشفى، صادف الرجل أحد مسلحي جماعة أنصارالله (الحوثيين)، والذي سأله عن مشكلته، فأخبره بها. قال له المسلح: "هل لديك رقم جهاديّ، أو لدى أحد أبنائك؟"، ردّ الرجل: "أنا رجل كبير في السن، ولا أفكر أن أكون مع أيّ جماعة، ولديّ أعمالي في الرعي وجمع الحطب وجلب الماء إلى المنزل، حيث إنّ بيني وبين أقرب نقطة توزيع مياه، حوالي خمسة كيلو تقريبًا. أيضًا لا يوجد لديّ ولد، نحن بدوٌ رُحّل، لم تُتِح لنا الدنيا ومشاغلها حتى الحصول على التعليم مثل أبي وجدي".
قال المسلح: "لو كان لديك رقم جهادي، لتم تسجيل ابنتك في مكتب الدخول الخاص بالمجاهدين، ولأخذتَ كلَّ شيء مجانًا من رقود إلى علاج إلى غير ذلك".
ويمتلك المستشفى الجمهوري بصعدة في السنوات الأخيرة مكتبين؛ الأول خاص بعامة المواطنين وفيه كل شيء بنقود، والآخر خاص بما يسمى (المجاهدين) ويتبع الجماعة وأسرهم، ويتم من خلاله التطبيب بالمجان. أضاف الرجل: "بما أنّ ظروفك صعبة؛ ما رأيك أن نسجّل ابنتك باسمي، فلديّ رقمٌ جهاديّ، وسيتم من خلاله معالجتها بالمجان".
بعد تردّدٍ وافقَ الأب، وقام بتسجيلها باسم المُسلح، ومن ثَمّ إدراج اسمها في مكتب المجاهدين للتداوي بالمجان. بعد يومين، جاءه الرجل، وأخبره أنّ الصليب الأحمر سيقوم بتقديم مساعدات نقدية للمرضى المستعصية حالتهم، وأنّه سيقوم بمتابعة استخراج المساعدة، لكنه اشترط الحصول على أتعاب المتابعة، ما اضطر الأب إلى مناصفته مبلغ المعونة المُقدر بمئة وعشرة آلاف ريال.
وبسبب سوء حالة الطفلة، طلب الأطباء نقلها إلى صنعاء، وتم تجهيز بقية معاملة النقل، لكن الظروف المادية حالت دون ذلك، ما حدا بالأب إلى التوجّه إلى منظمة رعاية الطفولة، لتتعاون معه لتسفيرها، وتقديم مبلغٍ مالي لا يتعدّى الثلاثين ألف ريال. وفي مكاتب المنظمة طُلِب من الأب تقديم التقرير لإكمال المعاملة، وبطاقته، فكانت الكارثة أن وجدوا البنت مسجّلة باسم شخص آخر، فرفضوا إعطاءه أيّ معونة إلّا بتعديل اسمها في التقارير المرضية.
عاد الأب إلى المستشفى ليعالج هذا الأمر، لكن اسمها كان في النظام وكل المعاملات باسم الشخص الآخر، ما عقّد من تعديله، في الوقت الذي تنصّل فيه الأخير من أيّ تعاون، خشيةً من الوقوع في أيّ ورطة مع إدارة المستشفى الحكومي. وبعد عناء ولأكثر من عشرة أيام من المعاملات، وإعادة بعض الفحوصات والأشعة، تم فتح ملف جديد وتغيير التقارير الطبية باسم الأب الحقيقي.
كل هذا يحصل، بسبب ازدواجية المعايير، والتمييز بين المواطنين اليمنيين، دون مراعاة للوضع الاقتصاديّ الذي وقع فيه الناس جميعًا، والمعاناة التي دخلت كل بيت.
بالتعاون مع مواطنة