قبيل أكثر من عشر سنوات، أنشئ البيت اليمنيّ للموسيقى والفنون في صنعاء كمؤسسة ثقافية مختصّة بالفنّ والموسيقى بجهود ذاتية من قبل مؤسسها الفنان فؤاد الشرجبي، المؤسسة التي بدأت بتقديم دورات تعليمية في معظم الآلات الموسيقية، لا سيما العود والجيتار لكثير من الطلبة الذين توافدوا إليها بمختلف الأعمار كونها المكان الوحيد والمعنيّ بالموسيقى، فمن خلاله استطاعوا ممارسة شغفهم الإبداعيّ -في بلد لا يزال يعتبر الفنّان، وخاصةً الإناث، أنّه من ضمن خانة "العيب"، و"الممنوع" مؤخرًا- حتى اعتبره الكثيرُ بيتَهم الدافئ، والذي بمرور الوقت أصبح مكانًا هامًّا لا بدّ للكثير من المهتمين والعازفين أن يعبروا عبر نوافذه الكثيرة والمختلفة مُقدِّمًا للطلبة القادمين إليه دورات ودروسًا تفصيليّة تساعدهم على تطوير مواهبهم الإبداعية، فتخرج الكثير منه بقدرات عالية ومعرفة واسعة كلٌّ بالآلة التي تدّرب عليها.
لم يتوقف حلم مؤسسة فنية أضحت الوحيدةَ والمستمرّة في تقديم النشاط مع اشتداد الحرب في اليمن منذ أكثر من ثماني سنوات عند مستوى تقديم دورات تعليميّة ببلد يجرّم الموسيقى ويمنعها، بل تجاوزت ذلك إلى أخذ مشاريع فنية وثقافية مموّلة نفّذتها بمخرجات نالت استحسان الجمهور، فحقّقت النجاحَ الكبير في صورة تنشد السلام والاستقرار من خلال الفنّ الذي يعتبره الكثير الصورةَ الأنقى لهُوية اليمن ذات التاريخ الفنّي الكبير.
الدعوة إلى التعايش عبر المسرح
في عام 2020، شهدت قاعة البيت اليمنيّ للموسيقى والفنون ازدحامًا شديدًا، حضرته الكثير من الشخصيات الأدبية والفنية، لمشاهدة العرض الأول لمسرحية "متعايشين"، والتي تم عرضها على خشبة مسرح المؤسسة.
المسرحية التي كتب نصوص حوارها شبابٌ مبدعون، تناولت الكثير من القضايا التي يعاني منها المجتمع اليمني في حواراتها؛ أبرزها الحرب والنزوح كقضايا أساسية، إضافةً إلى الكثير من الأحداث التي تم تنفيذها دراميًّا من قبل مبدعين من فئة الشباب، تلقّوا ورشات عمل في التمثيل احتضنتها قاعات المؤسسة لأَشهُر أثناء العمل، كجزء من المشروع الذي موّلته منظمة اليونسكو والوكالة الألمانية للتعاون (GIZ)، وخلال الحفل الذي تخلّلته كلمات متعددة، أشاد الرعاة بالمخرج الإبداعي المتميّز الذي يدعو للتعايش والسلام، في ظل حرب وقيود مستمرّة على الأدب والفنّ، تنفّذها سلطات قمعيّة تنظر إلى المسرح والأدب بأنّه خارج إطار المألوف بل وتقوم بتجريمه للحدّ منه.
توثيق أكثر من 15 حكاية وأسطورة يمنية بمسلسل إذاعي
ومع بداية عام 2021، بدأت المؤسسة بالاشتغال على مشروع توثيق حكايات وأساطير يمنية، موثقةً أكثر من خمس عشرة حكاية وأسطورة يمنيّة كـ"وريقة الحنا، والدجرة"، و... إلخ، وإنتاجها في مسلسل إذاعي، على منصة اليوتيوب، وقد استمرّ تنفيذ المشروع لأكثر من ثلاثة أشهر، بدأ فيه الشباب المبدعون البالغ عددهم ثلاثين شابًّا وشابة متوزّعون على ثلاث مجموعات تم اختيارهم وَفقَ شروط معينة، حاصلين بذلك على مقابل ماديّ يوميّ كجزء من مشاريع النقد مقابل العمل، بأخذ ورشة عمل تطرقت إلى التراث اللامادي الكبير الذي تمتلكه اليمن، ليتم بعدها توزيعهم إلى ثلاث مجموعات: الأولى عُنيت بكتابة سيناريو وحوار المسلسل، ليقع تركيب ووضع الألحان على فريق الموسيقى، أمّا التمثيل فنفّذه الفريق الثالث والأخير، وقد تلقَّى كلُّ فريق ورشات تدريب قبيل التنفيذ من قبل مدربين مختصين.
وأتى المسلسل من ضمن مساعي منظمة اليونسكو وشركائها بالحفاظ على التراث اللامادي في اليمن، نتيجة الحرب المستمرة.
تدريب أكثر من 4 شباب على صناعة "القنبوس" الطربي
مؤخرًا، نفّذت المؤسسة مشروع صناعة القنبوس -عود يمنيّ قديم بأربعة أوتار- الذي استمرّ لأكثر من ثلاثة أشهر، تلقَّى فيه المتدرِّبون الذين تمّ اختيارهم بعناية، أكثرَ من ورشة عمل وتدريب على يد المدرِّب/ الفنّان عبدالباسط الحارثي وآخرين، شملت طرق صناعة الآلة القديمة التي تعاني من الإهمال والضياع، وكيفية العزف عليها، ليكتمل المشروع بوجود أكثر من أربعة شباب باستطاعتهم صناعة الآلة في أيّ مكانٍ يتواجدون فيه إذا ما توفرت لهم الوسائل المتاحة.
كلُّ تلك المشاريع الناجحة التي قدّمها البيت اليمنيّ للموسيقى والفنّون في مخرجات ناجحة، تقدّم أنموذجًا واضحًا للتحدّي ومقاومة الحرب بالفنّ. مسجِّلةً خلالَ أقل من عشرين سنة، الرقمَ الأول بين كثير من المؤسسات الثقافية اليمنية من جانب تقديمها ورعايتها للإبداع والمبدعين بمخرجات مشاريع حاضرة بيننا ومستمرّة لأجيال، تحت وطأة حرب وسلطة غير متصالحة مع الفنّ والموسيقى.