شاعر ومُغَنِّي الدان "مستور حمادي"

من حياكة الملابس إلى تطريز وتنغيم الأبيات
سليمان مطران
May 28, 2024

شاعر ومُغَنِّي الدان "مستور حمادي"

من حياكة الملابس إلى تطريز وتنغيم الأبيات
سليمان مطران
May 28, 2024
.

كانت سيئون قديمًا تتكون من السحيل والقرن وحصن الحوارث والفلس والسقاية المسماة (با زياد)، فسحيل سيئون تبدأ مساحته الجغرافية من السدة القبلية (المدخل الغربي) إلى منطقة شهارة، ثم منطقة الدِّجِن إلى مسجد جامع سيئون. 

امتدت أيادي العمران، وصار "السحيل" حيًّا من أحياء مدينة سيئون- حضرموت، الوادي الشهير سكانه بالزراعة وبأعمال حرفية محلية، كالبناء باللِّبْن (الطين الممزوج بالماء) وبالتبن (عيدان البُرّ بعد حصاده)، وصناعة النورة (الجير)، ونسج الملابس (الحياكة)، وبشعرائه ومغنّيه في الدان وجلسات أسماره الممتدة إلى الفجر. 

في عام 1897، كان ميلاد الشاعر ومُغنّي الدان الحضرمي "مستور حمادي"، في منطقة الدجن- السحيل، مدينة سيئون. 

اشتهرت أُسْرَة آل حمادي بحرفة نسيج الملابس (الحياكة)، ومنهم بزغ نجم الشاعر الشعبي (مستور سليمان عبدالخالق حمادي)، الذي يحتل الصدارة بين شعراء الدان الحضرمي وحلبات الشَّبواني، وتُنطق" الشوَّاني" في بعض مدن حضرموت. 

تُوفِّيَ الشاعر سليمان عبدالخالق حمادي، ولم يتجاوز ابنه مستور (١٤) عامًا، فتربَّى في كنف عمه (عُمر)، فنشأ نشأة فقرٍ ويُتم، وكثيرًا ما يشير إلى ذلك في بعض أشعاره، كقوله: 

لا معي مال في الحِمِّةْ ولا فلس بدفع 

غير أنا واهل الهوى شلّة بشلّةْ

 لكَّعونا وانا بالّلكع لا سمع ولا رجع 

تم عمري وذلا عمر ثاني 

وان عدمتوا دواء المتعوب ربه يعافيه 

(الحمة: مساحة زُرعت بالنخل، جزء منها -حاليًّا- مطار سيئون الدولي. لكَّعونا: جرحونا). 

شاعرٌ شعبيّ لا يقرأ ولا يكتب؛ ولذلك خلَت مسيرة حياته من التدوين بالتاريخ والأرقام، ويكفينا ما أشار إليه د. عبدالله حسين البار، بقوله:

"مستور حمادي شاعر، والشاعر لا تعرّفه الوقائع والأحداث، وإنما بطاقةُ تعريفه قصائدُه وما استكنّ جوفها من رؤى ومواقف وطرائق في التعبير ووسائط في الأداء". 

- لما بلغ ١٣ عامًا من عمره، بدأت موهبته في قول الشعر، ولا غرابة؛ فقد كان والده (سليمان) من أبرز الشعراء الشعبيين في الحارة.

- كبُر مستور وكبرت معه هوايته في الشعر والغناء، فقد حباه الله حنجرةً ناعمة، وسرعة في الحفظ، وبديهة في الرد. 

- ذات مرة، ولصغر سنّه، سمع إحدى السيدات تقول لأطفال يلعبون بالشارع: "ابتعدوا عن هذا الرجل المجنون (مستور)"، فعرفها، وقال فيها قولًا قاده إلى السجن: 

زينة واحمد المدحي

لهم سنتين يتهاوون 

يا فتاح يا مطلوب 

فاشتكت به إلى السلطان الكثيري، فسجنه. 

- بعد وفاة والده عمل لدى أحد أثرياء سيئون، إلى جانب زميلته في العمل، فأحبها، وتغزل فيها قائلًا: 

قال الفتى مستور: نومي من عيوني زال يا خلّي 

من يوم شفت الجعد لي مكثوف رابط بالحزامةْ 

والرجِل ما سارت وروّنا عيوبي 

بستقل لو عاد في البُراد فنجان 

إلّا أنّ هناك رواية أخرى جاءت على لسان ابنه سليمان (رحمه الله) -كان موظفًا في البنك الأهلي بسيئون- في مقابلة أجريتُها معه في برنامج (شريط الذكريات) أواخر سبعينيات القرن العشرين، أشار فيه إلى أنّ والده مستور بعد أن طلّق والدته، مرّ مصادفةً بالقرب من بيت أهلها ورآها تمشط شعرها دون أن تراه، فقال تلك الأبيات بأعلاه، واسترشد بقول والده في البيت الشعري الوارد في ذات القصيدة المُغناة: 

خلوه يتفضّل عليّ يرثى ويرحم

فيش قولوا له ارحم حالة سليمان

(فيش: يكفي). 

- 1968، عاد الأديب العربي الكبير/ علي أحمد باكثير إلى سيئون، وجلس مع الشاعر مستور حمادي، فقد كان معجبًا كثيرًا بشعره ومعانيه الشعرية. 

- مَن عاصَرَ "مستور" أو شاهده عيانًا، سيلاحظ أنّه يحرك رأسه يمنة ويسرة، جالسًا كان أو سائرًا، ولا تقف حركة رأسه إلا وهو نائمٌ أو عند أدائه الصلاة. 

- سافر مستور إلى شرق إفريقيا فاستقبلته الجالية اليمنية بالترحاب، فأنعشها بأشعاره وأنساها كربة الغربة، ثم عاد إلى بلدته سيئون على نفس الحال الذي سافر به؛ فقير ومعدم. 

وممّا حدّثني به مغنّي الدان، العم/ عوض سالم بارمادة، في لقاء إذاعي، برنامج (زيارة قمتُ بها)، أن "مستور" أرسل أبيات شعر إلى صديقه الشاعر سليمان بن عبدالله بن عون الكثيري، إذ كان ميسور الحال، يشكو فيها حالته وما به عند وصوله إلى مسقط رأسه سيئون، يقول فيها: 

نشفت علينا البير بَت الماء وهي للناس اللي تروي 

هيا غدَو يا البير شي الكبود لش مرة ظمآنة

زاد العطش على الناس وانتي في الجهة

والعرب كلًّا بدلوه قيم عطشان 

(البير: البئر. غدو: هيا أو حان). 

- كان الشاعر مستور حمادي يتكسب من عمله في حياكة الملابس، إلّا أنه تركها بسبب أن قبائل كانوا يأخذونها ولا يدفعون قيمتها، ولمّا طالبهم بنقوده هدّدوه، فعمد إلى بيع القهوة المُرّة، فكان يحمل الدلة على ظهره، ويتجول في سوق سيئون، فيُقبِل الناس على شراء قهوته ليستمعوا إلى أشعاره، ثم تركها ولجأ إلى مهنة التنصّع (التصويب ببنادق الصيد)، فأقبل الرجال والشباب والأطفال عليها، مقابل مبلغ من المال، وكثيرهم يزيدونه. 

- في عام 1971، شارك العمّالَ احتفالاتهم بعيدهم (أول مايو)، فنظم قصيدة، وممّا قال فيها: 

سلام على القومية الجبهة وعلى قوّامها 

من شانها الثوار اللي قعدوا واللي قد هم قيام 

تحيا عروبتنا ويحيا شعبها همامها 

والجوهرة متحركة متمكنة في رأس هام 

- في أواسط الثلاثينيات، تناقل الناس أخبار عن وصول ضابط إنجليزي (إنجرامس) إلى المكلا، فقال مستور: 

منين داحق 

يا الّلي على واحده تظلع

ذا با ترافق  

وتقول مكَّنت على الرفقة 

دقل المعانق 

يقرحن ما يبقل المخدور

(تظلع: تعرج. الرفقة: محلية من الخشب تحل محل المسمار. المخدور: المحفور على شكل دائرة صغيرة).

وفي منتصف 1966؛ أي بعد ثورة 14 أكتوبر 1963، في مطلع شبواني، قال مستور في رده على بعض الشعراء: 

فيما تقولونه حقيق السحر على السحَّار فر

ولا الآدمي كالطير ملقى له جناح في الجو فار 

في 2 أكتوبر 1967، تم الاستيلاء على السلطنة الكثيرية من ثوار الجبهة القومية، وقال مستور: 

دنيا دنيَّة عابرة دنيا ترويك العجب

والمشكلة لو هو صديقك فيك با يرجع يعيب 

إلى أن قال: 

السادسة عبرت وعاد السابعة والثامنة

والوعد حيث الوعد في الأرباع والّا في الثمين 

كان وما زال، لا يُقام حفل فني في المناسبات والأعراس والسهرات العامة والخاصة إلا والبداية تكون أغلبها من أشعار مستور حمادي أو حداد بن حسن الكاف.

عاصر مستور حمادي فحول الشعراء الحضارم، وتبادل معهم المساجلات، في سمرات الدان والشبواني في الأعراس والاحتفالات والأعياد، ومن بين أولئك الشعراء الكبار: 

- سالم عبدالقادر العيدروس، منطقة بور (شمال شرق مدينة سيئون). 

- حداد بن حسن الكاف، مدينة تريم شرق سيئون.

- حسين أبوبكر المحضار، مدينة الشحر- ساحل حضرموت.

- سالم خميس كندي، منطقة الغرفة (غرب سيئون).

- سليمان بن عون، منطقة الغرفة (غرب سيئون).

- محفوظ التوي، الحوطة (غرب سيئون).

- ناصر يسلم بن ناصر، السحيل بسيئون.

- عبده بن عامر، منطقة تاربة (شرق سيئون). 

-  أحمد عبود باوزير، منطقة حورة. 

غنّى من أشعاره الكثيرُ من المطربين الكبار: سعيد عبدالنعيم، كرامة مرسال، سبيت كندارة، بدوي زبير، محفوظ بن بريك، علي أبوبكر العطاس، سعيد عبدالخير، سالم محيور، وآخرون. 

الأغنيات، من كلماته وألحانه: 

- قال الفتى مستور. 

- قل للصوغ. 

- يا صمد يا الفرد الاكبر. 

 - بدي بالله يا فرد قادر. 

- حنّت على مراعيها النّوب.

كلمات مستور لملحنين: 

- "سرى مطربي بالصوت ذكرنا"، لحن: الشاعر حسين أبوبكر المحضار. 

 - "ما بنساك أبدا يا حبيبي"، ألحان: الشيخ/ أحمد باوزير. 

ومن ألحان مغني الدان، سعيد مرزوق: 

- تشوقنا الخضيرة. 

- ذا فصل حِن يا النوب الاخضر. 

- يا عظيم الرجاء تنظر لعبدك. 

- البارح العاشق. 

ومن مغنّي سمر الدان مع مستور: سعيد مرزوق، عاشور الشن، عاشور أمان، عوض سالم با رماده ويسلم قهمان، عبيد فاضل وسعيد عيظة باحشوان، (الله يرحمهم). 

كان وما زال، لا يُقام حفل فنّي في المناسبات والأعراس والسهرات العامة والخاصة، إلا والبداية تكون أغلبها من أشعار مستور حمادي أو حداد بن حسن الكاف. 

توفِّي الشاعر مستور حمادي في 1975، بعد أن حمل لواء الشعر الشعبي ما يقارب من 78 عامًا، وهي سنوات عمره. 

 - لم يتمكن الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار لسفره، من حضور جنازته، لكنه جاء بعد ذلك إلى بيت الشاعر الكبير مستور حمادي بحي السحيل، وقدّم واجب العزاء، وأقيمت جلسة دان بحضور ابنه الشاعر سليمان مستور وناصر بن ناصر وعمر باعباد وحسن باحارثة، وآخرين، ومغني الدان يسلم هادي قهمان، وأبو عابد عبدالله محروس، (رحمة الله عليهم أجمعين). 

هذا قليل من كثير عن الشاعر الصعلوك مستور، والصعلكة، كما يقول عبدالله حسين البار: 

"إحساس بالحياة يصّاعد ويتنامى في النفس، حتى يغدو رؤية للوجود"، ويقول أيضًا: "يفضي التدبر في شعر مستور إلى القول إنّ الشاعر قد هامَ في الدنيا فقيرًا إلا من الشعر وحب الآخرين وعشق الحياة، لكن الحياة أبت إلا أن تعكس فيما يحب، فرأى منها ما يكره".

المصادر:

استفاد الكاتب من: 

- نظرات في شعر الغناء الحضرمي، الدكتور/ عبدالله حسين البار. 

 -كتيب (أنغام من الوادي)، طبع على ورق الشمع "الاستنسل"، مجلس مديرية سيئون لاتحاد الفنانين الديمقراطيين، جمعها: الشاعر/ ناصر يسلم بن ناصر. 

وإسهامات:

- الشاعر/ رياض باسلامة.

- القارئ للتراث الشاعر/ عبدالعزيز باكثير.

- الإعلامي/ جمعان دويل.

•••
سليمان مطران

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English