هل يكون الرجل نسويا؟

حينما يصير دعم المرأة خيانة للثقافة التقليدية!
إبراهيم عبدالله
October 23, 2024

هل يكون الرجل نسويا؟

حينما يصير دعم المرأة خيانة للثقافة التقليدية!
إبراهيم عبدالله
October 23, 2024
مجموعة من الناشطات اليمنيات في وقفةً احتجاجية أمام مصلحة الجوازات والهجرة بمدينة تعز

في الأول من فبراير 2022، نظّمت مجموعة من الناشطات اليمنيات وقفةً احتجاجية أمام مصلحة الجوازات والهجرة في محافظة تعز، مطالِبةً بتطبيق القانون والسماح للنساء بإصدار الوثائق الشخصية دون الحاجة إلى وصاية، وذلك في إطار حملة #جوازي_بلا_وصاية. شارك في هذه الوقفة المحامي والحقوقي ياسر المليكي، ونشر صورًا له على وسائل التواصل تدعم هذا الاحتجاج. إلا أن دعمه فعاليةً نسوية أثارت موجة من السخرية والانتقادات الاجتماعية، لمجرد اصطفافه مع حقوق المرأة وانضمامه إلى نضالهن المشروع.

لم يكن المليكي يطالب إلا بتطبيق القانون الذي تعرقل بفعل الأعراف الاجتماعية، التي حرمت المرأة من حقها في استخراج وثائقها الشخصية. ورفع لافتة كتب عليها "التقاليد الذكورية هي ما تمنع النساء من المطالبة بحقهن في استخراج جواز سفر". وبالرغم من أن دعمه كان لمطلب بسيط وواضح، فإن وقوفه إلى جانب النساء في هذا الاحتجاج قوبل بوابل من الشتائم والسخرية، واستهداف شخصه عبر صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ردّ في منشورٍ له، قائلًا: "هذا الترهيب والشتائم لا تأتي دفاعًا عن قضية عادلة؛ بل لأنها في الأساس لا قضية لها، والمفاجئ أن هذه الانتقادات جاءت من أشخاص يُعتقد أنهم أكاديميون وناشطون وإعلاميون، ولكن عقولهم لا تتعدى ما بين السرة والركبة. نحن لم ندعُ لفتح مراقص أو بارات، بل لممارسة حق قانوني بسيط جدًّا".

بسبب هذا الوصم، كثير من الشباب اليوم يجدون أنفسهم في مأزق اجتماعي حين يتعلق الأمر بإظهار دعمهم لحقوق المرأة. المجتمع الذي يعيشون فيه لا يرحب بسهولة بفكرة "الرجل النسوي"، وبعضهم يرى هذا الموقف "خيانة للرجولة التقليدية". الشاب الذي يؤمن بالمساواة يتردد في الإفصاح عن دعمه، ليس لأن قناعاته ضعيفة، بل لأن المجتمع يلاحقه بتهمة "النسوية"، وكأنها إهانة تنتقص من هويته الذكورية. هذا الوصم ليس مجرد كلمات عابرة؛ إنه جزء من نظام اجتماعي متجذر يستند إلى تصورات تقليدية عن الرجولة والمكانة الاجتماعية. وهكذا، يجد الرجل الذي يتبنى مواقف نسوية نفسَه تحت وابل من الانتقادات، وكأن دعمه للمساواة يجرده من رجولته. لكن الحقيقة أن دعم حقوق المرأة لم يكن يومًا حكرًا على النساء. عبر التاريخ، وقف رجال نسويون بجانب النساء في نضالهن ضد القمع.

الرجل النسوي موجود عبر التاريخ

في مدينته الفاضلة، اعتقد أفلاطون أنّ النساء قادرات على القيام بنفس المهام التي يقوم بها الرجال، وأن التمييز ضدهن ليس سوى نتاج أعراف مجتمعية ظالمة. ابن رشد، في العالم الإسلامي، كرر نفس الدعوة، مؤكدًا أن تهميش المرأة يعيق تقدم المجتمع بأسره.

ثم جاء جون ستيوارت ميل، الفيلسوف الإنجليزي، ليبيّن أن إخضاع النساء للنظام الذكوري لا يظلمهن فقط، بل يعطل تقدُّم البشرية. وفي العالم العربي، وقف قاسم أمين ضد التقاليد المقيدة، مطالبًا بتحرير المرأة والتعليم ووضع حدٍّ لتعدد الزوجات، مؤكدًا أن نهضة الأمة لا تتحقق دون مساواة حقيقية بين الجنسين. وإذا ما جئنا لبدايات الخطاب النسوي في اليمن، فقد كان رائد التنوير في عدن، محمد علي لقمان، أول من أعلن تأييده لتحرير المرأة اجتماعيًّا واقتصاديَّا (من خلال المقالات التي كان ينشرها في صحيفته "فتاة الجزيرة" خمسينيات القرن الماضي، في الوقت ذاته كان الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردّوني، في الشمال يدافع عن حقوق المطلقات ومن سُلبت حقوقهن من الورث، من النساء اليمنيات، وذلك من منطلق إيمانه بالمساواة والعدالة الاجتماعية؛ حتى أُطلق عليه "محامي المطلقات" كوصف ساخر لدفاعه عن حقوق النساء، وهي السخرية ذاتها التي تعرّض لها "المليكي".

أن تكون نسويًّا يعني أن ترفض الانصياع لقواعد اللعبة المتهالكة، أن تتحدى القوالب التي حدّدها المجتمع، لتسجن كلَّ من يخرج عن النص. أن تكون نسويًّا لا يعني أن تتخلى عن رجولتك، بل أن تُعيد تعريفها بما يتجاوز الفهم التقليدي الضيق الذي يحصرها بين القوة والسيطرة. أن تكون نسويًّا يعني أن تدرك أن حقوق المرأة ليست مسألة تخص النساء وحدهن، بل هي قضية تمس إنسانيتك، تتعلق بالعدالة، وبالحرية، وبالكرامة الإنسانية.

النسوية ليست معركة لإزاحة الرجال من مواقعهم، بل هي ثورة ضد النظام الأبوي الذي يقمع الجميع، رجالًا ونساءً على حد سواء. كما يوضح غاسباريني في كتابه "لماذا تخدم النسوية الرجال أيضًا" (Perché il femminismo serve anche agli uomini) فإن النظام الأبوي يُلبِس الرجل عباءة الهيمنة والسيطرة، ويضعه في دور "السيد" الذي يجب أن يُخضِع الآخرين، لتأكيد رجولته. لكنه في الحقيقة لا يمنحه حرية، بل يحوله إلى أسير لنظام قمعي يُجبره على الالتزام بقوالب مفروضة، تُكبّله مثلما تُكبّل المرأة.

النسوية تفك هذه القيود؛ فهي حركة تحررية تُسقط عن الرجل عبء التسلط والتعالي، وتمنحه فرصة ليعيش إنسانيته خارج منطق السيطرة. بعيدًا عن هذا النظام الأبوي، يُتاح له أن يختار هويته بعيدًا عن الأدوار النمطية التي يفرضها المجتمع. في النهاية، النسوية لا تهدف إلى قلب الأدوار، بل إلى إنهاء نظامٍ ظالم يسجن الجميع في قوالب جامدة، ويعيد إنتاج السيطرة والقهر.

النسوية حركة تحررية ضد الأنظمة السلطوية

النسوية ليست فقط حركة ضد النظام الأبوي، بل هي أيضًا قوة تحررية تقف في مواجهة كل أشكال الأنظمة السلطوية والبُنى البطريركية. الأنظمة الديكتاتورية، مثل النظام الأبوي، تقوم على القمع والتحكم، حيث تسلب الأفراد حرياتهم وتفرض عليهم قوالب اجتماعية وسياسية تحدّ من خياراتهم. وتأتي النسوية، بتمردها على النظام الأبوي، تفتح الباب لمواجهة الاستبداد السياسي. فهي تطالب بتوزيعٍ عادل للسلطة، بمشاركة حقيقية لكل فرد في المجتمع، رجالًا ونساءً. هذه المطالب تقف في صلب أي تحوّل ديمقراطي، حيث تساهم في بناء مجتمع يرفض القهر ويطالب بالحرية والعدالة للجميع.

كما أن وجود الحركات النسوية والتحررية هو ما يُشعل الشرارة ضد الأنظمة السلطوية؛ لأنها تكشف زيف السيطرة وتُسقط قناع الديكتاتوريات. فالنسوية لا تسعى فقط إلى تحرير النساء، بل إلى تحرير المجتمع من كافة أشكال القمع، وهو ما يجعلها قوة لا غنى عنها في أي نضال من أجل الديمقراطية.

أن تكون نسويًّا يعني أن ترفض الانصياع لقواعد اللعبة المتهالكة، أن تتحدى القوالب التي حددها المجتمع لتسجن كل من يخرج عن النص. أن تكون نسويًّا لا يعني أن تتخلى عن رجولتك، بل أن تعيد تعريفها بما يتجاوز الفهم التقليدي الضيق الذي يحصرها بين القوة والسيطرة. أن تكون نسويًّا يعني أن تدرك أن حقوق المرأة ليست مسألة تخص النساء وحدهن، بل هي قضية تمس إنسانيتك، تتعلق بالعدالة، وبالحرية، وبالكرامة الإنسانية.

أن تكون نسويًّا يعني أن ترفض التصفيق لنظام يجعلك شريكًا في القمع، حتى لو كانت الأسلحة كلمات أو نظرات، حتى لو كان القمع مختبئًا خلف ابتسامات زائفة وتقاليد مألوفة. أن تكون نسويًّا يعني أن تتحمل ثمن التحدي، أن تواجه السخرية، الانتقادات، والهجمات الشخصية بلا خوف؛ لأنك تعرف أن الوقوف مع الحق لا يحتاج إلى تبرير. أن تكون نسويًّا يعني أن تختار أن تكون إنسانًا مكتملًا، ترى في الآخر شريكًا لك، لا تابعًا أو متفوقًا عليك.

أن تكون نسويًّا يعني أن تعيد صياغة مفاهيم الرجولة في سياق العدالة، وأن تدرك أنّ المساواة ليست تهديدًا لك، بل تحريرًا من قيود ترسخت فيك قبل أن تدركها، فتحرر نفسك كما تحرر الآخرين.

(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية. الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English