"الملاريا" المنبعث من أكوام النفايات في تعز

المرض القاتم في زمن كورونا يؤرق القطاع الصحي
رأفت الوافي
February 1, 2022

"الملاريا" المنبعث من أكوام النفايات في تعز

المرض القاتم في زمن كورونا يؤرق القطاع الصحي
رأفت الوافي
February 1, 2022

يشهد القطاع الصحي في اليمن انهيارًا وتدهورًا كبيرًا؛ جراء الحرب الدائرة في البلاد منذُ سبع سنوات بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والحكومة المعترف بها دوليًّا، إذ تعقد الوضع الصحي في اليمن عمومًا، وفي محافظة تعز الواقعة جنوبي غرب البلاد، على وجه الخصوص، في ظل انتشار فيروس كورونا والأمراض الموسمية التي تنتشر من وقت لآخر، كحمى الضنك والكوليرا والملاريا مؤخرًا.

لا تقل هذه الأوبئة خطرًا عن كوفيد-19، خاصة مع تزايد عدد الحالات المصابة بها التي بلغت مئات الإصابات، بحسب السلطات الصحية بمحافظة تعز.

وتعتبر الملاريا مرضًا مستوطنًا في اليمن، ومن أشد الأمراض الفتاكة منذ عشرات السنين، وبالتالي فإن تركيز المكاتب الصحية والمنظمات الدولية على مكافحة جائحة كورونا، انعكس سلبًا على مواجهة الملاريا والكوليرا، في وقت ينتشر فيه البعوض الناقل لهذه الأمراض بشكل كبير.

في تعز، ساهمت عوامل عدة في تفشي هذا المرض بشكل كبير، منها ما تعاني منه المدينة من تكدس لأكوام للنفايات، والتي تعد مصدرًا رئيسيًّا لتكاثر البعوض الناقل للمرض.

أكوام النفايات

تعتبر محافظة تعز من المحافظات اليمنية الأكثر تأثرًا بالملاريا، الذي تفشى بشكل غير مسبوق بسبب تدهور القطاع الصحي في المدينة، الذي زاده تعقيدًا انتشارُ فيروس كورونا والعديد من الحميات الأخرى، مثل الكوليرا وحمى الضنك والمكرفس، إضافةً لتكدس أكوام النفايات في شوارع المدينة، مع غياب شبكة المياه الصحية للعديد من المراكز والمديريات في المحافظة.

حيث تعتبر المياه الراكدة سببًا لتكاثر البعوض الناقل للمرض، جراء قيام معظم المواطنين بتخزين المياه بشكل عشوائي في خزانات وأوانٍ مكشوفة.

في هذا الصدد، يقول منسق البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا بمكتب صحة تعز، الدكتور سيف الحياني، لـ"خيوط": إن وباء كورونا أضاف عامل تحدٍّ جديد؛ إذ ساهم في إذكاء انتشار الملاريا، بسبب تركّز كل جهود الجهات الداعمة والسلطة المحلية ووزارة الصحة، لمكافحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، على حساب مواجهة الملاريا، الذي بات من الأمراض المهملة والمنسية، على خطورته.

تتمثل أعراض أغلب الحالات المصابة بالكوليرا بإسهال حاد، حيث يصعب التفرقة بين إسهال الكوليرا والإسهال الناتج عن المشاكل الصحية الأخرى، إضافةً إلى التقيؤ المستمر، والشعور بالصداع الشديد، وغالبًا ما تظهر هذه الأعراض خلال عدة أيام

ويضيف الحياني: "انتشرت الملاريا في أغلب مديريات محافظة تعز؛ أبرزها مديريات الساحل الغربي كالوازعية وموزع ومقبنة وذباب، والمعافر وصبر الموادم وأجزاء من جبل حبشي، والمناطق التي يتواجد فيها العيون والأنهار والأشجار الكثيفة".

ويؤكد الحياني أن السلطات الصحية في تعز سجلت خلال العام الماضي 2021، أكثر من 2800 حالة إصابة مؤكدة بمرض الملاريا، وأنه تم عمل فحص مرض الملاريا لأكثر من 16 ألف شخصٍ، مشيرًا إلى أن العدد قد يكون أكبر لعدم وجود معلومات دقيقة حول عدد الإصابات.

في السياق، تحدث عمر علي (25 سنة)، أحد سكان منطقة البعرارة (غربي تعز)، لـ"خيوط"، قائلًا إنه أصيب بمرض الملاريا الذي فاقم من معاناته الصحية والمعيشية، بعد أن تعرض للدغة بعوض. ويضيف: "عندما بدأت أشعر بحمى شديدة مصحوبة بتقيؤ مستمر، ذهبت إلى مستشفى المظفر، أبلغوني حينها أني مصاب بالملاريا".

وترتفع نسبة الإصابات بمرض الملاريا نتيجة شحة إمكانيات مكتب الصحة بسبب الحرب، بالإضافة إلى أن الأوبئة الأخرى طغت عليه في ظل عدم الاهتمام والدعم الكافي من قبل المنظمات والسلطات الصحية، بحسب نائب الإعلام والتثقيف الصحي في مكتب الصحة بتعز، تيسير السامعي.

المرض المنسي

لا يوجد دعم كافٍ من قبل المنظمات والجهات الصحية المعنية لمكافحة الملاريا، رغم أن المرض قد يؤدي لوفاة الشخص المصاب، بسبب احتياج المصاب للعلاج بشكل مستمر حتى يتماثل للشفاء، وهو ما لا يحدث بسبب الارتفاع الكبير للأدوية.

وبحسب السامعي، أثناء حديثه لـ"خيوط"، فإن برنامج مكافحة الملاريا يعمل منذُ فترة طويلة، وخلال فترة عمله حقق نجاحات كبيرة، لكن الحرب تسببت في ضعف نشاطه، إلا أن البرنامج يحاول، بقدر المستطاع، الاستمرارَ في المكافحة، مشيرًا إلى أن لدى البرنامج أولوية طغت على مهامه ونشاطاته، على رأسها مواجهة حمى الضنك التي تحظى باهتمام كبير من البرنامج ومكتب الصحة على حد سواء.

أوبئة مدارية

تشكل الأمراض والأوبئة الموسمية خطرًا كبيرًا يهدد حياة اليمنيين، خصوصًا في فصل الصيف الذي يتزامن مع هطول الأمطار وتدفق السيول، والتي ينتج عنها الكثير من الحفر المليئة بالمياه الراكدة، والتي تعدّ مرتعًا خصبًا لتكاثر البعوض الناقل لعدوى الملاريا وحمى الضنك والكوليرا والمكرفس.  

من جانبه، يؤكد مدير إدارة الترصد الوبائي بمكتب صحة تعز، الدكتور ياسين الشريحي، أن هطول الأمطار وبقاءها داخل الحفر في شوارع المدينة والمجاري المكشوفة، ساهمت في ارتفاع حالات الإصابة بالملاريا، مبينًا في حديث لـ"خيوط" أن عدد الحالات المصابة خلال السنة 2020 في مدينة تعز، بلغ أكثر من 23 ألف حالة إصابة دون وجود وفيات، بحسب إحصائية لمكتب الصحة.

بحسب الشريحي: "في النصف الأول من العام 2021، بلغ عدد حالات الإصابة بفيروس حمى الضنك أكثر من 4000 حالة، إضافة إلى وجود مرض المكرفس الذي لا يوجد له فحص، وإنما يعتمد في تشخيصه على تقدير الأطباء".

ويضيف الشريحي أن مكتب الصحة يقوم في المحافظة بمكافحة البعوض من خلال الرش الميداني لشوارع وأزقة المدينة سنويًّا منذ بداية شهر مارس من كل سنة.

وفي إطار جهود مكافحة البعوض المسبب للملاريا، تقول السلطات الصحية أنها تقدمت بخطة لوزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية للقيام بعملية مكافحة الملاريا، لكنها لم تتلقَّ أي رد أو اهتمام حتى الآن.

ويتابع سيف: "تم رفع خطة للقيام بعمليات مكافحة البعوض الناقل للمرض، لوزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات المحلية، لكن حتى الآن لم يصل أي تجاوب منهم للتدخل في عمليات المكافحة، باستثناء تلقينا كمية من الناموسيات وصلت إلى مدينة عدن، مقدمة من منظمة الهجرة الدولية، بلغت منها حصة تعز 150 ألف ناموسية. سيتم توزيعها للمناطق الأكثر تضررًا بالملاريا، أما المدينة فتحتاج إلى 370 ألف ناموسية".

أعراض

وتظهر أعراض الملاريا في الشخص المصاب بشكل عام، في غضون أسابيع معدودة بعد لسعة البعوض الناقل للمرض، كالشعور بحمى شديدة مصاحَبة بصقيع، وتقيؤ مستمر.

الخطير في الأمر أن هناك أنواع معينة من الفيروسات التي تتسبب بها الملاريا تبقى في الكبد بحالة سبات، دون أن تسبب ظهور أعراض فورية، وقد يصبح الطفيلي، في هذه الحالات، فعالًا بعد أشهر وحتى سنوات من التعرض للسعة البعوض. ويعتبر الرضع والأطفال دون سن الخامسة والحوامل والمصابين بالإيدز، والسكان المتنقلين والمسافرين من أكثر الفئات عرضة للإصابة.

الكوليرا

لم تكن الملاريا وكورونا والضنك فقط من غزت مدينة تعز مؤخرًا، فلقد تقاطعت كل الأوبئة والأمراض مع بعضها في زمن الجائحة. حيث أخذت الكوليرا هي الأخرى نصيبها مع تزايد أعداد الحالات المصابة بها في الأشهر الأخيرة من العام الجاري 2021.

تقول رئيسة قسم الكوليرا بمستشفى الثورة العام بتعز، الدكتورة/ سميرة صالح لـ"خيوط": "منذُ بداية 2021 تزايدت حالات الإصابة بشكل كبير جدًّا؛ أُسر بكاملها مصابة".

وتضيف صالح: "سابقًا كنا نستقبل الأمراض المصابين بالحميات والأوبئة المنتشرة، ونسعفهم بالعلاجات الأولية، كالمغذيات والمهدئات لتعويض الجسم ما فقده من سوائل، فيتحسن المصاب في اليوم نفسه، لكن الآن أصبح قسم الرقود الخاص بالكوليرا ممتلئًا؛ لأن غالبية المصابين من الأطفال وكبار السن، يصلون في حالة متأخرة، وبالتالي يتعرضون للفشل الكلوي".

وتتمثل أعراض أغلب الحالات المصابة بالكوليرا بإسهال حاد، حيث يصعب التفرقة بين إسهال الكوليرا والإسهال الناتج عن المشاكل الصحية الأخرى، إضافةً إلى التقيؤ المستمر، والشعور بالصداع الشديد، وغالبًا ما تظهر هذه الأعراض خلال عدة أيام من الإصابة بالعدوى.

غادة عبده (24 سنة)، طالبة طب وإحدى المصابات بالكوليرا، وصفت لـ"خيوط" حالتها المأساوية مع المرض، قائلةً: "لي يومين مريضة، بإسهال حاد وطرش (تقيُّؤ)، إضافة لألم في المفاصل، وعندما ذهبت للمستشفى بعد الفحص اتضح أنني مصابة بالكوليرا".

تضيف غادة أن سبب إصابتها قد يكون ناتجًا عن عدم غسل الخضروات جيدًا أو الفواكه أو تلوث مياه الشرب.

شحة الإمكانيات

يشكو قسم الكوليرا في مستشفى الثورة العام بتعز، من شحة الإمكانيات الطبية الدوائية في ظل تزايد حالات الإصابة بالمرض، إذ من الممكن أن تُصبح الكوليرا من أسرع الأمراض القاتلة حاليًّا بسبب أن الفقد السريع لكميات كبيرة من السوائل يُؤدِّي إلى الموت في غضون ساعات، في معظم الحالات الحادَّة. أمَّا في الحالات الأقل حِدَّةً، فقد يموت المرضى الذين لم يتلقَّوا العلاج بعد ساعات أو أيام من ظهور أول أعراض الكوليرا؛ وذلك بسبب الجفاف وهبوط الدورة الدموية، تقول الدكتورة سميرة.

الجدير بالذكر، أن إجمالي الحالات المصابة بوباء الكوليرا عام 2021، بلغ أكثر من 2562، بحسب مركز الكوليرا في هيئة مستشفى الثورة العام بتعز.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English