ريهام السماوي & خولة السمان
"كانت أمي، البالغة من العمر 45 سنة، تشعر بألم وحمى شديدة، قمنا على إثر ذلك بإسعافها إلى أحد المستشفيات الكبيرة في أمانة العاصمة، ليتم تشخيص حالتها بمرض (الذئبة الحمراء). وخلال أربع سنوات، خاضت والدتي رحلة علاج مريرة، استجاب جسدها للعلاج خلال أول سنتين، لكن مع مرور الوقت بدأ وضعها الصحي بالانتكاسة، وفي السنة الرابعة، بلغ المرض ذروته، ولم يكن بالإمكان إنقاذها، لتفارق الحياة بعد صراع طويل مع المرض"؛ تقول سامية الوجيه لـ"خيوط".
في سياق متصل، يحكي المهندس إبراهيم الغويدي، لـ"خيوط"، صراع شقيقته المتوفاة، مع مرض الذئبة الحمراء بالقول: "عانت شقيقتي منى، معاناة شديدة، حيث كانت الأمراض تنتقل تباعًا من عضو إلى آخر؛ القلب، ثم الكبد، ومشاكل أخرى في الجهاز البولي، ثم آلام والتهابات شديدة في المفاصل والعظام والدم، ليصل إلى المعدة والقولون، بسبب هذا المرض المجهول بالنسبة لنا، والمولّد لعديد من الأمراض، كما أكّد لنا الأطباء".
يتابع الغويدي: "بعد إصابة شقيقتي بـ(الذئبة الحمراء) بفترة وجيزة، ظهرت عندها آلام في الثدي، حينها كانت الطامة، وهو اكتشاف إصابتها بسرطان الثدي في مرحلته الثالثة، على إثر ذلك تم إزالة الثدي، ولكن بسبب إصابتها بـ(الذئبة الحمراء) لم تستطع عمل إشعاع بعد العملية، وتم الاكتفاء بالعلاج الكيماوي، وعدم التعرض للشمس، وهو ما سبب ظهور مرض جديد يسمى (بهجت)، وهنا كانت نهايتها".
مرض نادر ومزمن
وفاء محمد، مصابة بالذئبة الحمراء، تقول لـ"خيوط": "كنت أظن أن الطفح الجلدي الذي أصاب وجهي عبارة عن كلف، بسبب الشمس الحارة في الريف، خاصة أني لم أسمع بهذا المرض من قبل، لكن مع مرور الأيام، شعرت بألم في مفاصلي ما بين الخفيف والشديد، وحمى طوال الوقت، كنت أستخدم أدوية خفض الحمى، لكن بدون فائدة، مما اضطرني للسفر إلى المدينة للعلاج".
تكمل وفاء: "بعد أن أجريت الفحوصات، ظهر أني مصابة بالذئبة الحمراء، لم أستوعب ماهية هذا المرض، لا أعرف أسبابه، ولا أعراضه، ولا حتى تداعياته؛ لذلك لم أعطِ الموضوع أهمية، حتى رجعت إلى الطبيب، وهنا كانت الصدمة حين قال لي بأنه مرض خطير ومزمن".
الجدير بالذكر أنّ هذا المرض يصيب خمسة أشخاص من كل مئة ألف شخص سنويًّا في العالم، وفي أي مرحلة من مراحل العمر، وتعتبر النساء أكثر إصابة بالمرض بمعدل تسعة أضعاف الرجال، خاصة في سن الإنجاب أو الخصوبة (من عمر 15 إلى 45 سنة).
من أعراض المرض: الطفح الجلدي على شكل فراشة حول الأنف والخدين، خاصة بعد التعرض للشمس، سقوط بعض الشعر، ألم في الصدر، صعوبة في التنفس، الإصابة بكدمات بسهولة، ألم وتيبس في المفاصل، تورم في اليدين أو القدمين أو البطن أو حول العينين، تحول لون البول إلى اللون البني أو خروج رغوة مع البول، ارتفاع ضغط الدم.
أسباب مختلفة للإصابة
في سياق متصل، يقول الدكتور نبيل الأشموري، اختصاصي أمراض الروماتيزم، في حديث لـ"خيوط": "ما يزال ظهور مرض الذئبة الحمراء غير معروف؛ لأنّ الأسباب التي تحفز حدوثه ما تزال في طور الدراسة، ويمكن أن تكون نتيجة عوامل وراثية (جينية) وعوامل البيئية معًا، بمعنى أن الشخص قد يرث القابلية لهذا المرض (خصوصًا إذا كان لديه أفرادٌ من العائلة مصابون بالمرض)، غير أنه قد لا يصاب به إلا عندما يتعرض لتأثير عامل معين في البيئة المحيطة به، مثل الإصابة بفيروس معين أو نتيجة تناوله دواء، وأحيانًا بسبب التعرض لأشعة الشمس، كما أنّ التدخين والتوتر أو الضغط النفسي المستمر يعتبران أيضًا من العوامل البيئية المساعدة على الإصابة بهذا المرض".
ويضيف الأشموري: "عجز العلم عن تفسير أسباب ظهور الأعراض في هيئة نوبات متباعدة، يعقبها فترات من التحسن، لكن من المهم أيضًا الانتباه إلى أن أعراض الذئبة الحمراء تكون في بعض المرضى ثابتة ولا تظهر في شكل نوبات".
من ناحيته، يشير الاختصاصي النفسي، محمد النابهي، إلى أن الضغوط النفسية تلعب دورًا هامًّا في تفاقم المرض وتدهور الحالة الصحية للمرضى، إذ يقول لـ"خيوط": "الضغط النفسي الناجم عن الانفعال والتوتر والمشاكل الاجتماعية يفاقم المرض، حيث يؤثر سلبًا على توازن الهرمونات، مما يعزز هجمات المرض ويزيد من تدهور الحالة الصحية".
مؤكدًا أن الأبحاث العلمية تشير إلى أنّ 25% من مرضى الذئبة الحمراء، يعانون من اكتئاب شديد، بينما يعاني 37% منهم، من قلق شديد.
أعراض متداخلة للذئبة
"قد تصيب الذئبة أي جزء من الجسم، وتعتمد أعراض الذئبة الحمراء وعلاماتها على نوع المرض الذي يصيب المريض، والأعضاء التي تتأثر به، ومنها: الطفح الجلدي على شكل فراشة حول الأنف والخدين، خاصة بعد التعرض للشمس، وسقوط بعض الشعر، وألم في الصدر، وصعوبة في التنفس، والإصابة بكدمات بسهولة، وألم وتيبس في المفاصل، وتورم في اليدين أو القدمين أو البطن أو حول العينين، وتحول لون البول إلى اللون البني أو خروج رغوة مع البول، وارتفاع ضغط الدم، وبرودة أصابع اليدين أو القدمين وشحوبها، والإرهاق الشديد والمستمر، وفقدان الوزن، والصداع، إلى جانب صعوبة التفكير، والشعور بالقلق والحزن"؛ يستطرد الأشموري حديثه.
مضاعفات كثيرة وقاتلة
وتابع الأشموري حديثه حول بعض التداعيات الرئيسية للإصابة بالذئبة الحمراء، بالقول: "الالتهاب الناتج عن الإصابة بالذئبة الحمراء له تأثير سلبي على عدة أعضاء وأجهزة في الجسم، خصوصًا في حال تأخر التشخيص أو إهمال العلاج، ومن ثم يُمكن أن يُسبب مضاعفاتٍ خطيرة، مثل: الفشل الكلوي، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومنها تجلط الدم والتهاب الأوعية الدموية وعضلة القلب، مما يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية، وأمراض الدماغ، ومنها ضعف الذاكرة والنوبات التشنجية (تُشبه الصرع)، علاوة على أنّه يزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وأمراض الرئة، ومنها التهاب الغشاء المحيط بالرئتين، ويُؤدي إلى تراكم السوائل حولها".
ويستطرد الأشموري في سرد انعكاسات الإصابة بالذئبة الحمراء على الجسم عمومًا، قائلًا: "ومن المضاعفات الإصابة بالسرطان، فقدان المناعة، التهاب المسالك البولية، التهاب الرئة، الإصابة بعدوى الفطريات، والسالمونيلا، والهربس والحزام الناري، ومشكلاتٍ في الهيكل العظمي مثل هشاشة العظام، بينما المرأة الحامل المصابة بالذئبة معرضة لسهولة الإجهاض، وارتفاع ضغط الدم الشرياني ومقدمة الارتجاع والولادة قبل الأوان".
أربعة أنواع للذئبة
يفرق الأشموري بين عدة أنواع للذئبة الحمراء، منها: الذئبة الحمراء الجهازية وهو النوع الأكثر شيوعًا والأكثر خطورة، ويشكّل أكثر من 70% من الحالات المرَضية المنتشرة، وعادة ما يسبب التهاب أعضاءٍ مختلفة من الجسم، ثم الذئبة الحمراء شبيهة القرص، التي تؤثر على الجلد فقط، وتتميز بظهور طفح جلدي دائري الشكل شبيه القرص، والذئبة الحمراء الناتجة عن تناول الأدوية، التي تحدث نتيجة مضاعفات لتناول بعض العقاقير، ويصيب هذا النوع من المرض العديد من أعضاء الجسم، والذئبة الحمراء الوليدية (أو الذئبة الحمراء عند الأطفال) وهو نوع من المرض نادر جدًّا، ويصيب الأطفال حديثي الولادة، وأهم العلامات المميزة للمرض هو الطفح الجلدي، إذ قد يصاب بها حديثو الولادة عدة أشهر قبل أن يتلاشى ويختفي كليًّا، غير أنه قد يؤدّي أحيانًا إلى اضطراب في الجهاز الكهربائي لقلب الطفل.
تشخيص الذئبة الحمراء قد يكون صعبًا؛ نظرًا لتشابه أعراضها مع أمراض أخرى، مثل: نقص الدم، نقص الصفائح الدموية، تساقط الشعر، التحسس من الشمس، الحمى المتواصلة، آلام المفاصل، وهي أعراض تتشابه بحمى الضنك، التيفوئيد، الحمى المالطية، أو الملاريا، ممّا يؤدّي إلى صعوبة في التشخيص المبكر، وهذا يفسر جهل الناس بهذا المرض.
النساء أكثر الضحايا
يقول الدكتور محمد الحميري، طبيب باطنية، في حديث لـ"خيوط"، إنّ الذئبة الحمراء تؤثر بشكل كبير على النساء بسبب ارتفاع هرمون الأستروجين، إذ تصل نسبة الإصابة بينهن إلى 90% مقارنة بالرجال والأطفال، ويتابع: "جميع الحالات التي استقبلناها كانت لنساء، وللأسف غالبيتهن في مراحل متقدمة من المرض".
ولذلك ينصح الأطباء المرأةَ بعدم الحمل، إلا بعد السيطرة على الذئبة الحمراء وفي فترة خمول المرض مدة ستة أشهر على الأقل.
ويشير الحميري إلى أن المرض يعالج ضمن أقسام الباطنية أو الروماتيزم، ولا يوجد كادر طبي متخصص له تحديدًا.
من جهتها، تشير الدكتورة ياسمين القاضي، اختصاصية باطنية، إلى الكيفية التي يتم بها تشخيص المرض، بالقول: "يبدأ التشخيص بالفحص السريري الذي يعتمد على الأعراض الكثيرة التي قد تقود إلى المرض، ويتم تأكيده عبر الفحوصات المخبرية التي تكشف وجود الأجسام المضادّة في دم المريض".
وتؤكد القاضي في حديث لـ"خيوط"، أن بعض المرضى قد يتعافون، لكن المرض مزمن، ويحتاج إلى متابعة علاجية مدى الحياة.
وينوه الحميري إلى أسباب عدم الكشف المبكر عن المرض، بالقول: "تشخيص الذئبة الحمراء قد يكون صعبًا، نظرًا لتشابه أعراضها مع أمراض أخرى، مثل: نقص الدم، نقص الصفائح الدموية، تساقط الشعر، التحسس من الشمس، الحمى المتواصلة، آلام المفاصل، هذه الأعراض قد تُشبه أعراض أمراض أخرى، مثل: حمى الضنك، التيفوئيد، الحمى المالطية أو الملاريا، ممّا يؤدي إلى صعوبة في التشخيص المبكر، وهذا يفسر جهل الناس بهذا المرض".
مرض الذئبة مرضٌ مزمن، وعلى الرغم من عدم وجود علاج شافٍ له، هناك مجموعة من العلاجات التي يمكن أن تقلل من أعراضه، وتحد من تلف الأعضاء الحيوية، وتقلل من خطر تكرار نشاط المرض، من بينها: مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، وهيدروكسيكلوروكين، والستيرويدات والأدوية ذات الصلة.
العلم في مواجهة المرض
"يعدّ مرض الذئبة مرضًا مزمنًا، وعلى الرغم من عدم وجود علاج شافٍ له، هناك مجموعة من العلاجات التي يمكن أن تقلل من أعراضه، وتحد من تلف الأعضاء الحيوية، وتقلل من خطر تكرار نشاط المرض، من بينها: مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، وهيدروكسيكلوروكين، والستيرويدات والأدوية ذات الصلة"؛ كما يقول الأشموري.
ويتابع: "أما علاج النوع الشرس من مرض الذئبة، فيتمثل في جرعات مرتفعة من الستيرويدات القشرية، والأدوية الكابتة للمناعة، والأدوية الحيوية".
وتشير دراسات إلى أن العلاجات الحديثة قد ساعدت على تحسين معدلات البقاء، حيث يعيش حوالي 80% من المصابين أكثر من 15 سنة بعد التشخيص، ويختلف معدل الإصابة بمرض الذئبة الحمراء عالميًّا، حيث يتراوح بين 20 و70 حالة لكل 100,000 شخص.
من جهتها، تحذّر الدكتورة صفاء الشرجي، من التعرض للشمس، وتنصح باستخدام واقي شمس كل أربع ساعات، خاصة من الساعة العاشرة صباحًا وحتى الثالثة عصرًا، والامتناع عن التدخين، وارتداء الملابس الواقية للشمس، واتباع إرشادات الطبيب.
الجدير بالذكر أنّ معهد الصحة الوطني بالولايات المتحدة الأمريكية يصنف مرض الذئبة الحمراء بمرض مناعي ذاتي ومزمن، يكون لدى مرضاه هجمات تتراوح بين خفيفة إلى خطيرة، وتختلف الذئبة من شخص لآخر، وقد تؤثر على مناطق مختلفة في الجسم، مثل: الجلد، والمفاصل، والقلب، والرئتين، والكلى.
وللتعريف بهذا المرض المفترس، خصص العالَم مايو/ أيار من كل سنة، شهرًا للتوعية بمرض الذئبة الحمراء، ويركز الاحتفاء بهذا الشهر على الحاجة إلى تحسين خدمات الرعاية الصحية للمرضى، وزيادة الأبحاث حول أسباب هذا المرض وعلاجه.