مقامات شرقية وغربية يعزفها الشاب اليمني حمزة عثمان على آلة البيانو، بإيقاعات متنوعة يرى أنها غذاء الروح والطريق إلى المحبة والسلام.
العشرينيّ حمزة عثمان، يقول لـ"خيوط": "هناك من الناس من يرى أنّ الموسيقى حرام وتضييع للوقت، لكنها بالنسبة لي غذاء الروح، وهي بالطبع كذلك لما تبعثه في النفس من سكون وسعادة وأمل".
حب حمزة للعزف دفعه للالتحاق بمعهد الموسيقى في العاصمة صنعاء، عقب تخرجه مباشرة من الثانوية العامة.
يقول حمزة: "قسمتُ وقتي جزءًا منه للدراسة في المعهد الموسيقيّ، وجزءًا آخر للمذاكرة، فيما الجزء الثالث خصصته للتدريب على العزف في المنزل، والحمد لله تدربتُ وتمكنتُ من الوصول إلى مستوى متقدم من العزف الذي أطمح إليه".
وصمة اجتماعية
في مجتمع معادٍ للموسيقى والفنّ، تحدَّت إشراق الغابري، هي الأخرى كلَّ القيود المجتمعية والأسرية لتتعلم العزف في معهد الموسيقى.
إشراق تعشق آلة الكمان التي تعزف عليها، وتتخذ من الموسيقى فسحة للهروب من واقع البلاد الممزق بالحرب التي تعصف باليمن منذ نحو ثماني سنوات.
وجدت إشراق صعوبة في العزف، في بداية مشوارها، لكنها مع الاستمرار والتمرين المتواصل، تمكّنت من إتقان العزف على آلة الكمان والآلات الموسيقية الأخرى.
تحدثت إشراق لـ"خيوط"، حول تقبل المجتمع فكرة عزفها: "البداية كانت صعبة لكني حاولت أن أتعلم أولًا وجربت ثم بعدها أخبرت أهلي، في البداية كانوا غير متقبلين الفكرة، لكن مع إصراري تقبلوها وساعدوني، وقالوا ليس هناك مشكلة فهذه موهبتك".
نزعة نحو التراث
علي النميري، اختار التراث اليمني وبات يجيد عزف الكثير من مقاماته الصعبة، حتى أضحى المختص بالموسيقى اليمنية، في المعهد، والفرقة الوطنية الناشئة. قبل ثلاث سنوات، قدم علي إلى المعهد، لتعلم الموسيقى، وباتت جزءًا لا يتجزأ من حياته ومستقبله.
يقول علي لـ"خيوط": "أهتم بالتراث اليمني، كونه تراث آبائنا وأجدادنا وأسلافنا، أهتم بكل شيء يختص بالموسيقى، بالرتم، وبالعزف المرصع اليمني؛ لأنها مقامات يمنية شديدة الصعوبة".
رئيس المعهد الموسيقي بصنعاء: "أحيانًا نواجه مشاكل مع أولياء أمور الطلبة، بسبب عدم تقبل بعضهم للموسيقى واحتراف أبنائهم للعزف، وأحيانًا يتم منعنا من دخول مقر عملنا في المركز الثقافي؛ لذلك نضطر للذهاب إلى حديقة الإذاعة حتى نتمكن من العزف والتدرب".
ضرورات العمل
27 خريجًا من الشباب والفتيات، تخرجوا من معهد الموسيقى نهاية شهر مارس/ آذار 2022، بعد ثلاث سنوات من التدريب، يشكّلون الآن الفرقة الوطنية للموسيقى، ويجيدون عزف مختلف المقامات، وعلى الكثير من الآلات الموسيقية، باتوا مؤهلين لتمثيل اليمن داخليًّا وخارجيًّا لولا ظروف الحرب التي تمر بها البلاد.
محمد أيمن، أحد هؤلاء الخريجين، ولأنهُ صانعُ عُودٍ قبلَ أنْ يكُونَ عازِفًا، أتقنَ المَقاماتِ اليمنِيّةَ المُختلِفةَ، في معهَدِ الموسيقَى بِصنعاء الذي تخرَّجَ مِنهُ.
يعزف محمد على العودُ الذي صنعَهُ بيدَيه، كما تمكّن من تصدير العديد من الأعواد بما فيها آلة القنبوس إلى خارج اليمن.
يتحدث محمد لـ"خيوط" عن مشواره، قائلًا: "أنا كنتُ صانع أعواد قبل أن أكون عازفًا، لأنني عندما حاولت أن أعزف لم أجد العود الذي أعزف عليه، فاضطررتُ إلى صنع العود، ثم بعدها عزفت".
قبل خمس سنوات، بدأ عبدالله الدبعي بتدريب الشباب على الآلات الموسيقية بجهوده الذاتية، أكثر من 100 شاب وشابة تدربوا على الآلات الموسيقية الشرقية والغربية على يديه.
يقول عبدالله الدبعي، مدير عام معهد الموسيقى بصنعاء، لـ"خيوط": "بداية انطلاق المعهد، الذي يتخذ من المركز الثقافي بصنعاء مقرًّا له في منتصف سنة 2018، كانت بجهودي الذاتية، حيث كنت أستقطب الشباب للتدريب، وأعلمهم النوتة، وأساسيات العزف، والذي يحب الاستمرار منهم يستمر، فيما الذي يريد أن يغادر يمكنه المغادرة، حتى طلبت مني وزارة الثقافة تشكيل فرقة وطنية للموسيقى".
وأضاف الدبعي، وهو أيضًا عضو في الفرقة الوطنية اليمنية السابقة: "بذلتُ جهودًا كبيرة في إخراج هذه الفرقة، والفرق السابقة البالغ تعدادها 63 شخصًا من هواة الموسيقى، وقبلها كنت أدرّس الشباب الذين ليس لديهم إمكانية الحضور بانتظام، نتيجة ارتباطهم بالجامعة أو العمل، دورات قصيرة لمدة خمسة شهور، أحاول أن أعرفهم خلالها على المقامات الموسيقية الشرقية والغربية، وتدريبهم على الآلات التي يعزفون عليها.
وحول الصعوبات التي يواجهها المعهد، أشار الدبعي إلى عدم توفر الآلات الموسيقية الكافية للتدريب، إذ عمل على تدريبهم بآلاته الخاصة.
ويستطرد الدبعي: "أحيانًا نواجه مشاكل مع أولياء أمور الطلبة، بسبب عدم تقبل بعضهم للموسيقى واحتراف أبنائهم للعزف، وأحيانًا يتم منعنا من دخول مقر عملنا في المركز الثقافي، لذلك نضطر للذهاب إلى حديقة الإذاعة حتى نتمكن من العزف والتدرب".
وتابع حديثه: "لم نجد أي دعم حتى الآن من أي جهة، ويعمل المركز بجهود ذاتية، حتى إن معظم الآلات الموسيقية، أنا من أحضرها، وأنا ومعظم الطلاب الموسيقيين نقطع أكثر من 7 كم يوميًّا مشيًا على الأقدام بسبب أزمة المشتقات النفطية، حتى نتدرب".
وحول احتياجات المعهد، أكّد الدبعي حاجة الفرقة إلى توفير عدد من الآلات الموسيقية "كمانات، أعواد، أورجات، أطقم ناي، جيتارات، وآلات قانون، وغيرها من الأشياء الضرورية للعمل الموسيقي".
واختتم الدبعي حديثه: "المطلوب أيضًا أن تتبنى هذه الفرقة، أيُّ منظمة أو جهة خارجية، وتعتمد لهم مرتبات، ودورات خارجية، حتى لا يضطروا إلى ترك الموسيقى والعمل في أي مهنة لكسب لقمة العيش".