تمتلك مدينة (القاعدة)، حاضرة مديرية ذي السفال، وإحدى أهم مدن محافظة إب، والشريان الرابط بين محافظتي تعز وإب- مقومات سياحية وتاريخية ومناظر طبيعية تؤهّلها لتكون مزارًا سياحيًّا وملتقى للمواطنين والزائرين من داخل اليمن وخارجها.
إلا أنّها تعاني اليوم من تدنٍّ كبير في الخدمات، وتعثر مشاريع البنية التحتية، خاصة فيما يتعلق بالمياه والمجاري والصرف الصحي ورصف الطرق، حيث تطفح الشوارع بمياه المجاري ومياه السيول، وتمتلئ بالحفر والمستنقعات والبيارات التي تعرض المواطنين للأمراض ولحوادث غرق ولمخاطر صحية جمة. هذا الوضع المزري الذي تشهده مدينة القاعدة، ينذر بحدوث كارثة بيئية وشيكة، يصعب التعامل معها مستقبلًا.
"خيوط" أثناء استطلاعها أحوال المدينة، اطلعت على وثائق أفادت بأن المجلس المحلي بمحافظة إب، كان قد أقرّ في إحدى المناقصات، إعادة تأهيل وصيانة بعض شوارع مدينة القاعدة بمبلغ 1.600.000 ريال، فيما تم رصد مبلغ 15 مليون دولار لمحطة التصفية وشبكة المجاري بدعم من المانحين، حيث كانت المناقصة قد رست حينها على شركة محلية، (شركة كهلان) ظاهريًّا، وتم تسليم العمل لشركة صينية، لكن تم مضايقتها هي الأخرى، وبالتالي تعثر المشروع فيما بعد، ولم يتم استكماله.
تبعات التعثر
تعثُّر مشروع المجاري والصرف الصحي في (مدينة القاعدة)، حوّلَ المدينة إلى بؤرة ضخمة للقذارة، ومصدر رئيس للأمراض الجلدية والأمراض المستعصية، وأمراض أخرى لم نعد نسمع بها، بحسب ما شاهدنا وبحسب ما أفاد أهالي المنطقة. من هذه الأمراض: الكوليرا، الحميات المزمنة، الجرب، التقرحات الجلدية، وغيرها من الأمراض.
تسبب تعثُّر مشروع الصرف الصحي في مدينة (القاعدة)، بالكثير من المشاكل، حيث أصبحت مياه المجاري الطافحة جراء الحُفَر الامتصاصية، في العديد من الشوارع، مصدرًا رئيسًا لانتشار الكثير من الأمراض والأوبئة في المدينة، ومهدِّدةً بانهيار المنازل والمباني.
عن الأسباب الحقيقية لحدوث هذه الكارثة البيئية، ومن يتحمل مسؤوليتها، وكيف السبل لحلها، تحدث قحطان أبو راس– الأمين العام للمجلس المحلي في المديرية، لـ"خيوط" قائلًا: "تعثُّرُ مشروع مجاري مدينة القاعدة عائدٌ إلى عدم توفر الدعم الكافي لاستكمال العمل بالمشروع، وتتحمل وزارة المياه مسؤولية هذا التعثر؛ كونها من يقع عليها مسؤولية التنفيذ والإشراف للمشروع".
وتابع أبو راس: "هناك مكتب استشاري متكامل يتبع المؤسسة العامة للمياه بالمحافظة، يعلم بكل شاردة وواردة، حيث كان المكتب قد تحدث –في تقرير سابق له- عن إنجاز 50% من أحواض التصريف، وهي الأساس والمرتكز في المشروع".
مشيرًا إلى أنّه تم توريد كل خطوط الشبكة، وكذلك خطوط التوصيل من الشبكة الداخلية، إلى أحواض التصريف ومحطة التصفية، وهذا يعني أنّه لم يتبقَّ لتنفيذ المشروع سوى استكمال أحواض التصريف، التي تم تنفيذ 50% منها.
وأضاف أبو راس: "في حال تأخر استكمال تنفيذ المشروع، ستتهالك بعض الأعمال المنجزة التي ستحتاج بدورها لإصلاحات وصيانة من جديد، علاوة على حفر وتركيب الشبكة الداخلية، وتركيب خطوط التوصيل بين الشبكة الداخلية ومحطة التصريف".
وتمنى أبو راس من جهات الاختصاص في وزارة المياه، الإسراعَ في إنجاز المشروع، والبحث عن التمويل المناسب؛ كون هذا المشروع يمثل أهم المتطلبات الخدمية التي يحتاجها المواطن في المنطقة، مؤكّدًا بأن المجلس المحلي لن يقصر في هذا الأمر، وسيتابع عن كثب سير العمل، لِمَا مِن شأنه إنجاز هذا المشروع المهم في أقرب وقت.
مخاطر محدقة
في ذات السياق، عبّر عددٌ من مواطني ومشايخ وأعيان ومثقفي المدينة، عن مخاوفهم من المخاطر السلبية التي يتعرّض لها السكان في المدينة، جراء طفح المجاري وتجمع المياه.
حيث أوضح مرشد الكامل، الأمين العام لمنتدى المستقبل، أنّ مدينة القاعدة تتميز بكثافة سكانية عالية، ما يعرض حياة السكان لمخاطر جسيمة جراء تعثر استكمال مشروع المياه والصرف الصحي.
وعدّد الكامل جملة من أهم المخاطر الصحية والبيئية التي يتعرض لها المواطنون في المدينة، في حديث لـ"خيوط"، قائلًا: "تسبّب تعثّر مشروع الصرف الصحي في مدينة (القاعدة) بالكثير من المشاكل، حيث أصبحت مياه المجاري الطافحة جراء الحُفَر الامتصاصية، في العديد من الشوارع، مصدرًا رئيسًا لانتشار الكثير من الأمراض والأوبئة في المدينة.
فضلًا عن كونها مهدِّدةً بانهيار المنازل والمباني، التي تتأثر بسبب هذه الحُفَر المنتشرة بشكل كبير، نتيجة لجوء سكان المدينة لها كبديل مؤقت لشبكة الصرف الصحي، إلى جانب تعثر العديد من المشاريع الاستثمارية، والرصف والسفلتة للشوارع، إضافة إلى تراكم النفايات والمخلفات في الأحياء المكتظة بالسكان".
كارثة بيئية
من جانبه، عبّر هيثم سلام، محامٍ، عن هول ما تعانيه المدينة جراء تعثر المشروع، في ظل جهل وعدم إدراك بعض المسؤولين لحجم الكارثة القادمة، بالرغم من تعدد مظاهرها على الأرض.
وأردف سلام في حديث لـ"خيوط"، قائلًا: "هذه المدينة التاريخية المترامية الأطراف، ما زالت مسلوبة من الخدمات الأساسية للأسف الشديد، ونحن، كجيل جديد، نبدو عاجزين في ظل الوضع الذي تمر به البلاد، عن الحفاظ على السلامة البيئية داخل المدينة، لكن العشوائية وعدم الالتزام بالقانون، وتقاذف المسؤولية من قبل جهات الاختصاص، فاقم وضعها المأساوي، وحوّلها إلى قنبلة للمشاكل الصحية والبيئية".
وتابع: "بالرغم من المناشدات والمتابعة من بعض فاعلي الخير، إلّا أنّنا لم نجد آذانًا صاغية تلتفت إلى معاناة عشرات المواطنين في هذه المنطقة، لكني سأظل أدعو جهات الاختصاص للنظر بعين الاعتبار، لأوضاع هذه المدينة، وتحمل المسؤولية الأخلاقية والوطنية أمام الله والناس لتلافي وقوع كارثة لا يحمد عقباها".
أثناء تجوال "خيوط" في أحد أزقة المدينة، استوقفنا مشهد عجوز يقف على قارعة الطريق، والحسرة بادية على وجهه، فيما كان يشير بيديه إلى مستنقع المجاري أمامه، راثيًا لحاله وحال المدينة، قائلًا: "كل يوم تطفح بيارة، لتتعاظم معها، مخاطر تراكم القاذورات واتساع المستنقعات التي تتراكم فيها، وحولها القمامة وأنواع الحشرات الناقلة للأمراض والأوبئة، دون أن يحرك أحدٌ ساكنًا".
التحلي بروح المسؤولية
من جهته، قارن الحاج عبدالله قايد، أحد أعيان مدينة القاعدة، بين ما كانت عليه المدينة في الماضي، وبين ما آلت إليه الأمور الآن، حيث أشار إلى أنّها كانت تتمتع بشوارع مخططة، ونهضة عمرانية كبيرة، موضحًا بأن الفضل في ذلك التطور يعود للمرحوم أحمد الصفواني، الذي شغل أول منصب رئيس بلدية في المدينة، والذي بذل جهودًا كبيرة في تطوير وتمدين المنطقة.
وأضاف قايد، في حديث لـ"خيوط": "استطاع الصفواني مواكبة العصر في تلك الفترة الغابرة، بالرغم من تواضع المعدات المساعدة"، وعزا ذلك إلى أنّ الرجل كان يتمتع بالإخلاص، ويتحلّى بروح المسؤولية وحب الوطن، وهو ما يفتقده بعض المسؤولين حاليًّا.
انهيار وشيك
في سياق متصل، أعرب أحمد محمد علي الصفواني، أحد مواطني المنطقة، في حديث لـ"خيوط"، عن قلقه من هبوط المدينة بأكملها بعد عدة سنوات، بسبب تواجد أكثر من عشرة آلاف بيارة، جميعها متقاربة وعلى مستوى واحد تقريبًا، بعضها قد طفحت مجاريها في الشوارع.
وتمنى الصفواني أحمد، في حال عجز الجهات المختصة عن الإيفاء بمسؤوليتها، لفت نظر المنظمات والجهات الخارجية الداعمة، لعل وعسى تستكمل مشروع شبكة الصرف الصحي، ولو على مراحل.
يؤيده أبو أيمن الرعدي، أحد أعيان المنطقة، الذي قال إن رائحة الفساد فاحت في المنطقة، وليست المجاري فحسب.
وأردف متحدثًا لـ"خيوط": "لكم أن تتخيلوا أنه في كلّ ممرّ عرضه يتراوح ما بين ثلاثة أو أربعة أمتار، توجد عشرات البيارات المتجاورة، كلها تقع بين مبانٍ سكنية متلاصقة، وتتراوح أحجامها بين الكبيرة والمتوسطة، وأخرى مهترئة آيلة للسقوط".