يخيم حزن شديد على العاصمة اليمنية صنعاء منذ صباح يوم أمس السبت 18 سبتمبر/ أيلول، بعد ما شاهد الكثير عملية إعدام 9 متهمين بالتخابر في اغتيال القيادي في جماعة أنصار الله (الحوثيين) ورئيس مجلسهم السياسي السابق.
وتم تنفيذ حكم الإعدام بحق تسعة متهمين من أبناء محافظة الحديدة، بينهم قاصر، تعرضوا للتعذيب والإخفاء القسري ومُنعوا من أبسط حقوقهم القانونية والإنسانية. بعد محاكمة صورية افتقرت لأدنى معايير المحاكمة العادلة، من قبل محكمة يصفها قانونيون، أنها غير قانونية، إذ تمت عملية الإعدام بطريقة مهينة قبل وصول أقارب بعضهم لتوديعهم.
وهم: علي علي إبراهيم القوزي، عبدالملك أحمد حميد، ومحمد خالد هيج، محمد إبراهيم القوزي، محمد يحيى محمد نوح، إبراهيم محمد عبدالله عاقل، محمد محمد علي المشخري، عبدالعزيز علي الأسود (قاصر)، معاذ عبدالرحمن عبدالله عباس.
وأصيب كثير ممن حضروا عملية الإعدام، بالصدمة وهم يشاهدون إعدام هذا العدد من المتهمين، الذين شابت عملية محاكمتهم الكثير من اللغط والغموض، ولم تتوفر العدالة اللازمة لجلسات محاكتهم وَفق معنيين ومختصين قانونين بالقضية.
حسب حقوقيين، فقد اعترى محاكمة المتهمين عيوب جوهرية وخروقات جسيمة للقانون اليمني النافذ ولمبادئ وشروط المحاكمة العادلة، وناشدوا سلطات الحوثيين وقف قرار الإعدام وتجنب الإقدام على جريمة مروعة، لكنها لم تلفت لأي مناشدات، حتى من أسرهم والذين تم منعهم من زيارتهم.
وكثير ممن شاهدوا عملية الإعدام أجهشوا بالبكاء، وخيّم عليهم حزن كبير وهم يرون أمامهم سفك دماء تسعة متهمين، يصرخون من الألم والقهر بأنهم أبرياء.
من بين المحكوم عليهم بالإعدام المتهم القاصر عبدالعزيز الأسود (تم حمله أثناء تنفيذ حكم الإعدام بسبب مرضه) الذي طلب محاميه صقر السماوي عرضه على لجنة طبية لتحديد سنّه كونه لم يبلغ الثامنة عشرة سنة عند اعتقاله، لكن الشعبة الجزائية الاستئنافية المتخصصة رفضت هذا الطلب، وعللت ذلك بأنها تكتفي بما جاء في محاضر الاستدلال حول سنّه، كما رفضت المحكمة العليا أيضًا الاستجابة لهذا الطلب
أسر مكلومة
حسب المحامي عبدالمجيد صبرة، فقد أبدى وكيل النيابة الجزائية المتخصصة بالحديدة في اتصال هاتفي معه عبر التلفون، صدمته ودهشته من حكم الإعدام، قائلًا: "لم أتمكن من استيعاب هذه العبارة كمحامي دفاع في هذه القضية، يعلم كثيرًا من تفاصيلها ويعلم يقينًا براءة هؤلاء المتهمين من أي مشاركة في اغتيال صالح الصماد ومرافقيه"، ودعاه أن يبلغ أقارب المتهمين أن لديهم الفرصة الأخيرة لزيارة أقاربهم المتهمين؛ كونها آخر زيارة وبعدها سيتم تنفيذ الإعدام.
من جانبه يرى المحامي صبرة ، أن حق الزيارة في هذه القضية لهؤلاء المتهمين من الحقوق التي تم انتهاكها بشكل سافر، خلافًا لكل المتهمين في هذا البلد، سواء كانوا متهمين في قضايا أمن دولة أو قضايا عادية، فهؤلاء المتهمين غير معروف مكان احتجازهم منذ اعتقالهم حتى إعدامهم.
وعند السماح لأقاربهم بزيارتهم يتم إحضارهم من مكان اعتقالهم السري إلى مقر المحكمة التي يحاكمون فيها، وزيارة أقاربهم لهم نادرة، فالمتحكم بتلك الزيارة هي النيابة الجزائية المتخصصة بالحديدة، حيث لم تتعدَّ زيارة أقاربهم لهم سوى بضع زيارات، بدأت أولى تلك الزيارات في منتصف المحاكمة أمام المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة، وكانت آخر زيارتين لهم؛ الأولى بعد صدور الحكم الابتدائي في 24/8/2020، والثانية بعد صدور الحكم الاستئنافي في 5/4/2021.
وكان المقرر أن تكون الزيارة الثالثة والأخيرة يوم الجمعة الموافق 17/9/2021، حيث تم إبلاغ أقارب المتهمين بهذه الزيارة من قبلنا بعد تواصل وكيل النيابة معنا بذلك الخصوص، وقد طلب أقارب المتهمين بتأجيل تلك الزيارة ليوم آخر؛ نظرًا لضيق الوقت وبعد المسافة من الحديدة إلى صنعاء، لكن النيابة أصرت على رأيها بأن تكون الزيارة يوم الجمعة، وأنها آخر زيارة لهم، وسيتم بعد ذلك تنفيذ الإعدام مطلع الأسبوع القادم، فاضطر أقارب المتهمين للاعتذار عن الحضور، ويخشى أقاربهم من المضي في تنفيذ الإعدام قبل تمكنهم من إلقاء النظرة الأخيرة لأقاربهم المحكوم عليهم ظلمًا وعدوانًا، ويعتبرون أن تلك الأحكام هي مجرد أوامر بالقتل ليس إلا، وأن تنفيذها هو جريمة قتل عمد مكتملة الأركان؛ لهذا يستغيث أقاربهم بكل ضمير حي في هذا البلد أن يقفوا بكل جد مع هؤلاء المظلومين ويوقفوا هذه المذبحة بحق هؤلاء الأبرياء. ولم يسمح للمتهمين، بالزيارة قبل التنفيذ أو حتى بالاتصال بأقاربهم كجانب إنساني.
وتم تنفيذ حكم الإعدام بحق المتهمين التسعة في القضية المعروفة باغتيال رئيس المجلس السياسي السابق صالح الصماد ومرافقيه قبل أن يتمكن أقاربهم من مقابلتهم وزيارتهم، حيث كانت آخر زيارة لهم في شهر أبريل/ نيسان من العام الجاري، بعد صدور حكم الاستئناف؛ أي قبل خمسة أشهر تقريبًا.
كانت الزيارة في مقر محكمة استئناف الأمانة بصنعاء؛ كونهم محتجزين في سجون غير معروفة منذ اعتقالهم في 2018، وكان أقارب المتهمين قد اعتذروا عن تلبية طلب النيابة بالحضور للزيارة يومنا هذا؛ كون الطلب كان متأخرًا ولا يستطيعون تجهيز أنفسهم والحضور يومنا هذا من ريف مدينة الحديد - مديرية القناوص، إلى العاصمة صنعاء، وطلبوا من النيابة تأجيل موعد الزيارة إلى يوم غدٍ السبت، لكن النيابة رفضت ذلك الطلب ووعدت بالسماح للمتهمين بالتواصل بأقاربهم عصر يومنا هذا في حال لم يتمكنوا من الحضور، لكن هذا الطلب كذلك لم يتم تلبيته، فقد تواصلت "خيوط" ببعض أقاربهم قبل دقائق من كتابة هذا الخبر، وأفادوا أنه لم يتصل بهم أي واحد من المتهمين، وهذا يعني أنه سيتم تنفيذ الحكم دون سماع أقاربهم حتى لأصواتهم كجانب إنساني.
ظلم وقهر
من بين المحكوم عليهم بالإعدام المتهم القاصر عبدالعزيز الأسود (تم حمله أثناء تنفيذ حكم الإعدام بسبب مرضه)، الذي طلب محاميه صقر السماوي، عرضه على لجنة طبية لتحديد سنّه؛ كونه لم يبلغ الثامنة عشرة سنة عند اعتقاله، لكن الشعبة الجزائية الاستئنافية المتخصصة رفضت هذا الطلب، وعللت ذلك أنها تكتفي بما جاء في محاضر الاستدلال حول سنّه، كما رفضت المحكمة العليا أيضًا الاستجابة لهذا الطلب.
أما معاذ عباس أحد المتهمين، فقد كان يعمل في صيد السمك وليس له أي علاقة، قال للمحكمة الاستئنافية في إحدى جلساتها: "أنتم اتهمتوني أني كنت يوم مقتل الصماد في حوش موسى مفلح في القناوص أرفع الإحداثيات؛ كيف حصل هذا والجميع في المنطقة يعرف أن هذا الحوش مقر للحوثيين منذ وصولهم الحديدة، ولا يستطيع أي شخص مجرد الاقتراب منه، وأمتلك الدليل على ذلك"، لكن الشعبة لم تلتفت لكلامه وحكمت عليه بالإعدام حدًّا وقصاصًا وتعزيرًا.
وفق المحامي صبرة، فإن والد المعتقل معاذ عبدالرحمن عبدالله عباس، كان قد تواصل به بصوت متقطع مختلط بالبكاء، ويقول: "اتصل بي ابني ويقول إنهم بلغوهم بأنهم سوف يخرجونهم الساعة السادسة صباحًا لتنفيذ حكم الإعدام"، ويستغرب والده كيف سيتم الحكم على هؤلاء الأبرياء، ويطلق صرخة مناشدة بعمل أي شيء لإنقاذهم.
هناك محمد المشخري، من ضمن المتهمين الذين تم إعدامهم، وهو أحد التربويين المميزين في منطقته، ونتيجة الأوضاع صار يعمل مع زميله المتهم محمد يحيى نوح، في أحد معارض السيارات بمدينة الحديدة، وهو معرض عابد التاج في شارع زايد، ولم يجد المحققون ما يلفقوا له من تهم سوى الادعاء أنه كان متواجدًا بهذا الشارع لكي يرصد موكب الصماد إذا مر من هذا الشارع، بالرغم أن تواجده في هذا المكان أمر طبيعي، ويقول المتهم أنه ينام أحيانًا في المعرض المتواجد في الشارع نفسه، مع العلم أن موكب الصماد لم يمر من هذا الشارع ولم يكن ليمرّ أساسًا منه.
لقد تعرض المشخري لأشد أنواع التعذيب، حتى وصل الأمر به إلى أن قال أمام المحكمة الابتدائية: "يا قاضي، لو طلب المحققون أن أعترف بأني قتلت رسول الله لاعترفت"؛ من شدة التعذيب الذي تعرض له، وفي الأخير قال للمحققين: "اكتبوا ما شئتم وسوف نوقع عليه"، ورغم ما كُتب في تلك المحاضر من تلفيق وكذب ضده، فإن الاتصالات المقدمة من النيابة كدليل إثبات ضد هذا المتهم قد أثبتت عدم تواجد المتهم محمد المشخري يوم الواقعة 19/4/2018، في مدينة الحديدة وشارع زايد الذي يقع فيه أساسًا مقر عمله. ورغم هذا كله لم يلتفت القضاء لذلك، وحكم عليه بالإعدام حدًّا وقصاصًا وتعزيرًا.
بحسب مواطنين ومراقبين ومختصين، فإن سلطة أنصار الله (الحوثيين) تعمل على استغلال حكم الإعدام الصادر بحق قتلة الشاب عبدالله الأغبري، الجريمة الموثقة بفيديو من قبل المنفذين، في تنفيذ سلسلة من الإعدامات بمتهمين ومحبوسين تكتظ بها سجونهم
محمد المشخري كان وضعه المادي صعبًا جدًّا قبل اعتقاله، وهو العائل الوحيد لأسرته، فتخيلوا كيف كان وضع أسرته أثناء اعتقاله ومحاكمته، وكيف سيكون في حال تم إعدامه.
استنكار شديد
منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، كانت قد دعت جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى الوقف الفوري لتنفيذ أحكام الإعدام التي تم تنفيذها يوم السبت 18 سبتمبر/ أيلول. وقالت إن المحاكمات التي تعقد أمام المحكمة الجزائية المتخصصة تفتقر للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة.
كما أعربت منظمات حقوقية عن إدانتها واستنكارها الشديدَين للتوجه الجدي من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) لتنفيذ حكم الإعدام بحق تسعة متهمين محبوسين على ذمة قضية قتل رئيس المجلس السياسي الأعلى السابق "صالح الصماد" ومرافقيه.
وحمّلت جماعةَ أنصار الله (الحوثيين) المسؤولية الكاملة عن حياة أولئك الأشخاص لخرقها مجموعة من الاتفاقيات الدولية؛ أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية جنيف الرابعة، وغيرها من المواثيق التي جرّمت أي اعتداء أو تهديد لحياة الأفراد، إضافة إلى تجريمها الإعدامات خارج إطار القانون.
وبيّنت المنظمات في بيان صدر عنها يوم الجمعة 17 سبتمبر/ أيلول، اطلعت عليه "خيوط"، أن إجراءات نظر القضية أمام المحاكم التي سارت بمراحلها المختلفة، صاحبها خروقات وإخلالات متعمدة وواضحة بحقوق وحريات المتهمين المحكوم عليهم. بَدءًا من اعتقالهم، وحجز حرياتهم وإخفائهم قسرًا في أماكن غير معلومة لأشهر عديدة دون معرفة أحد، بما في ذلك أقربائهم وذويهم، بمصيرهم ولا بأماكن احتجازهم المخفية حتى اللحظة، مع المنع والحرمان من أي زيارة لهم أو تمكينهم من الاتصال وإبلاغ أيٍّ من أقربائهم أو من يرونه، بما تعرضوا له، طيلة تلك الأشهر الطويلة لمعاملة غير إنسانية وإيذاء مادي ومعنوي، وبما يجعل ما نتج عنها فاقدًا لأي مشروعية وغير صالح للاعتداد به قضائيًّا.
استغلال وانتهاكات متواصلة
بحسب مواطنين ومراقبين ومختصين، فإن سلطة أنصار الله (الحوثيين) تعمل على استغلال حكم الإعدام الصادر بحق قتلة الشاب عبدالله الأغبري، الجريمة الموثقة بفيديو من قبل المنفذين، في تنفيذ سلسلة من الإعدامات بمتهمين ومحبوسين تكتظ بها سجونهم.
الناشط الاجتماعي مفيد قايد، ينتقد الصمت المطبق من قبل الجميع طوال الأشهر الماضية عندما كان هؤلاء المتهمون التسعة يرزحون في السجن ويتعرضون للتعذيب والإخفاء القسري، إذ كان من المفترض أن تتحول قضيتهم إلى رأي عام وإبراز ما يطالهم من ظلم وقهر وما يشوب محاكماتهم من مخالفات وتجاوزات.
في السياق، قالت نقابة الصحفيين اليمنيين إنها تلقت شكوى من أهالي الصحفيين، عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، حارث حميد، وأكرم الوليدي المختطفين لدى جماعة الحوثي منذ التاسع من يونيو/ حزيران 2015، يفيدون فيه تعرض الزملاء للتعذيب والحرمان من العناية الطبية والزيارة.
وحسب شكوى أهالي الصحفيين، فإن الزملاء الأربعة المحكوم عليهم ظلمًا بالإعدام، تعرضوا للضرب والتعذيب، والاحتجاز في زنازين انفرادية، أسفرت عن تدهور صحة الزميل توفيق المنصوري الذي لا يقوى على الحركة، وانقطاع أخبار الزميل عبدالخالق عمران الذي هُدّد بالقتل من قبل قيادي حوثي، حسب أهالي المعتقلين، فيما يعيش الزميلان حارث حميد وأكرم الوليدي ظروفًا صحية صعبة.
وتعبر نقابة الصحفيين اليمنيين عن رفضها وإدانتها لهذه الوحشية بحق الصحافيين، في الوقت الذي كنا ننتظر فيه إطلاق سراحهم وإنهاء مأساتهم وأسرهم.
وتدعو نقابة الصحفيين اليمنيين كافة المنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير، وفي مقدمتهم اتحاد الصحفيين العرب، والاتحاد الدولي للصحفيين، ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن السيد هانز غروندبرغ للضغط من أجل توفير العناية الصحية للزملاء، والكشف عن مصير عبدالخالق عمران، وإطلاق سراح كافة الصحفيين المختطفين. وتجدد نقابة الصحفيين دعوتها بعدم الزجّ بالصحفيين في الصراعات، أو إخضاعهم للصفقات، وإنهاء كافة أشكال القمع المفروض ضدهم.
بدوره، أعرب فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن، عن قلقه البالغ تجاه استمرار بيئة الخوف والخروج على القانون السائدة في اليمن.
وقال إن النزاع في البلاد لا يزال مستعصيًا على الحل، على الرغم من الجهود الدولية والإقليمية الحثيثة للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار واستهلال عملية سلام.
وعزا الفريق الأممي، في تقريره الرابع، بشأن الوضع في اليمن، استمرار النزاع إلى افتقار الأطراف والجهات الخارجية المعنية للإرادة السياسية.
وسلط تقرير فريق الخبراء الذي جاء بعنوان "أمة منسية: دعوة للبشرية لإنهاء معاناة اليمن"، الضوء على نتائجه حيال الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة في اليمن في الفترة الممتدة بين 1 تمّوز/ يوليو 2020 و30 حزيران/ يونيو 2021.
وأشار فريق الخبراء البارزين إلى أن النتائج المتعلقة بالانتهاكات والتجاوزات التي قدمها هذا التقرير، وخلال السنوات الأربع الماضية، لا تمثل سوى عينة جزئية من تلك الأحداث التي تسبب معاناة مروعة للمدنيين في كل يوم في اليمن.
وذكر الفريق الأممي أنه لا تزال لديه أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن جميع الأطراف مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.