يعود تاريخ تأسيس المعهد المهني الصناعي في مدينة مأرب إلى العام 1998، وهي فترة نماء القطاع المهني والتدريب الفني في اليمن، لكن الحال القائم عليه اليوم لا يرتقي لما يجب أن يكون عليه داخل مركز المحافظة، حيث لا شيء ملموس يتناسب مع كثافتها السكانية؛ بسبب حالة النزوح إليها من عدة محافظات يمنية، وتشعُّب مجالات سوقها التجاري والمهني.
ويفتقد المعهد، وفق مسؤولين وخبراء، للمعايير والمقومات والإمكانيات اللازمة لمثل هذا النوع من التخصصات التعليمية، إذ ليس هناك سوى ورشتين للتطبيق العملي لأقسام التخصصات العاملة، وهي التمديدات الكهربائية وعلوم الحاسوب والنجارة، في حين تم إغلاق بعض الأقسام لعدم الإقبال على تخصصاتها.
في السياق، يتطرق نائب مدير وزارة التعليم الفني والتدريب في المحافظة، ناجي مفتاح، لـ"خيوط"، إلى أنه قبل 9 سنوات، وهي عمر الحرب في اليمن، شارفت مأرب على أن يكون لها مبنى كلية المجتمع، تتبع وزارة التعليم الفني والتدريب المهني، وقد أُنجز من الكلية 80% من أعمال البناء، وتقع في حيّ الروضة، لكن مع النزوح المكثف سكنها نازحون إلى هذا اليوم، وليس هذا فحسب، بل طرأ على المبنى استحداث وهدم واسع.
يشكو طلاب في قسم الحاسوب بالمعهد من تقادم الأجهزة المتاحة لهم في التطبيق العملي خلال المحاضرات، وهي بحاجة إلى تطوير وتحديث دائم لمواكبة التغيرات التقنية المتسارعة في هذه المجالات التكنولوجية التي تلبي احتياجات سوق العمل.
تعتبر المهن والمهارات التقنية والفنية المحرك الأساس للعمل، ومنتجة لخدمة المجتمع، ومع ذلك لا يزال يُنظر لها بريبة في اليمن، وتكون آخر الوسائل والسبل التي يلجأ لها الطالب حين يفشل في تعليم يظن أنه أكثر ارتقاء (في الجامعات والتخصصات العلمية).
عبدالرحمن توفيق، أحد الدارسين في المعهد، من محافظة إب (وسط اليمن)، وقد تخرج من قسم النجارة في العام 2017، يشير في حديثه لـ"خيوط"، إلى تدهور وضعية بعض الأقسام، مثل قسم النجارة، واصفًا إياها بالصعبة والشاقة، حيث تفتقد الإمكانيات والتجهيزات اللازمة، كالديكور والزخرفة؛ الأمر الذي دفعه إلى اكتساب اللغة الإنجليزية ليكون قادرًا بها على الدخول لدراسة قسم الحاسوب هذا العام.
تردي البنية التحتية
تعاني هذه المنشأة المتخصصة في التعليم والتدريب الفني والمهني، من تردٍّ في التجهيزات والبنية التحتية، حيث تقع في مبنى مكلف وغير مناسب؛ بسبب ارتفاع إيجاره الشهري الذي يصل إلى نحو 600 ألف ريال يمني (الدولار يتجاوز في مأرب حاجز 1500 ريال)، وهو عبارة عن شقتين، دور أرضي، تتخذ إدارة المكتب المهني والفني لها شقة من غرفتين، ويستقل بمثلها المعهد الصناعي، قاعتين للمحاضرات في الشقة الثانية.
كما يعاني هذا القطاع التعليمي المهم من إهمال وعدم اهتمامٍ من الوزارة المعنية بهذا القطاع، وهي وزارة التعليم الفني والتدريب المهني التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا أو على مستوى السلطة المحلية بالمحافظة، قياسًا بما تجده قطاعات ومكاتب وزارات أخرى من اهتمام، يتجسد فيما تتحصل عليه من ميزانيات تشغيلية ومصاريف ونفقات.
يُبيّن عميد المعهد، المهندس صالح القباطي، لـ"خيوط"، أنّ كل شيء منعدم تمامًا في المعهد، ابتداء من البنية التحتية والكادر التدريسي الذي راتبه متدنٍّ إلى حدٍّ لا يكفيه أكثر من يومين.
ويتطرق إلى أهم المتطلبات التجهيزية المتكاملة، مثل: ورش مواد التدريب، وصيانة الحاسوب الخاصة بالشبكات، والدوائر الرقمية، ومختبر للتجارب العملية الكهربائية والإلكترونية، مختتمًا حديثه بالقول: "كيف سيتم توفير كل ذلك والمعهد بدون أي نفقات خاصة به لتشغيله".
توسع الفجوة مع سوق العم
يشكو طلاب في قسم الحاسوب بالمعهد، من تقادم الأجهزة المتاحة لهم في التطبيق العملي خلال المحاضرات، وهي بحاجة إلى تطوير وتحديث دائم لمواكبة التغيرات التقنية المتسارعة في هذه المجالات التكنولوجية التي تلبي احتياجات سوق العمل.
الطالبة في قسم الحاسوب، هبة أحمد، تؤكّد لـ"خيوط"، أنّ كثيرًا من الطلاب ليس بمقدورهم حيازة حاسوب محمول لتطوير أنفسهم في التخصص المنخرطين في دراسته، في حين يشير الطالب في القسم نفسه، علي العبسي، إلى النقص الواضح في الكادر التعليمي، حيث يصل عدد مواد المنهج الدراسي إلى نحو 18 مادة، في الوقت الذي لا يتوفر في هذا القسم سوى 5 مدرسين فقط.
فيما يقول ريان زياد، طالب قسم تمديدات كهربائية، لـ"خيوط": "إنّ هذا القسم يتطلب وسائل وتطبيقات مختلفة عند كل مستوى، وإذا أراد شهادة خبرة موثوقة فالخيارات المتاحة تكون في حضرموت"، مشيرًا إلى أنه يضطر إلى الذهاب إلى الورش للتعليم واكتساب الخبرة من مهندسين يعملون في البناء عند تسليك الكهرباء والاستفادة منهم، حيث لا يتوفر في المعهد أي معامل أو ورش تطبيقية.
كما يفتقد المعهد أقسامًا مهمة، مثل: "ميكانيكا السيارات"، و"هندسة المساحة"، و"التكييف والتبريد"، و"صيانة الجوالات"، حيث لا يزال العمل جاريًا لإنجاز المباني والتجهيزات والمعامل الخاصة بها في مديرية الوادي بالمحافظة، إضافة إلى أنّ هناك مجموعة من أرباب العمل تتواجد في المدينة، وتتردد بين الحين والآخر على المعهد للبحث عن فرص التأهُّل العلمي والأكاديمي، إذ تطمح إلى وجود أقسام تتناسب مخرجاتها مع احتياجاتها في سوق العمل، مثل الحدادة والألمنيوم والإلكترونيات والأمن السيبراني.