في صباح العاشر من أكتوبر الماضي، ذهب أحد مزارعي منطقة عقار في محافظة عمران، واسمه عبدالكريم غيثان، إلى حقله مطمئنًا لحصد محصول الذرة الموسمي بعد أشهر أربعة من كدّ أسرته في الحرث والبذر والتسميد والري والحراسة. لم يكد الصباح يكمل تنفسه الخريفي في الأرجاء حتى جاءه رجل مسلح (ع.ع.ح) والشر يملأ عينيه، لتحصل بينهما مشادّة كلامية حول الأرض وملكيتها، لتتطور المشادّة إلى شجار، ودون سابق إنذار أخذ الرجل المسلح بندقيته ووجّهها صوب الرجل، مفرغًا في جسده النحيل بضع رصاصات قاتلة، ليرديه في حقله مضرجًا بدمه الساخن. القاتل الغاضب اليوم في السجن، وتنتظره عقوبة قانونية، إن لم تحل القضية في إطار العرف القبَلي المعتاد، بعد أن قتلت بندقيته المنفلتة روحًا.
وبعيدًا عن أسباب الشجار بين الرجلين، الذي -مهما كانت دوافعه- لا يبرر حالة القتل المجاني هذا، ولكن ما يهم عرضه هنا هو: كيف أصبح القتل أول الحلول التي يلجأ إليها المتخاصمون؟! بعد أن انعدمت لأسباب كثيرة بقية الحلول، وبعد أن تفشت آلة القتل المحمولة على أكتاف اليمنيين وفي أحزمة خصورهم دون روادع أو تحصينات أخلاقية.
وبمعاينة لهذه الواقعة الأليمة، يمكن إرجاع حالة القتل هذه إلى سببين رئيسَين من بين أسباب عديدة، وهما:
أولًا- انتشار ظاهرة الفوضى؛ فلا يخفى على أحد ما تمر به اليمن من أوضاع وحروب ضحيتها الأول هو الإنسان الذي يقتله آخر ينتمي إلى أحد أطراف الصراع، الأمر الذي أدّى إلى الاعتياد على سماع أخبار القتل بشكل يومي، فضلًا عن التأثيرات التي تركتها الحرب في النفوس والتي تتفجر في وجه المجتمع في كل وقت، وستكبر في حال توقفت الحرب دون معالجات.
ثانيًا- غياب القضاء وعدم فاعليته في الفصل بين القضايا المجتمعية، الأمر الذي يدفع، في ظل غياب الوعي، إلى تنامي القتل والاقتتال بين المتخاصمين الذين فقدوا الأمل في حلحلة قضاياهم العالقة في أروقة القضاء لسنوات أو لعدم ثقتهم في نزاهته إن أصدر حكمه ولو بعد أمد طويل.
في وجود هذين السببين، بالإضافة إلى أسباب أخرى متداخلة، ستظل آلة القتل تفتك باليمنيين ولا سبيل لإيقافها إلا بمعالجة دوافعها وحيثياتها التي أدّت إلى بروزها وانتشارها. وأقترح هنا بعض التصورات لمعالجة هذه المشكلة التي تتنامى، ولا يمكن إيقافها في المستقبل إن استمرت الجهات ذات المسؤولية المباشرة تتعامى عنها، ومنها:
تقديم التنازلات من قبل أطراف النزاع لإحلال السلام بأسرع وقت ممكن لإيقاف آلة القتل من إعمالها في أرواح اليمنيين، والسعي الحثيث لتفعيل دور القضاء حتى قبل إحلال السلام، كل طرف فيما تحت سيطرته، إن كان هدفهم أمن وسلامة المواطن اليمني كما يدّعون، والأهم التوعية المجتمعية الشاملة وسَنّ أقسى العقوبات الرادعة لمن اعتدى على روح إنسان عن قصد ودراية.