يزخر اليمن بكثرة كثيرة من الموروث الشعبي؛ سواء في مجال الشعر العامي بمختلف فنونه ولهجاته؛ أم في فنّ المهايد والمهاجل التي تصاحب المواسم الزراعية؛ أم في مجال أدب الطفل؛ كالسمأة (الحكايا على لسان الجدات والأمهات) وأهازيج الصغار والحزاوي (الأحاجي)؛ ومن هذا الموروث ما يندرج في إطار الفلكلور الشعبي؛ ذي المؤدى الحركي الحي؛ كالرقص الشعبي والرياضات والتمثيل؛ ومنه ما يمثل شخصيات فلكلورية؛ كالمداحين والمجاذيب؛ وفرق المغنيات؛ والزمارين المتجولين في قرى الريف؛ وغير ذلك من الطقوس الشعبية التي توارثها اليمنيون جيلًا عن جيل؛ حتى كانت نهايتها في العصر الحاضر؛ بحلول بدائل ترفيهية جاهزة؛ أنتجها عصر التكنولوجيا الخارق.
كان كثير من أشكال الفن الفلكلوري اليمني لا يزال حيًّا حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ثم ما لبثت وتيرة مساره الواقعي الحي أن تراجعت شيئًا فشيئًا، دون أن تستشعر النخب الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، ومؤسسات الثقافة، أنّ كنزًا ما ثمينًا يسلب من واقعها وفي غفلة منها؛ لتبقى هذه الفنون خارج دائرة الحفظ والتدوين؛ وبمعزل عن حاضنها الثقافي والفنّي المطلوب؛ بحيث يمكن استثمار الصالح منها وتطويره؛ ليشغل فنًّا وطنيًّا رسميًّا.
يمكن استثناء بعض الجهود التأليفية للفنون والثقافة الشعبية اليمنية، لا سيما ما هو أدبيّ منها، ومن هذه المؤلفات ما هو تدويني؛ مثل: كتاب (حكايا وأساطير يمنية) للأستاذ علي محمد عبده؛ ومنها ما هو تأصيلي تحليلي؛ مثل كتابَي الشاعر البردوني: (فنون الأدب الشعبي في اليمن) و(الثقافة الشعبية في اليمن)؛ أما الفلكلور؛ فكان حظه هو الأقل، ويمكن الإشارة إلى أحد الجهود الذي اهتم بهذا الفنّ؛ بمبادرات شخصية، وهو ما قامت به الأستاذة أروى عثمان؛ سفيرة اليمن السابقة لدى تونس، وبرعاية مركز الدراسات والبحوث في صنعاء، من إنشاءٍ لمتحفٍ خاص بالفنون الفلكلورية اليمنية وتدوين ظاهرتها التاريخية والواقعية؛ إلا أنّ المشروع لم يكتمل بسبب الظرف الراهن الذي تعيشه اليمن.
لم تكن حركة التحديث الديموغرافي الحضري للريف اليمني وتيسير اتصاله بالمدن وظهور التلفزيون وشيوع المذياع والكاسيت والصحيفة والمجلة المصورة، والقنوات الفضائية بأنواعها، سببًا كافيًا لغياب فنون الفلكلور اليمني المختلفة؛ فمظاهر التحديث هذه محمودة بل وواجبة؛ وإنما لأن اليمن في العقدين الأخيرين شهد غيابًا تامًّا في مجال الفنون المركزية؛ كالمسرح ونشاط دور السينما والرسم والغناء؛ عكس ما كان عليه الحال بين منتصف الستينيات وبداية الثمانينيات؛ لينتهي هذا المسار التراجعي؛ بإقفال دور السينما والمسرح وتشتيت فرق التمثيل الناشئة.
وما دام الأمر قد حدث هكذا لفنون مركزية رئيسة، فلن يكون فنّ الهامش بمأمن من التبديد والفناء. فضلًا عمّا سبق؛ فإنّ ثمّة أسبابًا اجتماعية وسياسية، تقف وراء غياب تلك الفنون الفلكلورية؛ منها انشغالات اليمني بعيشه اليومي؛ وحالة عدم الاستقرار السياسي لليمن على مدى العقود الأربعة الأخيرة؛ واشتعال الحروب الصغيرة والكبيرة بين أبنائه؛ وما نجم عن ذلك من تكريس لثقافة الصراعات والثأرات؛ ومن تفضيل لكارثة الموت على نعمة الحياة.
في مجملها، فإن هذه الفنون الشعبية؛ هي عبارة عن طقوس شفاهية؛ إما كلامية أو حركية؛ ترتبط بالمسار الوجودي للإنسان اليمني، وتستقي أسسها المرجعية من الذاكرة الجمعية لليمنيين، وتمتد إلى القدم الغابر من تأريخهم الإنساني الحضاري. وهي خاضعة للتنوع والتعدد في شيوعها وانتشارها؛ فطقوسها تختلف من منطقة يمنية إلى أخرى؛ بحسب الخلفية الثقافية؛ والتباين اللهجي؛ وطبيعة العمل والتركيب السكاني والسمات الجغرافية؛ ومع ذلك فإنّ الفلكلور الشعبي في اليمن؛ ظل يحتفظ بسمات موحدة وقواسم مشتركة تشير إلى أصل جامع.
رياضات: وتشمل الألعاب التقليدية المحلية؛ ومن هذه الألعاب ما يستند إلى قواعد فنية؛ كالتي للألعاب المعاصرة ويحقّق أهدافًا جسمانية؛ تشمل سائر أعضاء الجسد؛ وأهدافًا روحية ترويحية؛ وأشهر هذه الألعاب هي الجدة. وهي لعبة خاصة تتم في مجارين القرى (ميادين صغيرة)؛ وتقوم فكرتها على أساس استعمال طبة (كرة) صغيرة، كانت من القماش، ثم أصبحت مصنوعة من المطاط فيما بعد، أكبر قليلًا من كرة المضرب؛ أما الجدة التي سميت اللعبة باسمها؛ فهي عبارة عن نصب حجري موضوع في رأس الميدان. يقوم فريق اللاعبين باختيار أحدهم للبدء باللعب من أمام الحجر؛ في حين يكون مهمة الفريق الموزعين خلفه على مساحة الملعب؛ إما التقاف الكرة؛ فيخسر اللاعب، ويتم استبدال أحد أعضاء الفريق به؛ وإما تصويب الرمية الناجحة على الجدة؛ فإن أصابها، خسر اللاعب أيضًا؛ وإن أخفق الرامي استمر اللعب. للعبة الجدة ستة أشواط قصيرة، هي (رسس ويد ويدين وصدر وشنق وكردف)، ولا مجال هنا لشرح هذه الأشواط؛ لكن ما يجدر قوله؛ هو أنّ كلَّ شوطٍ منها كان يستهدف ترويض عضو من أعضاء الجسم؛ العنق واليدين والصدر والجذع والرجلين.
كان الناس في قرى الريف اليمني يحيون مساءات احتفائية بعيد الأضحى، قد تصل إلى عشرة أيام. وترتبط طقوس مساءات عيد الأضحى بحاجة الناس إلى البهجة والاحتفاء على ضوء القمر في ليالي منتصف ذي الحجة، ثم بالحاجة إلى التخفف من ثقل وجبات لحم الأضاحي وإحراق الدهون، لا سيما وجبة العشاء، في كل مساء يخرج الرجال لترتيب فعالية أشبه بمسرحية في حين تصطف النساء للتفرج.
أهازيج: وهي مقطوعات موزونة، يؤديها الصغار جماعيًّا؛ إما في الأزقة أو الميادين؛ أو يتشاطرونها من على أسقف الدور؛ وأهمها تلك التي تعكس علاقة الطفل بالطبيعة والمواقيت والمواسم؛ كالاستبشار ببزوغ الهلال؛ كما في هذه الأهزوجة:
يا قمر قميرهْ
يا سراج الليلهْ
سرجنا سرج الحمام
والحمام طيارهْ
أو المناشدة بطلوع الشمس عند كل مغيب؛ لاستمرار الحياة؛ واستشعار ما تقتضيه حاجات العيش من مهام وأعمال؛ ومن نواميس عطاء؛ متداخلة ببعضها كأهزوجة: "يا شمس فذي فذي (اطلعي)؛ قطع الله راس الهندي؛ والهندي جازع (ذاهب) مكهْ؛ وعياله ملء الدكهْ (حجرة النوم)؛ والدكه تشتي (تريد) قفل؛ والقفل من النجار؛ والنجار يشتي سمني؛ والسمني من البقري؛ والبقري يشتي حشيش (علف)؛ والحشيش من الجبل: والجبل يشتي مطر؛ والمطر من ربنا؛ وربنا يشتي صلاهْ؛ والصلاه من الرجال؛ والرجال يشتوا خدمهْ؛ والخدمه من النعمهْ".
غاب فلكلور الطفولة من واقع الطفل اليمني؛ لكن بعضه قد حظيَ بالتفاتات البحث؛ ويشار هنا إلى بحث توثيقي قيّم حول الأهازيج في محافظة إب؛ للناقد د. علي حداد حسين؛ ولا يزال الموضوع بحاجة إلى توثيق وإضاءات بحثية؛ تغطي كثرته الكثيرة، وتفسّر ما له من سمات، وما يستهدفه من مقاصد.
جمل عيد الأضحى؛ كان الناس في قرى الريف اليمني يحيون مساءات احتفائية بعيد الأضحى، قد تصل إلى عشرة أيام. وترتبط طقوس مساءات عيد الأضحى بحاجة الناس إلى البهجة والاحتفاء على ضوء القمر في ليالي منتصف ذي الحجة، ثم بالحاجة إلى التخفف من ثقل وجبات لحم الأضاحي وإحراق الدهون، لا سيما وجبة العشاء، في كل مساء يخرج الرجال لترتيب فعالية أشبه بمسرحية في حين تصطف النساء للتفرج.
تقوم مسرحية الجمل والجارية، على أساس صناعة جمل من أربعة رجال يقفون؛ كل اثنين في جانب؛ ليمثّلوا جسد الجمل المغطى بقماش مزركش؛ أما العنق والرأس، فمصنوعان في الغالب من القماش والإسفنج الملفوف. يبدأ الجمل بالسير وسط الحضور على وقع إيقاع المرافع (الدفوف). بعدها يشكّل المحتفلون حلقة في وسطها يرقص الجمل لوقت طويل، ويتداعى المتجمهرون للمشاركة في الرقص، ثم يبرك الجمل ويمتطيه العريس، الذي يمثله رجل بهندام فاخر وزينة ليزف إلى الجارية، وهي في الغالب شخصية رجل؛ يقوم بتمثيل الدور مرتديًا ثياب النساء؛ في حين يقوم الرجال المحيطون بالجمل بالزوامل؛ وإطلاق الأعيرة النارية في الهواء وتبادل النكات الطريفة؛ أما النساء فيكللن الموكب بالزغردات والقهقهات.
مجاذيب ابن علوان: في كتابه الثقافة الشعبية وحديثه عن ابن علوان؛ أشار البردّوني إلى هؤلاء؛ أشخاص يجوبون قرى الريف وقت الحصاد، لا سيما في محافظتَي إب وتعز؛ يدّعي هؤلاء المجاذيب أنهم مرسلون بإشارة من الحضرة العلوانية في يفرس بتعز؛ حيث مقام القطب الصوفي المفكر والأديب صفي الدين أحمد بن علوان، وهم بذلك إنما يستدرّون رضا الناس وسيلة للتكسّب؛ لِمَا لابن علوان من قدر وجلال يملأ نفوس العوام؛ ولِمَا يحظى به في الذهنية الشعبية من يقين بكراماته وبخوارقه. عادة ما يحمل كل مجذوب منهم (الطنبرة)؛ وهي آلة إيقاع ذات يد خشبية لطبلة، محاطة بزركشات وخرز مربوطة بأطراف خيوط مدلاة على جانبيها؛ وحين يرفعها المجذوب ويهزها بطريقة خاصة؛ ينقر الخرز وجهي الطبلة؛ فتحدث الإيقاع المطلوب.
إلى جانب الطنبرة؛ لا بدّ أن يكون لدى المجذوب آلة حادّة؛ كالجنبية (الخنجر اليمني المعروف) أو السيف أو الفأس؛ لاستعمالها في الطعن؛ حين يأتي المجاذيب يتجمهر القرويون على وقع الطنابر وهتافات المجاذيب وترانيمهم باسم الصفي، وهم يجوبون الميدان، ثم يبلغون الذروة في الجذب باستعمال الخناجر في طعن عيونهم، وجعل رأس الخنجر مغروسًا في العين والتجواب به أمام العيان؛ أو يقوم المجذوب بضرب جبهته أو وسط رأسه بالسيف أو بالفأس حتى ينغرز على الجبهة، ثم السير به على مرأى من الجمهور الواقف، وحين تنتهي حالة الجذب يقوم بنزعها.
المداح؛ شخصية فلكلورية جوابة أيضًا؛ إذ يجوب المداح القرى للتكسب بالمديح؛ وعادة ما يحمل (الطار)؛ وهو دف كبير ينحصر استعماله في الطقوس الدينية المختلفة في اليمن؛ المداح في الأساس هو قاصّ أو راوٍ لسيرة شعرية قصيرة مستوحاة من القصّ القرآني؛ كمدحية يوسف والذئب، أو بطولات النبي (ص) والإمام علي (رض) من واقع السيرة النبوية؛ يحظى المداح بحضور لافت من الرجال والنساء والأطفال؛ في حين يكون هو مغمض العينين منهمكًا؛ يرعش الطار وينقر بأصابعه عليه ببراعة، محدثًا إيقاعًا موسيقيًّا، يصاحب صوت إنشاده العذب، الذي يأسر مواجيد السامعين، ويستدر عطاياهم من الغلال أو النقود.
المتنبل؛ شخصية فلكلورية ذات نسق مرجعيّ دينيّ اجتماعيّ؛ والتنبلة أو الكهانة تتصل بيقين العوام خارج حدود العقل والمنطق؛ المتنبل هو عراف أو قارئ المستقبل والحظ؛ وهو ينحدر من بيئات يمنية تسود فيها ثقافة التصوف؛ مثل (برع وريمة وزبيد وبيت الفقيه في تهامة)؛ المتنبل أيضًا يجوب قرى الريف خارج منطقته؛ فيستقبله بعض الوجهاء ويتقاطر الناس لمعرفة المستقبل أو مصير غائب؛ يستعمل المتنبل استقراء الوجوه لاستيحاء ما يمكن أن يستدل به على خصال الشخصية؛ فيكتفي بالتحديق للوجه شاردًا لبعض الوقت في تقاسيمه؛ ثم يلقي خلاصة عرافته؛ عبارة عن كلام عام مسجوع مرمز؛ غير قطعي في حقائقه وأحكامه؛ إذ يتعمد المتنبل ألا يعقب بأي تفسير؛ بل يترك للشخص المعني تأويل ما قيل فيه.
الطبال والزمار؛ فرقة فنية يمكن أن تصنف ضمن الفنّ الفلكلوري المتجول؛ تسمى بالطبّالين أو المزمّرين؛ ويتكون الفريق الفنّي لها من الرجال والنساء اللائي لا يزلن غالبًا في سن الصبا. تكون مهمة الرجال القرع على الطبول والعزف على المزمار؛ في حين تتولى الصبايا الرقص على وقع ألحان أغانٍ شعبية متداولة أو مستعارة من أغانٍ معروفة لفنانين يمنيين؛ ويكون الغناء بصوت جماعي مشترك.
قد تستجلب فرقة الطبالين لإحياء الأفراح؛ وقد تمارس نشاطها الفنّي عشوائيًّا لكسب الرزق عن طريق التجول في قرى الريف اليمني أو في شوارع المدن، غير أنّ هذا الفن قد يُقابَل باستهجان؛ وقد لا يكون له جمهوره كالذي لفنون غناء أخرى، ففي بعض البيئات اليمنية يستكره المزمار؛ في حين تتداخل نظرة البعض بالتصنيف التمييزي تجاه الطبال؛ على اعتبار الانتماء الفئوي وتقسيماته بمعاييرها المختلة؛ إذ المحترفون لهذا الفنّ هم في الغالب من اليمنيين السود المهمشين اجتماعيًّا؛ الذين تعثرت مشاريع التغيير والتحديث في اليمن أمام خطة دمجهم اجتماعيًّا هم وفئات أخرى.
المرافع أو الطسج؛ وهذه ما زالت حية في المناطق القبلية وارتقى بعضها إلى ظاهرة فنية حظيت بجمهور عريض في وسائط الميديا كما في ظاهرة (ملاطف)؛ وهي فرقة إيقاع يرتبط نشاطها الموسيقي بإحياء المناسبات في معظم مناطق اليمن؛ أيضًا يطلق عليها المبارعة لارتباطها برقصة البرع التي يؤديها الرجال حصرًا؛ أما تسمية طسج فهي في الغالب مرتبطة بالطاسة المستعملة فيها؛ وهي عبارة عن حلة نحاسية يطبق عليها رقاع رقيق من الجلد الفاخر جيد الدباغة، تشد أطرافه بقوة إلى خلفية حلة النحاس بحيث لا يترك أي ارتخاء على سطح الرفاع ولا فتحة هواء إلى جوف الحلة؛ في حين الآلة الثانية، وهي المرفع، ومنها جاءت تسمية مرافع عبارة عن دست نحاسي أيضًا لكنه عميق التجويف ويشد عليه رقاع جلدي بالطريقة نفسها، ويفضل أن يكون الجلد سميكًا عن نظيره في الطاسة. وللضرب على الآلتين تستعمل أعواد خيزران؛ اثنان رفيعان للضرب على الطاسة، وعود سميك للمرفع. أما إيقاع كليهما فمختلف؛ فالأولى إيقاعها حادّ رفيع، في حين إيقاع الثاني خشن مدمدم.
الطسج فرقة تتكون من شخصين يجيدان مهارة الضرب بإيقاع نمطي محدد؛ ومن ثَمّ تختلف وظيفة الطسج عن الطبال؛ فهذا الأخير بإمكانه تنويع الإيقاع بحسب اللحن، في حين الطسج ليس له سوى أداء إيقاعي محدد؛ ويرتبط هذا الأداء بالمناسبة؛ فإن كان مرافقة موكب عرس أو خروج لصلاة العيد وخلافه، سار الإيقاع على نوعين: سياري خاص بمشوار الذهاب، ثم ردة ويخص مهرجان العودة. أما إيقاع مهرجان البرع فله أداءان؛ الأول: البرع، ويؤدّيه حلقة من الرجال بحركة سلسة ومنسابة، والأداء الثاني يسمى بريشة: وهو إيقاع سريع يناسب سرعة الحركة في رقصة البريشة، ويؤدّيه من اثنين إلى أربعة.
مغنيات التنك والصحن؛ من المفارقات اللافتة أنّ موروث الفلكلور الغنائي في اليمن؛ كان إلى عهد قريب متصلًا بالمرأة؛ عكس ما هو عليه الحال الآن. كانت المرأة اليمنية هي المغنية؛ وصوت غنائها ظل هو السائد والشائع؛ ذائع الصيت أكثر من الرجل؛ بالطبع لا نعني المغنيات الرسميات فحسب؛ وإنما كانت الكثرة الكثيرة من النساء يُجِدن الغناء؛ وكان صوت المرأة صادحًا به سواء داخل البيت في أوقات فراغها؛ أو أثناء ممارستها المهام اليومية؛ فهي تطحن وتغني، وفي الحقل تغني، وفي الجبل وعند عيون الماء تغني؛ أيضًا كانت المرأة العادية تجيد استعمال آلات الإيقاع التقليدية؛ وتتطوع بالغناء في الأفراح؛ أما المغنيات المشهورات؛ فكن نجمات الطرب لمناسبات الأفراح في ريف اليمن وحضره.
التنك هو علبة فارغة من المعدن تضعه المغنية بين يديها، وتقرع عليه بأناملها ببراعة، بحسب اللحن المطلوب. أيضًا الأمر نفسه فيما يخص الصحن؛ فإما أن تستعمل المغنية نقره بأناملها؛ وإما بوساطة ملعقة؛ وما شابه؛ فتصاحب الإيقاعات صوتها الصادح بالغناء. كانت مغنيات الصحن والتنك يحيين الأفراح؛ وتستمر فعاليات الغناء للفرح عدة أيام؛ كما كُن يغنين في مجالس النساء والرجال على حدٍّ سواء؛ وأشهر الأغاني كانت هي الزفة؛ وقد تطور أداء بعض هؤلاء المغنيات ليصبحن مغنيات مشهورات على مستوى اليمن؛ أمثال الفنّانتين منى علي، وتقيّة الطويلية.
ما سردناه هنا من نماذج فلكلور؛ استنادًا إلى مصادر أشرنا إليها أو من واقع المعايشة الشخصية؛ هو غيص من فيض موروث الفلكلور اليمني، وربما لا يمثل سوى مناطق محدودة؛ في حين لا يزال ذخر الموروث الفلكلوري اليمني غنيًّا ومتسعًا؛ ويحتاج إلى مداهمة نسيانه ونبش أغواره لاستخراج ما هو مخبوء منه؛ وقد آثرنا اختيار نماذج لتغطية أشكال الفلكلور من أنشطة رياضية، وأدب طفولة، وفنون، وشخصيات، وعادات وتقاليد؛ وحين ربطنا بين ذخر هذا الموروث وقضية زواله؛ فإننا لا نعني التباكي عليه؛ فمنه ما فقد عوامل بقائه بفعل عوامل انتشار التعليم والوعي، وتطور الفنون ووسائلها؛ غير أن توثيقه والحفاظ عليه أمرٌ في غاية الأهمية.
إنّ تدوين هذا الفلكلور في متحف فنون، سيظل شاهدًا على تاريخ إبداع إنساني أنتجته الأمة اليمنية؛ فضلًا عن أنه سيبقى معينًا لا يستغني عنه الأديب والفنّان والمؤرِّخ والأنثروبولوجي؛ فضلًا عمّا يمكن استيحاؤه وتطويره منه؛ ليكون فنًّا حيًّا وأصيلًا؛ وهو اختبار أمام النخب المسؤولة والمؤسسات الراعية للثقافة والفنون في اليمن.