اليمن يستخدم نصف الأراضي الزراعية لإنتاج الغذاء!

ماهي مكونات إنعاش القطاع المتدهور لاحتواء الجوع؟
محمد راجح
October 4, 2024

اليمن يستخدم نصف الأراضي الزراعية لإنتاج الغذاء!

ماهي مكونات إنعاش القطاع المتدهور لاحتواء الجوع؟
محمد راجح
October 4, 2024
منطقة كٍتاب بمحافظة إب - الصورة لـ : شهدي الصوفي - خيوط

تنمية القطاع الزراعي في اليمن لها أهمية بالغة، بالنظر إلى دور هذا القطاع في الحد من انعدام الأمن الغذائي الذي وصل إلى مستويات خطيرة خلال فترة الحرب والصراع.

تبرز الزراعة في طليعة القطاعات الواعدة التي لم يحسن اليمن التعامل معها واستغلالها بصورة مناسبة، بالرغم من أن 34% من أراضي اليمن تُعد أراضي زراعية. فإن الغالبية العظمى من هذه الأراضي عبارة عن مراعٍ. فقط 3% من إجمالي الأراضي مستصلحة للزراعة، وأقل من نصفها (حوالي 1.5 مليون هكتار) مزروعة بالفعل.

في حين تستخدم اليمن أقل من نصف أراضيها الصالحة للزراعة لإنتاج الغذاء، منها ما يقارب 528 ألف هكتار من الحبوب، و 166 ألف هكتار من القات، و 136 ألف هكتار من العلف، و 92 ألف هكتار من الفاكهة، و 82 ألف هكتار من المحاصيل النقدية، و 69 ألف هكتار من الخضار، و 48 ألف هكتار من البقوليات.

على الرغم من توفر الأراضي الصالحة للرعي ومياه الصيد، فلا تزال اليمن اليوم تستورد 90% من المواد الغذائية التي تستهلكها. وهنا تأتي الصدمة التي حاولت خيوط رصدها في هذا الملف، الذي يسلط الضوء على معاناة اليمنيين، وأنينهم من العيش في ظل 10 سنوات عجاف.

يأتي ذلك في ظل تحول العديد من المزارعين إلى المحاصيل النقدية، التي يحتل فيها القات المقام الأول. ومع انخفاض صادرات النفط، تزايد إنتاج الأغذية ببطء، إلى أن سببت النزاعات المسلحة إيقاف جزء كبير من النشاط الزراعي. 

تبرز مشكلة ارتفاع أسعار الغذاء في طليعة الأزمات التي أثرت على قدرات اليمنيين الشرائية للغذاء مع انهيار العملة المحلية، وفي ظل اعتماد اليمن المفرط على الواردات بنسبة تزيد على 90%. تؤدي زيادة أسعار المواد الغذائية المستوردة في الاقتصاد الطبيعي إلى التحول نحو الإنتاج المحلي الزراعي على وجه التحديد.

ويتطلب إنعاش القطاع الزراعي مكونات رئيسة تشمل توفر الأرض الصالحة للزراعة، والموارد المائية الكافية للري، ورأس المال اللازم للاستثمار في استصلاح الأراضي، وتطوير نظم الري، والمكننة، وتكنولوجيا الإنتاج الزراعي، وتوفير الخدمات الزراعية الداعمة، مثل البذور، الأسمدة، الطاقة، التخزين، التغليف، التسويق، وغيرها، فضلا عن توفير العنصر البشري المؤهل والمدرب، القادر على تطوير المنشأة الزراعية.

صعوبة الإنفاق على الغذاء

لا يستطيع غالبية اليمنيين تقدير نسبة الدخل الشهري الذي ينفقونه على الطعام، نظرًا لتغير الدخل والنفقات بشكل متواصل، بحسب دراسات وأبحاث واستطلاعات رأي أجرتها مراكز ومؤسسات وجهات ومنظمات متخصصة، منها "مركز عربيا برين ترست" الذي يرجح أن أقل من 21% ينفقون ثلثي دخلهم على الطعام، ونحو 17% ينفقون نصف دخلهم على الطعام، بينما 8% فقط ينفقون ثلث دخلهم على الطعام. في حين وضع المركز مقارنة ذلك مع ما ينفقه الفرد على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ينفق فقط 9% من دخله على الغذاء.

يسد الناس هذه الفجوة في القدرة الشرائية من خلال العمل لساعات أطول، والاقتراض من الأصدقاء والأقارب، أو خفض الإنفاق على الضروريات مثل الطعام والخدمات الصحية.

فقد أدت زيادة تكلفة المعيشة وتراجع القوة الشرائية وتقلص فرص العمل إلى مضاعفة ساعات العمل المطلوبة -لعمالة غير ماهرة- لدفع ثمن الطعام من 48 إلى 80 ساعة. وبالمقابل في دول أخرى، لا يحتاج الفرد للعمل سوى تسع ساعات فقط لدفع فاتورة البقالة الشهرية. 

 كما ارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير منذ عام 2014 في اليمن. فبحسب تقديرات وثقتها تقارير اقتصادية، فإن البطالة الإجمالية في اليمن وصلت إلى نحو 34% في عام 2020. وقد استمرت بالارتفاع لتتجاوز، وفق آخر تقديرات لمسؤولين في الحكومة المعترف بها دوليًا، في ندوة بهذا الخصوص عقدت بعدن في يونيو/ حزيران الماضي، نسبةَ الـ 40%.

وأدى امتداد النزاع المسلح، وانهيار قطاع الأعمال، وانقطاع رواتب القطاع العام، إلى تغيير طبيعة سوق العمل. في حين زادت مشاركة الإناث في سوق العمل بشكل عام، ولكن كان ذلك في الغالب في القطاعات غير الماهرة منخفضة الأجر.

وتبرز مشكلة ارتفاع أسعار الغذاء في طليعة الأزمات التي أثرت على قدرات اليمنيين الشرائية للغذاء مع انهيار العملة المحلية، وفي ظل اعتماد اليمن المفرط على الواردات بنسبة تزيد على 90%. وتؤدي زيادة أسعار المواد الغذائية المستوردة في الاقتصاد الطبيعي إلى التحول نحو الإنتاج المحلي الزراعي على وجه التحديد.

كانت هناك محاولات سابقة لتنشيط إنتاج الغذاء محليًا. ولكن بدلًا من المحاصيل الغذائية، زاد إنتاج القات الذي يتمتع بهوامش ربح عالية، ودخل على مدار العام. فإن الإقبال على زراعته يتزايدا سنويًا بنسب متغايرة، كما يشير إلى ذلك تقرير صادر عن مركز عربيا برن ترست، من 10% إلى 15%، الأمر الذي يستمر في إزاحة الاهتمام بالمحاصيل الغذائية. 

انعدام الامن الغذائي

يشدد خبراء اقتصاد على حاجة اليمن الماسة في رسم خطة استراتيجية لتحقيق مستوى عالٍ من الأمن الغذائي بحلول عام 2030، مع الأخذ في الاعتبار أن الأمن المائي جزء لا يتجزأ من الأمن الغذائي. ومن ثَم، فإن كفاءة استخدام المياه وإعادة التدوير سيكونان مفتاح النجاح في الأمن الغذائي، والنهوضِ بالقطاع الزراعي.

يأتي ذلك في ظل تصاعد التحذيرات من وضع اليمن الغذائي، آخرها تقرير صادر عن البنك الدولي منتصف العام الحالي 2024، وهو الذي رسم صورة مقلقة استناداً لبعض البيانات والمعلومات والمسوحات والتقارير التي تبيِّن أن اليمن تعد واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي. فقد تم تصنيفها من قبل البنك الدولي في مرتبة واحدة مع أفغانستان وهايتي والصومال والسودان وجنوب السودان ودول الساحل الإفريقي (ولا سيما بوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى ومالي،) هذه البلدان تُعد من بين أفقر 15% من البلدان في جميع أنحاء العالم..

ويشير مسح أجراه البنك الدولي بشكل مشترك مع برنامج الغذاء العالمي إلى أن حوالي نصف الأسر اليمنية كانت تعاني من عدم كفاية استهلاك الغذاء في العام الماضي 2023.

ويرى البنك الدولي أن اليمن شهدت تحسنًا في مستوى انعدام الأمن الغذائي منذ إعلان الهدنة الإنسانية في مطلع أبريل/ نيسان من العام 2022. إلا أنه "لا يزال من بين البلدان التي تعاني من أعلى معدلات الجوع في العالم، إذ يعاني حوالي نصف السكان من سوء الاستهلاك الغذائي، أو عدم امتلاكهم ما يكفي من الغذاء. فالأزمة في الأساس عبارة عن أزمة تتعلق بقدرة الناس على الوصول إلى السلع في الأسواق المحلية، والقدرة على دفع ثمنها، وهذا ما لا يتوفر في ظل التدهور الاقتصادي، وضعف الإنتاجية الزراعية المحلية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مقابل انخفاض القدرة الشرائية.

تمتلك اليمن إمكانيات كبيرة لإنتاج الغذاء والحبوب المختلفة، فهي تتميز بتوفر مناطق زراعية خصبة، منها المرتفعات الوسطى، والمرتفعات الجنوبية، والمناطق الساحلية الغربية من حوض تهامة، التي تعتبر مناطق أساسية لإنتاج الذرة الرفيعة والدخن و الخضروات والفواكه والمحاصيل النقدية الأخرى.

ووفقاً لتحليل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعيش 82% من اليمنيين في فقر متعدد الأبعاد، ويعتمدون بشكل كبير على موارد السوق للحصول على المواد الغذائية الأساسية. وبالتالي فإن هذه الأزمة المالية تشكل تهديدًا خطيرًا.

كما أن تحليل تتبع الأسر في اليمن الذي تجريه منظمة الأغذية والزراعة، والذي يخصص بالفعل أكثر من 65% من دخل هذه العائلات لنفقات الغذاء، معرض بشكل متزايد لعدم الاستقرار الاقتصادي والسوقي. ويلجأ الكثيرون إلى الاقتراض الغذائي والمعونات مقابل الدعم، الأمر الذي قد يعيق تعافيهم المالي ويؤدي إلى تفاقم فقرهم.

دعائم مرتكزات الاقتصاد

يحتاج اليمن إلى زراعة كامل الأراضي اليمنية الصالحة للزراعة بمحاصيل مختارة بعناية، تعمل على تحسين الأمن الغذائي (تستفيد اليمن حاليًا من 50% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة.)

في حين تصل نسبة أراضي اليمن الصالحة للرعي إلى 31% (تقرير لمركز عربيا برين ترست.) ومن ثَم فإن إمكانات الثروة الحيوانية والزراعة الثقيلة واسعة، ويجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الأمن الغذائي.

وتبلغ نسبة الأراضي المزروعة المروية بمياه الأمطار حوالي 50%، فيما تتقسم بقية الأراضي الزراعية على31% مروية من المياه الجوفية، و 10% مروية من السيول، فيما تعتمد بقية الأراضي في الري على السدود وجداول المياه والصهاريج.

ويلعب القطاع الزراعي دورًا مهمًا في الاقتصاد اليمني، وأحد أهم دعائم ومرتكزات الاقتصاد الوطني. إذ تبلغ متوسط مساهمة القطاع الزراعي حوالي (13.7%) من إجمالي الناتج المحلي، في حين يصل متوسط مساهمته في الدخل القومي نحو (16.5%.)

وتمتلك اليمن إمكانيات كبيرة لإنتاج الغذاء والحبوب المختلفة، في تتميز بتوفر مناطق زراعية خصبة، منها المرتفعات الوسطى، والمرتفعات الجنوبية، والمناطق الساحلية الغربية من حوض تهامة، التي تعتبر مناطق أساسية لإنتاج الذرة الرفيعة، والدخن، والخضروات، والفواكه، والمحاصيل النقدية الأخرى.

ويعاني المزارعون في اليمن من عدم انتظام هطول الأمطار في المواسم الزراعية (بدأت الأمطار في وقت متأخر مع بعض فترات الجفاف،) على الرغم من أن إجمالي هطول الأمطار الموسمية كان حول المتوسط، إلى أعلى قليلاً من المتوسط في معظم المناطق الزراعية. فقد تلفت بعض المحاصيل، وأعيد زراعتها مرة أخرى في العديد من المناطق، وكان المحصول ضعيفًا مقارنة بالنتائج المتوقعة في السنين العادية.

الكابوس المخيف للزراعة

بحسب تقارير اقتصادية فإن معظم سكان اليمن (73%) يعيشون في الريف، ويعتمدون على الزراعة، بصفتها مصدرَ دخلٍ رئيسًا لهم. ولكن بالمقابل يرى خبراء اقتصاد وباحثون زراعيون أنه، وبسبب الحرب، انخفضت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي إلى حوالي 12%، وتقلص حجم العاملين في القطاع الزراعي إلى 25% من إجمالي القوة العاملة.

كما أن من الحقائق الصادمة أن القطاع الزراعي يواجه تحديات هيكلية لا يمكن تجاوزها، منها: أن المساحة الصالحة للزراعة لا تتجاوز 1.5 مليون هكتار، ما يعادل 3% فقط من إجمالي مساحة اليمن، وتبلغ المساحة المستغلة فعلاً 1.1 مليون هكتار، وهذا يعني أن إمكانية التوسع في الزراعة محدود جدًاً.

أضف إلى ذلك أن اليمن يقع في نطاق المناخ الجاف، وتعد الأمطار المصدر الرئيس للمياه، وهي تتفاوت من عام إلى آخر، وتختلف كثيرًا بين المناطق الساحلية والجبلية والصحراوية. ولذلك، تُصنف اليمن ضمن البلدان التي تعاني من الفقر المائي، فلا يتجاوز نصيب الفرد الواحد من المياه 150 مترًا مكعبًا في السنة، مقارنة بحوالي 1000 متر مكعب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و 2500 متر مكعب هو المتوسط العالمي، وهذا يمثل تحديًا كبيرًا ليس على الزراعة فحسب، بل على حياة الإنسان اليمني عامة.

إضافة إلى ذلك يمثل القات الكابوس المخيف للتنمية الزراعية، وللأمن الغذائي، ولصناع القرار، فخلال العقود الخمسة الماضية تزايدت مساحة زراعة القات حوالي 25 ضعفًا، وأصبحت تشكل قرابة 15 إلى 20% من إجمالي الأراضي الزراعية.

•••
محمد راجح

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English