كانت مدينة حرض الرئة الاقتصادية لأبناء محافظة حجة وما جاورها من المحافظات، حيث يعمل فيها أهم المنافذ البرية في اليمن، ما جعله شرياناً مهماً لتصدير المنتجات الزراعية والتجارية و السفر برا إلى دول الجوار، حتى سميت حرض "المدينة التي لا تنام"، بسبب وقوعها في هذه المنطقة الاقتصادية الحيوية.
تعتبر منطقة نشطة كغيرها من مناطق حجة الحدودية المحاذية للسعودية ذات الموارد المالية المتنوعة، وشكلت وجهةً استثماريةً جذبت الكثير من اصحاب رؤوس الأموال، للاستثمار التجاري والعقاري.
اختلف الأمر خلال السنوات السابقة بسبب الحرب والصراع في اليمن منذ العام 2015، إذ نالت حجة نصيب كبير من مأساة الحرب، في الوقت الذي تفتقر كثير من مناطق ومديريات المحافظة لأبسط الخدمات العامة خصوصًا المناطق التي نزح إليها أبناء المديريات المتضررة من الحرب والمعارك العسكرية، كالمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس.
تكثفت مأساة حجة بدرجة رئيسية في مدينة حرض التي حولتها المعارك الشرسة إلى ركام صارت تسكن خرائبه الحيوانات البرية، وعلى الرغم من توقف المعارك منذ عامين فلم تزل حرض منسية تماماً.
يقول أحمد عادل (اسم مستعار) من أهالي مدينة حرض، لـ"خيوط"؛ نزحنا من أراضينا وممتلكاتنا وأعمالنا، تهدمت بيوتنا واصبحنا نازحين فاقدين مصادر دخلنا من مزارع وممتلكات تجارية في المدينة.
يضيف عادل؛ توقفت حركة التجارة والتصدير والاستيراد، وتراجعت حركة الزراعة كثيرًا، وتوقفت بشكل نهائي عجلة الحياة، وأصبحت المدينة التي لا تنام خالية جرداء.
ويأمل الكثير من النازحين من سكان حرض أن تكون الجهود الدبلوماسية التي زادت وتيرتها مؤخرًا والمفاوضات الدائرة حاليًا أن تفضي إلى تهدئة شاملة كمقدمة لإحلال السلام في اليمن، لينعكس ذلك على معظم مدن ومناطق البلاد بالأخص المتضررة ومنها حرض ومنفذ الطوال البري، لأن ذلك سيمكنهم من العودة إلى ديارهم بعد سنوات في مخيمات النزوح منذ العام 2017.
كان ذلك وضع الكثير ممن تنوعت وتعددت معاناتهم ومأساتهم بسبب الحرب والصراع والقصف، إذ لا يزال سكان هذه المناطق يقاسون معاناة التشرد والنزوح في انتظار أن تقوم السلطات المعنية بمسؤوليتها في معالجة أوضاعهم؛ أو الفرج بأي اتفاق لإحلال السلام في اليمن
وفي الوقت الذي يتطلع فيه المواطن ناجي حزام في حديثة لـ"خيوط"، أن تعود مدينتهم إلى سابق عهدها قبل الحرب بما يسمح بعودته مع جميع النازحين لممارسة حياتهم الطبيعية في تنشيط الحركة الاقتصادية ليس في مناطق حجة كحرض بل في مختلف مدن ومناطق اليمن المتضررة من الحرب.
يقول المواطن عبدالكريم محمد إنهم كنازحين من حرض ينتظرون إحلال السلام ليتم الالتفات إليهم ولمعاناتهم التي لا حدود ولا وصف لها، فمنذ سنوات يعيش سكان هذه المناطق في حالة نزوح وتشرد بعد أن اقتلعتهم الحرب من مدنهم ومناطقهم وجردتهم من أعمالهم وأرزاقهم.
البحث عن سُبل للعيش
تزداد مشقة الحياة في مناطق حجة بسبب صعوبة المواصلات والطرق الوعرة ،حيث يتحملون مشقّة السفر الى المدن البعيدة للعلاج، وما يترتب على ذلك من تكاليف واعباء كبيرة على كافة المستويات.
يقول عن ذلك حسن اليزيدي وهو من سكان حجة لـ"خيوط": أنه قد تتدهور صحة المريض أثناء سفره لتلقي العلاج أكثر مما هو عليه، وقد يصل بالبعض أن يتوفاهم الموت قبل وصولهم إلى هناك، أما البعض الآخر فيمتنع عن ذلك خوفاً من وفاة المريض قبل وصوله.
يتحدث الخمسيني سالم علي "اسم مستعار"، وهو نازح من مدينة حرض لـ"خيوط"؛ أصبحنا غير قادرين على تحمل المزيد من الأعباء بسبب ما نمر به من ظروف صعبةٍ في جميع نواحي الحياة، وما نلقاه من معاناة شديدة في توفير احتياجات أسرنا، فلم يعد هناك ما نمتلكه لإعالتهم والإنفاق عليهم.
بدوره، يقول عبدالإله حارث؛ توفي كثير من أبناء منطقتنا في صعدة وهم يبحثون عن لقمة العيش في المناطق الحدودية، وأصبحنا بين نارين؛ نار النزوح ونار البحث عن لقمة العيش.
في السياق، كانت خيوط قد تابعت ونقلت معاناة سكان محافظة حجة بسبب الحرب والصراع في اليمن الدائر منذ العام 2015، إذ تركزت المعاناة ومأساة تبعات ذلك في بعض المناطق الاستراتيجية بالمحافظة أهمها حرض التي حولتها الحرب والمعارك العسكرية والقصف الذي رافقها إلى مدينة أشباح.
كما تم الكشف في هذا الخصوص عبر تقرير سابق، أنه منذ اندلاع الحرب في اليمن في مارس/ آذار 2015، لم يسبقْ أن خَلَتْ مدينة يمنية -أو كادت- من السكان، كما حدث بمدينة حَرَض، المحاذية للحدود السعودية في الشمال الغربي من اليمن؛ فقد تحولتْ المدينة طوال سنوات الحرب إلى ميدانٍ مغلقٍ للمواجهات المستعرة بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًا ومقاتلي جماعة أنصار الله (الحوثيين). وبموازاة هذه المواجهات، خُلقت مآسٍ إنسانيةٌ بالغةُ الألم والعمق، لم تنلْ حظَّها من التناول الإعلامي، رغم هَوْلها.
فضلًا عن ما رصدته منظمات عاملة في مجال حقوق الإنسان كمنظمة "مواطنة"، للوضع المأساوي في مثل هذه المناطق التي افرغت بعضها من سكانها نتيجة للمعارك العسكرية التي دارت داخل المدن كمدينة حرض، إذ يروي أحد النازحين من مدينة حرض، والذي يقيم في ملحق خاص بسكن المعلمين التابع لمدرسة الأمجاد في قرية جبل الطرف بالمحويت؛ معاناته مع النزوح بسبب المعارك التي دارت بمدينة حرض وقصف الطيران الحربي التابع للتحالف بقيادة السعودية والإمارات، في إحدى الليالي المرعبة نتيجة للقصف والتحليق الكثيف للطيران، والذي أثار الهلع لدى الناس في المدينة.
يقول؛ "سحبت زوجتي وجريتها بالقوة وغادرنا مسرعين إلى السيارة التي كان قد سبقنا إليها أخي، وانطلقنا فارين بأرواحنا، متراكمين فوق بعضنا، ندعو الله أن يجنبا القصف لنتجاوز المنطقة المستهدفة بأمان".
يتابع حديثه: "لم يكن قد مر وقت، إلا وأسمع صوت زوجتي تصرخ، تطلب إسعافها، حيث كانت حاملًا في شهرها التاسع، أثار الأمر صدمتي وأكدت لي أنها مخاض الولادة".
كان ذلك وضع الكثير ممن تنوعت وتعددت معاناتهم ومأساتهم بسبب الحرب والصراع والقصف، إذ لا يزال سكان هذه المناطق يقاسون معاناة التشرد والنزوح في انتظار أن تقوم السلطات المعنية بمسؤوليتها في معالجة أوضاعهم؛ أو الفرج بأي اتفاق لإحلال السلام في اليمن.
نزوح وإغلاق للمنفذ
يجمع الكثير في اليمن على أن محافظتا الشمال الغربي من البلاد، الحديدة وحجة، ومختلف المناطق والمديريات التهامية هم الأشد فقرًا في اليمن، حيث تفتقد مناطقهم لأبسط المشاريع الخدمية، فكانت ومازالت طي النسيان ومنفيّةً عن الاهتمام.
تعتبر الزراعة هي مصدر الدخل الوحيد للمواطنين في هذه المناطق، وبعد نزوح أبناء المديريات كحرض وميدي وحيران وأجزاء واسعة من عبس، إلى المديريات الجبلية زادت المعاناة بسبب اغلاق المنفذ.
مجدي قايد، وهو إعلامي ومتخصص في مجال القانون، يتحدث لـ"خيوط"، أن الحرب ضاعفت معاناة السكان في هذه المناطق التي تعاني من فقر مزمن منذ عقود ولم تلتفت إليها السلطات في البلاد طوال العقود الماضية.
يلفت قايد إلى مشقة الحياة نتيجة لذلك في هذه المناطق كغيرها من مناطق اليمن، إذ تسببت الحرب والصراع بفقدان الكثير لمصادر رزقهم ومداخيلهم المعتمدة على الزراعة وصيد الأسماك، إضافة إلى التسبب بحركة نزوح مأساوية لم تتوقف فصولها وتبعاتها حتى الآن.