بصوت خافت ونبرة متقطعة ممزوجة بالدموع، كما يلتقطه ميكرفون الهاتف عند تصويرها بشكلٍ سري لحظة عقد قرانها بالناشط في المجال الخيري "غالب القاضي"، لتتمتم بكلماتها الحزينة: "ما احد يفعل خير لوجه الله"؛ هكذا عبرت الضحية سارة (اسم مستعار - 18عامًا)، عن حالها بعد أن وقعت ضحية لعمل إنساني عولت عليه للخروج من شظف الحياة الصعبة التي تعيشها مع والدتها، بعد إن وُعدت بالحصول على منزل بسيط ووظيفة تساعدهما على العيش.
غالب القاضي، الاسم الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأولى من شهر يوليو/ تموز 2024، بعد انتشار فيديو ظهرت فيه الضحية "سارة"، تتهمه باستغلال حالة أسرتها الفقيرة للزواج بها.
لم تكن هذه الحادثة هي الأولى التي تشير بأصابع الاتهام لغالب القاضي باستغلال الضحايا تحت مظلة (فعل الخير)؛ فقد سبقها قصص مشابهة، الأمر الذي جعلنا نتتبع حقيقة الفعل الإنساني الذي يمارسه القاضي في المجال الخيري، وخلال هذا التحقيق رصدنا أربع حالات من الانتهاكات التي مارسها الجاني بحق الضحايا تحت مسمى العمل الإنساني.
لحظات قليلة وأحضر الجاني كل متطلبات عقد القِران المجاني، فجعل مصوره الخاص وكيلًا للضحية، حيث لا يوجد قريب شرعي لها، بالإضافة إلى أمين شرعي حرر عمرها في وثيقة العقدة بـ 25 عامًا، وكذلك أحضر الشهود ثم عقد قِرانه على الضحية، وعاد بها إلى مدينة الحديدة.
الحلم الذي يتم البحث عنه
ظهرت الضحية "سارة" لأول مرة عبر فيديو مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، نشره لأول مرة المختص الأمني رامز المقطري، تسرد من خلاله الفخ الذي وقعت فيه مع والدتها، حيث كانتا تقيمان في العاصمة صنعاء بعد وفاة أخي الضحية- المعيل الوحيد لهذه الأسرة، حيث عرفت فاعل الخير لأول مرة عن طريق أحد جيرانها، عندما أرادت إصلاح قبر أخيها، الذي تكفل القاضي بإصلاحه ثم غادر إلى حيث مكان عمله في مدينة الحديدة (غربي اليمن)، دون تفاصيل أخرى في تلك الفترة.
ووفقًا لحديث الضحية (سارة) في الفيديو المصور -تحققت "خيوط" من صحته- فإنها بعد أشهر قليلة تلقت اتصالًا هاتفيًّا من المدعو غالب القاضي، يسأل عن أحوالهم المادية، فكانت الفرصة التي ينتظرها منذُ اليوم الأول لمعرفته بتفاصيل الأسرة التي فقدت معيلها، وكانت إجابة الضحية: "الأحوال صعبة ومديونيتنا زادت"، فنشر لهم الأمل بحياة كريمة، وطلب من الضحية مغادرة صنعاء إلى مدينة الحديدة بعد إيجاده منزلًا لسكن الأسرة، بإيجار شهري 20.000 يمني (ما يعادل 40 دولارًا) يشمل خدمة الكهرباء والماء، حيث كان المنزل هو الحلم التي بحثت عنه الضحية كثيرًا بعد وفاة أخيها، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات في العاصمة صنعاء؛ حد تعبيرها.
تزايدت معاناة اليمنيين يومًا بعد آخر، جراء استمرار الصراع الدائر في البلاد منذ أواخر العام 2014، إذ تسببت الحرب في وضع غالبية السكان في اليمن تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. يأتي ذلك في الوقت الذي تعجز فيه أطراف الصراع عن الوصول إلى حلٍّ يحد من معاناة اليمنيين.
ونقلًا عن العاملين في المجال الإنساني، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في المؤتمر الصحفي اليومي، إن أكثر من 18 مليون يمني بحاجة للمساعدات، ونتيجة للوضع الإنساني المتدهور، برز أشخاص كثر على مواقع التواصل الاجتماعي ينشطون في مجال المساعدات الإنسانية، مستعطفين المغتربين اليمنيين والتجار للحصول على مبالغ مالية كبيرة لتمويل هذا العمل، فيما كانت تذهب غالبية هذه المساعدات لتمويل مصالحهم الشخصية.
النزوح إلى الحديدة
غادرت "سارة" رفقة والدتها من العاصمة صنعاء إلى مدينة الحديدة (شمال غربي اليمن)، وعند وصولهما المدينة كان في استقبالهما "فاعل خير"، حيث لم يذهبوا إلى المنزل الذي أخبرهما بجهوزيته ودفع إيجاره لثلاثة أشهر مقدمًا، بل ذهبا إلى منزله بعد أن أقنعهما بعدم صحة ذهابهما إلى المنزل المستأجر لهم في هذا الوقت المتأخر من الليل.
في صباح اليوم الثاني، وبحيلة جديدة، أخبرهم أن عملًا خيريًّا آخر في محافظة حجة قد طرأ عليه، ولا يحتمل التأخير، فطلبا من الضحية ووالدتها مرافقته لتصوير الحالة الإنسانية؛ حد وصفه، وعند تخطيهما مدينة حجة، بدأت الشكوك تراود الضحية عن سبب تجاوزهما مدينة حجة؛ إلا أن فاعل الخير كان رده سريعًا ومقنعًا: "لقد نقلوا الحالة إلى صنعاء"؛ حد تعبير "سارة".
عند وصولهما صنعاء، كانت الحلقة الأخيرة من مسلسل فاعل الخير وبدء عمل الاستغلال، فلأسبابٍ قال عنها أمنية، وحفاظًا على سمعته من الإساءة والتشهير، لا يستطيع تقديم ما وعد الضحية به من المساعدات؛ ولكنه أوجد لها حلَّين؛ كل واحد منهما أسوأ من الآخر، حد تعبيرها؛ أما الزواج منه دون شرط أو مهر وإما البقاء مشردتين في صنعاء بعد بيع نصف عفشهما عند نزوحهما إلى منزلهما الذي وعدهما به فاعل الخير في مدينة الحديدة؛ فكان الزواج منه هو الأقل ضررًا من الآخر؛ حسب وصف الضحية.
الضحية تدحض النفي
لحظات قليلة وأحضر الجاني كل متطلبات عقد القِران المجاني، فجعل مصوره الخاص (ص. ب) وكيلًا للضحية، حيث لا يوجد قريب شرعي لها، بالإضافة إلى أمين شرعي حرر عمرها في وثيقة العقد بـ25 عامًا، وكذلك أحضر الشهود ثم عقد قِرانه على الضحية وعاد بها إلى مدينة الحديدة، وهناك أسكنها مع والدتها الشقةَ المجاورة لشقته السابقة.
بعد 15 يومًا، حسب حديث المختص الأمني، رامز المقطري، من الألم والضرب والتعذيب الذي تعرضت له الضحية، قامت برفع شكوى على القاضي في قسم 7 يوليو/ حزيران في مدينة الحديدة (شمال غربي اليمن)، إذ كان هذا هو الحل الأخير للخلاص من العذاب، وبعد محاولات عديدة لقسم شرطة 7 يوليو للقبض على الجاني، تمكنوا منه بعد حجز سيارته (باص)، وقبلَ الطلاق منها مقابل الإفراج عن الباص والتنازل عن الحقوق المتأخرة في عقد الزواج، البالغة مليون ريال يمني (1900 دولار)، والتزامه بنفقة شهرية للضحية، ولطفله الذي تحمله في أحشائها، بمبلغ 30000 ريال يمني (ما يعادل 60 دولارًا).
إلا إن الجاني، حسب حديث الضحية، لم يلتزم بالنفقة الشهرية بعد عودتها إلى صنعاء، مع تمكن الجاني بالتعاون مع المؤجر بالسطو على ما تبقى من عفش منزلهما في الحديدة.
يعتمد القاضي في مقاطع الفيديو التي ينشرها عن الحالات الإنسانية على إثارة عاطفة المشاهد، خاصة المغتربين اليمنيين في دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تصدير معاناة الحالات المصورة بشكل مغاير للواقع، لحصد أكبر قدر من الأموال والمساعدات لنفسه.
كما جرت العادة لغالب القاضي بالظهور في كل مرة عبر حسابه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، ينفي ما اتهم به من الضحية، مؤكدًا أن زواجه بها كان صحيحًا وبعقدٍ شرعي من أخي الضحية، نافيًا وفاة أخيها، رغم تأكيد المحامي وضاح قطيش المتطوع للترافع عن الضحية "سارة" بطلب منها، لـ خيوط"؛ وفاةَ أخيها، المعيل الوحيد للأسرة، حيث لا يوجد لها معيل، وقد قام قطيش بالتعاون مع الناشط حمود المصباحي بتوفير شقة سكنية للضحية ووالدتها في مكان آمن حتى لا تطالها يد القاضي، والبدء في رفع قضية استغلال ونصب بحق الضحية؛ حد تعبير قطيش.
التبرعات واستغلال الضحايا
لم تكن حادثة الاستغلال هذه هي الأولى التي يُتهم القاضي بها؛ بل سبقتها حوادث أخرى متشابهات، إذ يلجأ إلى استغلال الأُسر الفقيرة للزواج منها، ومن ثم استخدامهن بغرض استلام حوالات فاعلي الخير من داخل اليمن أو خارجها.
تكشف "خيوط" في هذا الخصوص، عن ضحايا غير "سارة"، ففي العام 2021 كانت له قصة أخرى مع ضحية تدعى "غانية"، تزوجها واستخدمها لاستلام الحوالات المالية، حيث قام بفتح حساب بنكي باسمها، وبعد أن طالبت بالطلاق منه سارع إلى طلب نقل ملكية رقم الهاتف الذي كان يستخدمه باسم "غانية" إلى ملكية زوجته الثانية "هنادي".
تكشف الوثائق التي حصلت عليها "خيوط"، وتعود للعام 2021 للحساب الخاص بـ(غانية، الزوجة الثالثة للقاضي) في شركة مفتاح للصرافة والتحويلات، المبالغ المالية التي كانت تحول إليها من فاعلي الخير، وعندما انعدم التفاهم بينهما، قام بطلاقها وطلب التنازل عن الرقم المرتبط بالحساب المصرفي في شركة مفتاح لزوجته الثانية "هنادي"، بحسب وثائق نقل ملكية الرقم، إلا أن شركة يمن موبايل للهاتف النقال -بعد مرور 24 ساعة من نقل ملكية الرقم للزوجة الثانية- تبين لها بعد مطالبة غانية بالرقم وتحرير إفادة حول نقل ملكية الرقم، ومن خلال المطابقة، قيام غالب القاضي بتزوير صورة "غانية" بصورة زوجته "هنادي"؛ بحسب إفادة شركة "يمن موبايل" للهاتف النقال عند عملية نقل ملكية الرقم.
للمدعو "غالب"، العديد من السوابق في قضايا جنائية مختلفة، إذ كان متهمًّا بقضية قتل شقيقه، من والدته وإخوانه في العام 2018، وتم إيداعه السجن المركزي بصنعاء، وكان أول ظهور له على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل السجن، يناشد فاعلي الخير والمغتربين والمشاهير بالضغط على والدته بالتنازل عن جنايته، ويبرئ نفسه من تهمة قتل شقيقه، وقد تعاطف حينها معه الكثير من فاعلي الخير ودُفعت مبالغ مالية كبيرة لإخراجه من السجن. وبعد أن تم الإفراج عنه بقي على تواصل مستمر مع رجال الخير، واستمر في المجال الخيري.
أسلوب إثارة العاطفة
يعتمد القاضي في مقاطع الفيديو التي ينشرها عن الحالات الإنسانية، على إثارة عاطفة المشاهد، خاصة المغتربين اليمنيين في دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تصدير معاناة الحالات المصورة بشكل مغاير للواقع، لحصد أكبر قدر من الأموال والمساعدات لنفسه، فيما تحصل الحالة على الفتات القليل، كما حدث مع إحدى الأسر الفقيرة التي صور أفرادها وهم يأكلون أوراق شجرة "الحلص" (شجرة معروفة بقيمتها الغذائية والعلاجية، يستخدمها اليمنيون بكثرة، خاصة في المناطق الريفية)، إلا أن القاضي أوهم المشاهد بأن ما يأكلونه هي أشجار لا تأكلها سوى الحيوانات، حسب ناشط حقوقي -طلب عدم ذكر اسمه- تحدث لـ"خيوط"، ساخرًا من فعل الخير الذي يقدمه القاضي، إذ ينحدر من نفس منطقة الأسرة المصورة.
يضيف: "ركز القاضي عند نقل حالة الأسرة على إثارة مشاعر المشاهد، وتلاعب بالحقيقة رغم أحقية الأسرة بالمساعدة، حيث أظهر رغبته بمشاركة المنشور على نطاق واسع من خلال طلبه المتكرر في المقطع المصور"؛ لافتًا إلى أن الغرض من تصوير الحالة بهذا الشكل، لم يكن من أجل الحد من معاناتها، بقدر ما كان مهتمًّا بنشر الفيديو ومشاركته على نطاق جغرافي كبير؛ بغرض حصد أكبر قدر من المساعدات الممكنة.
سلسلة من الزيجات
سلسلة الزيجات المتعددة التي يمارسها القاضي بحيل مختلفة لا تتوقف؛ ففي العام 2021 تناول العديد من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي حادثةً غريبة على المجتمع، حيث قام "غالب القاضي"، في الحديدة، بالزواج بامرأة متزوجة، ما تسبب في مقتلها وطفليها التوءمين التي كانت حاملة بهما، من قبل إخوتها الذين ظلوا يبحثون عنها تسعة أشهر وهي مختفية مع الجاني؛ حد تعبير الناشط محمد غازي.
في هذا السياق، أصدرت المحكمة الابتدائية في منطقة بني بهلول وبلاد الروس بمحافظة صنعاء، حكمًا غيابيًّا بالرجم حتى الموت بحق "غالب القاضي"، إذ أشارت مسودة الحكم، التي اطلعت عليها "خيوط" وتأكّدت من صحتها، إلى أنه ثبت للمحكمة أن عقد الزواج مزور، وتم اعتبار العلاقة القائمة زنى بالنظر إلى كونها "مُحْصَنة" أي متزوجة، وحدّها الرجم حتى الموت؛ بحسب المادة 263 من قانون العقوبات اليمني.
بحسب حكم المحكمة، فإن عقد الزواج مزور، وعقوبة التزوير وفق القانون اليمني لا تقل عن خمسة أعوام سجن، في حين استندت الفقرة الأخيرة من الحكم في اعتبار (غالب) مدانًا؛ إلى أنّ قتل المجني عليها سببه الاستناد على نص المادة 7 من قانون العقوبات، وهو الذي يوضح العلاقة السببية نتيجة لفعل إجرامي، إذ تنص المادة على: "لا يسأل شخص عن جريمة يتطلب القانون لتمامها حدوث نتيجة معينة إلا إذا كان سلوكه فعلًا أو امتناعًا هو السبب في وقوع هذه النتيجة، وتقوم رابطة السببية متى كان من المحتمل طبقًا لما تجرى عليه الأمور في الحياة عادة أن يكون سلوك الجاني سببًا في وقوع النتيجة، وما كان سببه منه فهدر على أن هذه الرابطة تنتفي إذا تداخل عامل آخر يكون كافيًا بذاته لإحداث النتيجة، وعندئذ تقتصر مسؤولية الشخص عن سلوكه إذا كان القانون يجرمه مستقلًّا عن النتيجة".
اتخذ القاضي من مدينة الحديدة مركزًا لتصوير معاناة أهالي الحديدة وتصديرها على مواقع التواصل الاجتماعي، لاستلام مبالغ مالية كبيرة بأسمائهم.
بعد إلقاء الجهات المختصة القبض على القاضي بتهمة الزواج بمتزوجة، أُفرِج عنه بعد أيام قليلة، حيث اعتمد القضاء حينها على وثيقتَي طلاق الضحية من زوجها السابق، ووثيقة عقد الجاني بها، ليتم إطلاق صراح الجاني بعد إصدار حكم بجواز زواجه منه.
في هذا الخصوص، يشير الناشط الاجتماعي أحمد غازي، عبر موقعه في يوتيوب إلى أن تاريخ طلاق الضحية من زوجها السابق كان بعد تاريخ وثيقة العقد من الجاني، لافتًا إلى وجود قوة تساند وتدعم القاضي في ممارسة جرائمه بحق الفقراء.
ويذكر في تلك الحادثة أنّ القاضي -بعد موجة غضب مجتمعية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي ضده- سارع إلى نشر صورة له مضرجًا بالدماء من حسابات أخرى، موهمًا الرأي العام حينها بمقتله على يد أنسابه الذين قتلوا أختهم بعد الزواج به، ويختفي من الساحة بعد نشر خبر مقتله مدة ستة أشهر، ويعود مجددًا في شهر رمضان من العام نفسه، نافيًا الخبر المتداول حول مقتله، ويستمر في جمع التبرعات وتوزيع المساعدات، بحسب حديث المختص في الأمن المعلوماتي، رامز المقطري، لـ"خيوط".
الاعتداءات الجسدية
تعمد القاضي استغلال الرأي العام لصالحه حتى لو كان على حساب الضحايا، ففي حادثة أخرى تعود إلى شهر رمضان 2022 -كما يشير المحامي وضاح قطيش، لـ"خيوط"- أقدم غالب القاضي على استدراج امرأة كبيرة في السن مع ابنتها والاعتداء عليهما بالضرب والحرق بالماء الساخن، بالتعاون مع سائق التاكسي، الذي قام بإيصالهما إليه -بعد التواصل معهن باسم مستعار، لتقديم مساعدة من فاعل خير- وتلفيق تهمة على الأم بالإساءة والشتم والتشهير به، بعد نشر مقطع مصور على صفحة الناشطة في المجال الإنساني المدعوة (سفيرة الخير)، تتهم القاضي باستغلال حالتها.
يتابع قطيش: "إن حادثة الاعتداء على المرأة كانت بمساعدة أفراد عسكريين من قسم شميلة في صنعاء، وأجبروا الضحية على تصوير فيديو تعتذر فيه من القاضي، بعد ظهورها السابق في مقطع فيديو على صفحة سفيرة الخير، التي يدور حولها الكثير من نقاط الاستفهام".
يؤكد كثيرون أهمية وجود رقابة رسمية تشرف على شفافية الصرف والنشر بالمواقع الرسمية، وتمنع استخدام البيانات الشخصية للمستفيدين لأسباب شخصية؛ من خلال المتابعة الدورية والمستمرة عقب أي نشاط خيري لأي جهة، بالإضافة إلى معرفة الجهات الداعمة، ونسبة المبالغ المالية التي تتلقاها الجهات النشطة في المجال الإنساني.
في هذه الحادثة التي توثقها "خيوط"، كان قد تطوع المحامي وضاح قطيش للدفاع عن الضحية في محكمة جنوب شرق الأمانة، بعد نشر القاضي مقطع الفيديو الذي ظهرت فيه الضحية تعتذر منه عن الإساءة والتشهير، وقد أظهر المقطع نبرة الترهيب الذي كان يُمارس على الضحية من الجاني ومصوره الخاص، كما ظهرت المرأة بموقف الخائف الذليل؛ حسب المحامي قطيش، الذي تواصلت به الضحية وعرضت عليه آثار التعذيب الذي تعرضت له بالضرب بأسلاك الكهرباء والحرق بالماء الساخن، وطلبت منه الترافع عنها.
حصل المحامي قطيش على توكيل من الضحية للمرافعة عنها، وتقدّم بشكوى لمحكمة جنوب شرق الأمانة، التي أصدرت قرار ضبط بحق غالب القاضي والتحقيق معه وإيداعه السجن بعد أن أنكر أفراد القسم مشاركتهم في الجريمة، وأكّدوا لقطيش أن الضحية وصلت إليهم رفقة القاضي وهي منهكة من التعذيب.
يقول: "فوجئت بعد إيداع الجاني السجن، بقيام موظف في النيابة من منطقة حراز، بتنصيب نفسه للدفاع عنه، ليتم الإفراج عنه بعد أسبوع من دخوله السجن، وأبلغني أفراد الشرطة القضائية يومها أن (غالب) يدفع لهذا الشخص مئات الآلاف من أجل تمييع وإقفال ملف القضية".
القانون، والحلول
يؤكد الدكتور منير عبدالله المخلافي، عميد كلية الحاسوب، بجامعة ذمار، لـ"خيوط"، أنه لا بد أن يكون فاعل الخير أو الناشط الاجتماعي أو المؤسسات الخيرية أو أي تفاعل مجتمعي مدني آخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، حاصلًا على ترخيص رسمي من الجهات الحكومية لممارسة هذا النشاط، والعمل على إلزام الشخص أو الجهة الناشطة في المجال الإنساني بعرض كشوفات مالية شهرية أو دورية توضح آليات وطرق وأسماء المستفيدين والنفقات التشغيلية لإنجاح هذا العمل، لافتًا إلى أن هناك الكثير من المواطنين يشكون من عقّال الحارات وأعيان المناطق الريفية على وجه التحديد، وموظفي جهات أخرى، الذين يقومون باستغلال بياناتهم وأسمائهم وبطائقهم لاستلام المساعدات لأنفسهم وبأسماء المواطنين.
كما يؤكد كثيرون أهميةَ وجود رقابة رسمية، تشرف على شفافية الصرف والنشر بالمواقع الرسمية، وتمنع استخدام البيانات الشخصية للمستفيدين لأسباب شخصية، من خلال المتابعة الدورية والمستمرة عقب أيّ نشاط خيري لأي جهة، بالإضافة إلى معرفة الجهات الداعمة، ونسبة المبالغ المالية التي تتلقّاها الجهات النشطة في المجال الإنساني.
إذ يجرم القانون اليمني جرائم النصب والاحتيال والابتزاز، فضلًا عن الاعتداءات الجسدية بحق المواطنين، إذ تنص المادة (313) من قانون الجرائم والعقوبات على معاقبة المبتز بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة، كل من يبعث قصدًا في نفس شخص الخوف من الإضرار به، أو بأي شخص آخر يهمه أمره.
وتنص المادة (310) من ذات القانون، على معاقبة المحتال بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة مَن توصل بغير حق إلى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره؛ وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية (نصب) أو اتخذ اسمًا كاذبًا أو صفة غير صحيحة. كما تنص المادة (317) بمعاقبة المحتال بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة مَن استغل حاجة شخص أو عدم خبرته أو طيشه فقدّم له أو حصل منه على مال أو خدمة لا تتناسب بشكل واضح مع المقابل المالي لها. وتنص المادة (244) على معاقبة من تعمد الإيذاء الجسدي على جسد غيره بأي وسيلة، وأحدث به جرحًا لا ينضبط مقداره، بالأرش والحبس مدة سنة إلى ثلاث سنوات أو الغرامة، فضلًا عن الأرش إذا أفضى الاعتداء إلى مرض أو عجز عن الأعمال الشخصية مدة تزيد على عشرين يومًا. وعلى الرغم من أن ممارسة القاضي بحق الضحايا يندرج تحت هذه العقوبات، فإنه لا يزال حرًّا حتى الآن؛ كما اكتشفت ذلك "خيوط".