قدم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الرابع إلى اليمن السويدي هانس غروندبرغ إحاطته الأولى إلى مجلس بعد أربعة أيام من استلامه المنصب، خلفًا للبريطاني مارتن غريفيث (2018 – 2021) الذي ترك منصبه كمبعوث أممي بعد تعيينه نائبًا للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
تعاقب على اليمن منذ بداية الحرب الدائرة منذ ست سنوات أربعة مبعوثين أمميين بهدف الوقوف على الأحداث الجارية والعمل على إيجاد تقارب بين جميع الأطراف يفضي إلى تسوية سياسية لإيقاف الحرب وتحقيق السلام في اليمن.
وباشر المبعوث الأممي الجديد مهامه على وقع جريمة بشعة صادمة هزت المجتمع اليمني، جريمة اختطاف وقتل الشاب عبدالملك السنباني القادم عبر مطار عدن من أمريكا لزيارة أهله في اليمن، من قبل ثلاثة أفراد في نقطة عسكرية بمديرية طور الباحة في محافظة لحج جنوب اليمن، إذ تطرق إلى الوضع في المحافظات الجنوبية الذي قال إنه يثير القلق الشديد أيضًا مع اندلاع العنف بشكل منتظم.
وأكد المبعوث الأممي في كلمته أمام مجلس الأمن على موقف الأمم المتحدة الثابت من ضمان حرية حركة الأفراد والسلع من وإلى اليمن، وداخل اليمن أيضًا، فوفق حديثه "يجب أن يتم فتح الطرق للسماح بحركة الأفراد والسلع من وإلى تعز. ويجب أن يفتح مطار صنعاء أبوابه أمام الطيران التجاري. ولا بد من تخفيف القيود المفروضة على استيراد الوقود والسلع عبر ميناء الحديدة. وهناك حاجة مستمرة للتنسيق الوثيق بين الهيئات في أسرة الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي الأوسع نطاقًا، وأطراف النزاع للتعامل مع هذه القضايا بشكل مناسب".
وأضاف: "لقد بدأت العمل على ملف اليمن منذ ما يزيد عن عشر سنوات؛ بلد يتمتع بإمكانيات هائلة، وبموقعه على المنافذ بين آسيا وأوروبا، وبين منطقة الخليج وأفريقيا، إضافة إلى تاريخ اليمن المُبهر من تجارة وثراء ثقافي وتنوع. كل ذلك شيء ما زلت معجبًا به".
مع ذلك، كما أوضح، فإن خبرته مع اليمن تجعله مدركًا وبشكل مؤلم لتعقيدات هذا النزاع الذي تتضاعف تعقيداته مع طول فترته.
في الوقت الذي أكدت فيه الحكومة المعترف بها دوليًا تعاونها الكامل مع المبعوث الأممي الجديد في التوصل إلى سلام مستدام وعادل في اليمن، استبعدت جماعة أنصار الله (الحوثيون) وجود أي فرصة لإجراء حوار بسبب الحصار المفروض، وقطع الطرق، وارتكاب الجرائم بحق المسافرين.
وتسبب النزاع المسلح الحالي بلا هوادة على مدى ما يزيد عن ست سنوات في قتل المدنيين، بما في ذلك العديد من الأطفال، وتشريدهم وإفقارهم، كما تم استهداف البنية التحتية المدنية.
فيما تقوم الجهات المسلحة، وفق حديث السويدي هانس غروندبرغ، باحتجاز الأشخاص واختطافهم وإخفائهم قسريًا مع الإفلات من العقاب. كما ازداد العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل كبير.
البؤر الساخنة
لقد تغيرت بؤر المواجهة العسكرية على مدار الوقت، وتناوب المتقاتلون على اتخاذ الأدوار الهجومية. منذ أوائل عام 2020، كان التركيز منصبًا على الهجوم المستمر الذي يشنه أنصار الله (الحوثيون) على محافظة مأرب، وهو الهجوم الذي حصد أرواح الآلاف من الشباب اليمنيين.
وقال غروندبرغ إن المدنيين يعيشون هناك، بمن فيهم العديد من النازحين داخليًا الذين لجأوا إلى مأرب، في خوف مستمر من العنف ومن تجدد النزوح، مؤكدًا في هذا الصدد: "يجب أن يتوقف هذا الهجوم".
وتطرق المبعوث الأممي إلى الأوضاع في الحديدة، مشيرًا إلى أن المدينة تستمر في اختبار انخفاض ملحوظ في وتيرة انتهاكات وقف إطلاق النار، بينما تثير الأعمال العدائية والوضع في المناطق الجنوبية من المحافظة القلق بشكل خاص. فقد تدهورت الخدمات الأساسية والاقتصاد إلى حالة بائسة في هذه المحافظات اليمنية الواقعة افتراضيًا تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، فيما لا يزال تنفيذ اتفاق الرياض يواجه تحديات عديدة، كما لا تؤدي الحكومة المعترف بها دوليًا مهامها من عدن.
في هذا السياق، قال غروندبرغ، "لا يمكن تجاهل أثر النزاع على المظالم والمطالب المتنوعة في المحافظات الجنوبية، لن يستمر السلام في اليمن على المدى البعيد إذا لم تلعب الأصوات الجنوبية دورًا في تشكيل هذا السلام على نحو مسؤول".
قيود وحرب اقتصادية
من العنف المتواصل إلى نقص الوقود والكهرباء إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ترتبط كل تفاصيل الحياة اليومية في اليمن بشكل أو بآخر بمسائل سياسية معقدة تتطلب حلًا شاملًا وجذريًا، مع انقسام مؤسسات الدولة، الأمر الذي أدى إلى عرقلة الاقتصاد، وأجبر المواطنين والشركات على التعامل مع متطلبات إدارية هائلة، بل ومتناقضة في كثير من الأحيان.
وحسب المبعوث الأممي الجديد فإن الحرب الاقتصادية تؤسس من جانب كافة الأطراف لعواقب طويلة المدى ولها أثر مدمر على الدولة اليمنية وشعبها.
وأشار إلى ما يعاني منه اليمنيون في جميع أنحاء البلاد في ظل قيود شديدة على حرية تنقلهم وعلى حركة السلع الأساسية بسبب القتال المستمر، ونقاط التفتيش، والقيود المفروضة على الطرق والموانئ والمطارات.
وتابع حديثه بالقول: "إن عملية السلام متوقفة منذ فترة طويلة، حيث لم تناقش أطراف النزاع تسوية شاملة منذ عام 2016". وقد ترك هذا التوقف اليمنيين عالقين في حالة حرب لأجل غير مسمى، دون أن يكون هناك سبيل واضح للمضي قدمًا. لذا، يتحتم وفق تأكيداته، على أطراف النزاع أن تنخرط في حوار سلمي مع بعضها البعض بتيسير من الأمم المتحدة بشأن بنود تسوية شاملة، بحسن نية ودون شروط مسبقة.
ولتحديد أفضل السبل للمضي قدمًا، يعتزم المبعوث الأممي الجديد تقييم الجهود السابقة وتحديد ما نجح منها وما لم ينجح والاستماع إلى أكبر عدد ممكن من الرجال والنساء اليمنيين، إذ لا بد أن يسترشد الطريق الذي سيتم اتباعه بتطلعات الشعب اليمني.
وأكد على التزام الأمم المتحدة بالسعي نحو سلام مستدام يحمي كافة الحقوق على تنوعها بما يشمل الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سلام يضمن الحكم الرشيد ومؤسسات دولة تخدم المواطنين بإنصاف.
مهام قادمة
سيبدأ المبعوث الأممي الجديد خلال الأيام القليلة القادمة مشاوراته الأولى مع الجهات الفاعلة اليمنية والإقليمية والدولية، حيث سيتوجه قريبًا إلى الرياض للقاء قيادات في الحكومة المعترف بها دوليًّا.
ويطلع جروندبرغ إلى الاجتماع مع قيادات أنصار الله (الحوثيين) والجهات الفاعلة الأخرى في صنعاء، فضلًا عن الفاعلين السياسيين في جميع أنحاء اليمن.
ويخطط للقاء زعماء إقليميين في الرياض، ومسقط، وأبو ظبي، والكويت، وطهران، والقاهرة، وغيرها، قبل العودة كل شهر إلى مجلس الأمن لعرض معطيات هذه المناقشات.
وفي أول رد فعل على خطاب المبعوث الأممي الجديد في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن، قال المتحدث الرسمي لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، إنه مع الحصار المفروض وقطع الطرق وارتكاب الجرائم بحق المسافرين، ينفي أي فرصة لإجراء حوار.
من جهتها رحبت الحكومة المعترف بها دوليًا تعيين هانس غروندبرغ مبعوثًا خاصًا للأمين العام للأمم المتحدة لدى اليمن، وأكدت في الكلمة التي ألقاها مندوب اليمن في الأمم المتحدة السفير عبدالله السعدي، تعاونها الكامل معه في التوصل إلى سلام مستدام وعادل في اليمن.