هناك على ضفاف مدينة الكود، مديرية حنفر محافظة أبين حيث المعاناة الحقيقية، يسكن فقراء البيوت الطينية. مع ذلك ما زال الناس يتعاطون مع الحياة، يضحكون، يرقصون، ويلعب أطفالهم بحب في الحارات رغم الصعوبات الجمة التي وجدوا أنفسهم في خضمها، ويمضغون الخبز الجاف بلذة تفوق أي وجبة في العالم.
هذه الضفاف المنسية أصبحت في العام 2011، محور اهتمام الناس والإعلام، بعد أن أسقط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المنطقة. كانت هذه الحارات خط تماس للمواجهات بين القوات الحكومية وعناصر التنظيم الذين تمركزوا في أطرافها.
عجيبة ذات الخمسين سنةً، وزوجها وأولادها الخمسة: محمد، وعلي، ونور، وإبراهيم، وعبدالله، كانوا ضمن سكان هذه الحارة القريبة من المعسكر الذي كان على خط المواجهات.
في فجر أحد أيام أبريل/ نيسان 2012، استيقظت عجيبة مدماة الوجه والدمار يحاصرها، لكنها لم تعِ ماذا حصل؟ وكيف حصل؟ كانت تنادي بأسماء أولادها. كانت إحدى الطائرات التي لم تعرف هُويتها، قد أخطأت هدفها وأصابت بعض المنازل، ومنها منزل عجيبة، ودمرت أجزاءً منه.
استجمعت المرأة ما تبقى لها من عزم وتجاوزت ما ران في حياتها من حطام، لتجد الحارة مكتظة بالأشلاء. قالت عجيبة: "كنت أمشي وأشعر أنني أمشي على أشلاء أولادي. عرفت حينها أن زوجي واثنين من أولادي دفنوا تحت أنقاض البيت".
جددت هذه الواقعة جراحًا قديمة وأضافت إليها مزيدًا من الحسرة، وقد فقدت سابقًا ولدها علي، وفي العام 2015، إبراهيم. لم يبقِ لعجيبة اليوم سوى ذكريات ألم متواصل وولدين معاقين، إضافة إلى مواجهتها لأعباء العوز وضيق الحال
بعدها فقدت عجيبة وعيها، ولم تصحُ إلا في أحد أقسام مستشفى الرازي العام. رأت الشباب يحملون الجرحى، كان بينهم أولادها الثلاثة، توفي علي البالغ من العمر 15 عامًا، بعد ساعات من وصوله إلى مستشفى الرازي. أما هي فاستقر بها الحال في قسم رقود المستشفى لما يقرب من أسبوعين.
بعد ستة أسابيع غادر ولداها الاثنان المستشفى، ولكن بعد أن بترت ساق محمد (17 سنة) وفقد عبدالله (13 سنة) يده اليمنى. عادت عجيبة مع أولادها، محمد وعبدالله وإبراهيم وابنتها نور، لكن إلى أين؟ إلى ما تبقى في منزلها من حطام. لكنها كانت قد فقدت زوجها وولدها علي ونصف بيتها.
لم تمضِ سوى ثلاث سنوات فقط على هذه الحرب، وهذه الكارثة، حتى اشتعلت حرب جديدة، في العام 2015، حين اجتاحت جماعة أنصارالله (الحوثيين) أبين، فعادت هذه الحارات مرة أخرى إلى خط تماس الاشتباكات الجديدة.
كان ولدها إبراهيم (12 سنة) على موعد مع رصاصة من الاتجاه الذي تتمركز فيها جماعة أنصارالله (الحوثيين)، حين أطلق عليه قناص النار عندما كان ذاهبًا لجلب الماء بالقرب من المقبرة.
جددت هذه الواقعة جراحًا قديمة وأضافت إليها مزيدًا من الحسرة، وقد فقدت سابقًا ولدها علي، وفي العام 2015، إبراهيم. لم يتبقَّ لعجيبة اليوم سوى ذكريات ألم متواصل وولدين معاقين، إضافة إلى مواجهتها لأعباء العوز وضيق الحال.
ضاقت الحال بعجيبة، وتوالت عليها النكسات، ولم تجد من يعينها على تدبّر شؤون يومها، أو يقدم لها يد المساعدة. تركت القرية وغادرتها إلى محافظة حضرموت في عام 2016، لعلها تجد في هذه الهجرة الداخلية حالًا لما عانته. ومنذ ذلك الحين لم يعد أحد يسمع عنها شيئًا.