يتعرض اليمن لتأثيرات مناخية عاصفة، حيث يعدّ واحدًا من البلدان التي باتت في السنوات الأخيرة تشهد تقلبات عنيفة في الطقس، إلى جانب ما تعيشه البلاد من تبعات بفعل الحرب والصراع الدائر منذ العام 2015.
ويشهد اليمن تغيرات مناخية أثّرت على سبل العيش، إذ يعتبر العام المنصرم (2022) ثالثَ أكثر الأعوام جفافًا خلال العقود الأربعة الماضية، بعد 2014 الأكثر جفافًا والعام 2000، كما شهد 2022، تناقصًا في هطول الأمطار، وأنماطًا متطرفة من تغيرات المناخ، وارتفاع درجات الحرارة، والجفاف، والفيضانات.
في هذا الصدد، التقت "خيوط" الخبيرَ المختص بالمناخ، أستاذ جغرافيا المناخ بجامعة عدن، الدكتور ياسر عمر الهتاري، الذي تحدث حول العديد من القضايا المتعلقة بتأثير التغيرات المناخية على درجة الحرارة في بعض المناطق اليمنية، وتأثيرات انبعاثات الغازات على ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتصحر.
- عند تناول ظاهرة التغيرات المناخية، يتم الخلط بين مصطلح التغيرات المناخية ومصطلح الاحتباس الحراري، فالتغيرات المناخية هي تغيرات سالبة أو موجبة في عناصر المناخ، أما الاحتباس الحراري فهو عملية طبيعية ضرورية لحفظ درجة الحرارة في الغلاف الجوي للأرض، فالغلاف الجوي يعمل على حبس مقدار من الحرارة في مجموعة من مكوناته من بعض الغازات والغبار وبخار الماء، للحفاظ على درجة الحرارة اللازمة والكافية لإقامة الحياة على سطح الأرض للإنسان والنبات والحيوان على حد سواء، فلولا عملية الاحتباس الحراري لانعكست الحرارة بكاملها ولَأصبحت الأرض كوكبًا متطرفًا في درجة حرارته ليلًا ونهارًا وخلال فصول السنة المختلفة، ولَاستحالت الحياة عليها، فيجب ألّا يتم الخلط نهائيًّا بين المفهومين.
اليمن تعاني من شح مائي في معظم أحواضها المائية، إذ يتجاوز السحب المائي السنوي كميات التغذية السنوية، وفي بعض الأحيان تتدنى التغذية المائية الجوفية إلى ما نسبته 16% فقط، مقارنة بالسحب، كما هو حاصل في حوض صنعاء.
كذلك من أبرز العوامل المؤثرة في التغيرات المناخية، زيادة انبعاثات الغازات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، إضافة إلى زيادة في انبعاث مركبات الكلوروفلوروكربون (المعروفة صناعيًّا باسم الفريون) والتي تعمل على تدمير غاز الأوزون، فتسمح بمرور مقدار أكبر من الإشعاع الشمسي، ما يعمل على تسخين أكبر للأرض. ويعاني اليمن من تلوث شديد في الهواء والماء، وتراجع للغابات والغطاء الشجري، ما قد يكون له دور في ارتفاع درجة حرارة اليمن.
وليس من العدل تحميل التغيرات المناخية فقط على عاتق الإنسان وأنشطته المختلفة، فالكرة الأرضية قد شهدت خمسة عصور جليدية رئيسية، استمر بعضها حوالي 20 مليون سنة، هذا غير العديد من العصور الجليدية الثانوية، إلّا أنّه قد تخللتها فترات دفيئة شهدت خلالها الأرض ارتفاعًا في درجات الحرارة أزاحت الجليد من قارات بأكملها في فترات لم يكن الإنسان أصلًا قد ظهر بَعدُ على سطح الأرض.
توصلت دراسة للدكتور الهتار، حول التغيرات الحرارية والمطرية في مدينة عدن للفترة من 1881، إلى 2004، إلى أنّ حرارة المدينة قد ارتفعت خلال هذه الفترة بمقدار 1.6°م، وهي زيادة تعد كبيرة خلال نحو 124 سنة فقط. وفي دراسة أخرى أيضًا حول التغيرات المناخية الحرارية في اليمن، للفترة 1984-2018، أظهرت بأن درجة الحرارة عمومًا قد ارتفعت بحوالي 0.9°م، وهو معدل تغير يعدّ أيضًا مرتفعًا جدًّا مقارنة بالتغير الحراري العالمي، خلال نفس الفترة.
تأثير المناخ على حياة اليمنيين
- ماذا بخصوص التغيرات المناخية التي يشهدها اليمن على الاقتصاد والقطاع الزراعي في اليمن؟
- التأثير بالنسبة لليمن كبير على مختلف الأنشطة الاقتصادية، فالقطاع الزراعي محكوم بدرجة رئيسية بالظروف المناخية، إذ إنّ ارتفاع درجة الحرارة يؤدّي بالتأكيد إلى عدد من المتتاليات المؤثرة على الزراعة، حيث ستزداد معدلات التبخر، ما يعني الحاجة إلى المزيد من المياه للري في بلد تعاني أصلًا نطاقات واسعة منه، من شح في المياه، وهو ما سيؤدّي إلى استهلاك أكثر للمياه الجوفية، كما أنّ لارتفاع درجة الحرارة بالتأكيد تأثيرًا على نطاق زراعة بعض المحاصيل على المدى المتوسط والبعيد، فستهاجر زراعة بعض المحاصيل نحو نطاقات ملائمة أكثر حراريًّا وإلى إحلال محاصيل أخرى أكثر ملاءَمة لهذا التغير في المناخ.
- ما الذي تقوله أيضًا عن التأثيرات التي قد تطال القطاع السمكي؟
- التأثير على القطاع السمكي سيكون أكثر وضوحًا، كون القطاع الزراعي يمكن السيطرة عليه نوعًا ما بالتدخل البشري للتخفيف أو التأجيل من تأثيرات المناخ عليه، أما بالنسبة للقطاع السمكي فمن المستحيل أن يكون هناك مجالٌ للتدخل البشري للتأثير على درجة حرارة البحر، وبالتالي على مسارات الأسماك نحو مناطق تكاثرها أو بيضها ونموها، كون العوالق البحرية والكائنات البحرية الأصغر، هي أكثر حساسية للتغير في درجة البحر، وبكل سهولة يمكن أن تنفق بسبب هذا التغير؛ وبالتالي حدوث خللٍ واضح في السلسلة الغذائية للأسماك والكائنات البحرية الأخرى، الذي سيؤدي بدوره إلى تغير في مساراتها التي قد تكون إلى نطاقات هي في غير مصلحة الصياد اليمني.
موضوع المجابهة قد مضى أوانه، وعلينا أن نبدأ أولًا بمعالجة الأضرار التي قد وقعت بالفعل، ومن ثم البدء بخطط المجابهة، فلا يمكنك أن تتخذ من المجابهة أسلوبًا في الوقت الذي بالفعل قد وقع فيه الفأس على الرأس.
إضافة إلى أنّ ارتفاع درجة الحرارة يعني ارتفاع في تبخر ماء البحر، ما سيؤدي إلى زيادة في نسبة الملوحة، وهو أيضًا أمر بالغ الحساسية على العوالق البحرية والكائنات البحرية الأصغر، ولا ننسى بالأخير أنّ الصياد اليمني لا يزال يزاول مهنة الصيد بأبسط صورها التقليدية، وهي أساليب بالكاد تكفي للإنتاج، ولا قدرة لها على مواجهة ومجابهة الأخطار المحدقة بها، والأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة للمزارع اليمني.
المياه والجفاف
- كيف تقيم الواقع المائي في اليمن؟
- أزمة المياه مشكلة أخرى تعم الشعب اليمني كافة، وليست فقط الشرائح الاقتصادية والمنتجة، فاليمن تعاني من شح مائي في معظم أحواضها المائية، إذ يتجاوز السحب المائي السنوي كميات التغذية السنوية، وفي بعض الأحيان تتدنى التغذية المائية الجوفية إلى ما نسبته 16% فقط، مقارنة بالسحب، كما هو حاصل في حوض صنعاء مثلًا، و33% في حوض تعز، ويعد حوض رداع أفضل الأحواض المائية الحرجة حاليًا بنسبة تغذية تصل إلى 41% نسبة إلى السحب.
لذا، فإنّ بعض هذه الأحواض قد تدخل مرحلة الجفاف خلال 20 عامًا فقط، بمستويات السحب والتغذية هذه، هذا غير مشاكل التملح التي ستعاني منها مياه هذه الأحواض قبل انتهاء هذه السنوات بكثير بسبب انخفاض منسوب المياه فيها؛ وبالتالي انقراض قرى ومدن بأكملها إذا استمر الحال على ما هو عليه.
هذا كله في ظلّ الظروف المناخية وكميات الهطول المطري الحالية، ولا يمكنني تخيل الوضع في ظلّ تغيرات مناخية تؤثر سلبًا على كمية الأمطار التي تغذي أحواض اليمن المائية، حينها الوضع سيزيد سوءًا على أكثر السيناريوهات تشاؤمًا.
الواقع والمستقبل
رؤية حول المناخ في اليمن؟
في فترة ما قبل الحرب والأزمة العسكرية والسياسية الراهنة، كان يتم التعامل مع البيئة عمومًا، والتغيرات المناخية خصوصًا، وكأنها ترف غير مستحق للاهتمام، فالوضع البيئي هش بشكل عام، ومع هذه الأزمة التي تمر بها اليمن، ازداد الأمر سوءًا، وأصبحت التغيرات المناخية في صفحة الوفيات، وهي آخر شيء قد يتبادر إلى ذهن قادة البلاد العسكريين منهم والمدنيين، ولا تعيرها أيُّ منظمات مجتمعية محلية أدنى اهتمام سوى ما كان لغرض الحصول على تمويل لا يجد طريقة لمكافحة التغيرات المناخية، وفي ظلّ هذا الوضع الحكومي اللامبالي ومنظمات المجتمع المدني المستنفعة من أموال المانحين، فإنّه لا يوجد من يعي قدر هذه المشكلة، ولا يمكن أن نرى أيّ ثقب في جدار المستقبل يمكن أن يدخل منه بصيص أمل حقيقي لمكافحة آثار التغيرات المناخية ومقاومتها أو حتى التكيف الإيجابي معها. كلفة التأخير ستكون باهظة جدًّا قد تفوق القدرات الإقليمية وحتى الدولية، فضلًا عن القدرات المحلية، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فسيجد القائمون على هذا البلد أنفسهم فجأة أمام ورم بيئي في مراحله الأخيرة لا يمكن علاجه.
- كيف ترى مستقبل اليمن في ظلّ هذه التغيرات المناخية؟
- لا يمكن أن ننظر لهذه المسألة على أنّها تخص اليمن، فالمناخ مشكلة ذات أبعاد يمكن ترتيبها بأنها فردية ثم محلية ثم إقليمية ثم عالمية، لهذا لا يمكن أن تكون لها حدودٌ سياسية في نطاق اليمن.
كما أنّ الطاقة البديلة الشمسية أو طاقة الرياح هي ما يمكن أن يكون جزءًا من الحل في هذا الوقت، فأقوال كهذه هي فقط للاستهلاك الإعلامي ومحاولة لإغلاق النافورة بأصبع في ظلّ الوضع الاقتصادي للبلاد.
موضوع المجابهة قد مضى أوانه، وعلينا أن نبدأ أولًا بمعالجة الأضرار التي قد وقعت بالفعل، ومن ثَم البدء بخطط المجابهة، فلا يمكنك أن تتخذ من المجابهة أسلوبًا في الوقت الذي بالفعل قد وقع فيه الفأس على الرأس.
يجب وقف النزيف أولًا ومِن ثَمّ البدء بالعمليات التجميلية، بمعنى أنه يجب أولًا تقوية المجتمعات المحلية وتمكينها اقتصاديًّا بدعم محلي خالٍ من الفساد وانتهاز الفرص، وبشراكات إقليمية ودولية حتى يمكن لهذه المجتمعات أن تساعد في كونها شريكة بالحل لا جزءًا من المشكلة، فالتمكين الاقتصادي هو رأس الأفعى الذي يجب التمسك به، بعدها يمكن أن يتم البحث عن بدائل الطاقة وترشيد استهلاكها، أمّا أن تطالب المجتمعات الفقيرة بأن تمتنع عن حرق الحطب لتحضير طعامها الهزيل، في الوقت الذي لا تجد فيه هذه المجتمعات القدرة على شراء الطعام، فضلًا عن شراء أسطوانة غاز، فهذا هو الهراء بعينه. يجب علينا ألّا نحشر المجتمعات الفقيرة عنوة في زاوية الاختيار بين ثقب الأوزون وبين ثقب الجوع في بطون أطفالهم، فالمعركة خاسرة، والنتيجة المتوقعة لا يمكن أن تكون أفضل من نتيجة الحوار مع جثة.