التلوث البيئي يربك هرمونات النساء

اضطرابات تصطدم بثقافة العيب في اليمن
شيماء القرشي
August 15, 2024

التلوث البيئي يربك هرمونات النساء

اضطرابات تصطدم بثقافة العيب في اليمن
شيماء القرشي
August 15, 2024
.

طوال سنواتٍ عديدة، كان ثابتًا لدى الجميع تقريبًا، أنّ التلوث البيئي -بجميع أنواعه التي تمثّل تهديدًا عالميًّا- لا يُفرِّق بين الجنسين في مقدار التأثير والأذى، لكنَّ العِلمَ والواقع يكشفان لنا راهنًا عن رابطٍ متين للعامل البيئي في التأثير على النظام الهرموني والغُددي للمرأة، إذ يظهر بشكلٍ واضح في اضطرابات الدورة الشهرية، كمؤشرٍ صحي على وجود خطأ ما، وعلى نحوٍ يبيّن أنّ المرأة تدفع ثمن التلوث البيئي أكثر من غيرها. 

هذه الاضطرابات لا تقتصر على الجانب الفيزيولوجي، بل يمتد تأثيرها إلى المساس بالصحة النفسية والعاطفية للمرأة، هذا فضلًا عن مخاطر تلوث البيئة، التي تؤثر على قدرة المرأة على الإنجاب مستقبلًا إذا لم تُعرِّضها لمخاطر الإصابة بالأمراض المستعصية. 

اضطراب هرموني 

طالما كانت الدورة الشهرية جزءًا أساسيًّا من حياة المرأة، فالتغيرات المناخية المتسارعة، من ارتفاع في درجات الحرارة إلى زيادة في التلوث، تؤثر بشكل مباشر على النظام الهرموني للمرأة، مما يؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية، وزيادة في حدة الأعراض المصاحبة لها، بحسب الدكتورة أمل الحسني- طبيبة نساء وولادة، لـ"خيوط". 

أمَّا عن كيف يحدث ذلك، فتوضح الحسني، أن بعض الملوثات تكون ذات بنية كيميائية مشابهة لهرمون الإستروجين، مما يسمح لها بالارتباط بمستقبلات الإستروجين في الجسم والتداخل مع وظائفها الطبيعية؛ هذا التداخل يمكن أن يؤدّي إلى اضطرابات هرمونية تؤثر على الدورة الشهرية، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض الثدي وسرطان الرحم. إضافة إلى أن بعض الملوثات الأخرى، مثل المبيدات الحشرية الثقيلة التي يتم استخدامها أثناء الزراعة، يمكن أن تثبط إنتاج الهرمونات الطبيعية في الجسم، مما يؤدي إلى اختلال في التوازن الهرموني في جسد المرأة.

تؤدي الأحداث المناخية المختلفة، مثل الفيضانات والعواصف، إلى زيادة مستويات التوتر والقلق، مما قد يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للمرأة، ويؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية، كما أنّ نسب الحرارة والبرودة وهطول الأمطار، كلها أمور تدخل في توازن هرمونات المرأة وحالتها الصحية.

"تظهر أعراض الاضطراب الهرموني الناجم عن التلوث لدى المرأة في أشكال متعددة، مثل عدم انتظام الدورة، وزيادة النزيف، وآلام شديدة، بل قد يؤدّي التلوث إلى تقليل الخصوبة لدى النساء، وزيادة خطر الإجهاض، وتأخر الحمل. ويمكن للملوثات أن تتراكم في جسم الحامل وتنتقل إلى الجنين، ممّا يؤثر على نموه وتطوره، ويزيد من خطر الإصابة بتشوهات خَلقية"؛ تضيف الدكتورة الحسني لـ"خيوط". 

تحفظات ضارة 

في اليمن -كغيرها من المجتمعات التقليدية، في بلدان كثيرة من العالم- يُنظر إلى الدورة الشهرية بوصفها أمرًا معيبًا يجب عدم الحديث عنه، رغم ارتباطه المتأصل بالطبيعة الفسيولوجية للمرأة، ورغم التسليم بأنّ الاهتمام بالمرأة أثناء الدورة الشهرية قد يحافظ على صحتها الإنجابية التي ستحافظ في ذات الوقت على صحة وسلامة الأطفال. 

التعامل مع هذا الموضوع بنوع من التحفظ على المستوى العام، خلق زاويةً من الظل في هذا الجانب على المستوى البحثي والصحي والتنموي في اليمن، وهو ما يفسّر إغفال كثير من المختصين هذا الموضوع عن دائرة اهتمامهم، رغم أنّ موضوع تأثير التلوث على التوازن الهرموني في جسم المرأة، أضحى موضوعًا يحظى بالاهتمام في الأوساط العلمية، ولم يعد محض فرضيات، بل إحدى المُسَلَّمَات التي أثبتها العلم والتجربة. 

تؤكّد صباح الدروبي- مختصة علم اجتماع، لـ"خيوط"، أنّه مع التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، والتلوث البيئي الواسع الذي لم يكن اليمن بمنأى عنه، يصبح من الضروري نشر الوعي حول الآثار الصحية والاجتماعية لتغير المناخ والتلوث البيئي على المرأة، وتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها، بل وتمكين النساء من خلال برامج التدريب، لتتمكن من التكيُّف مع التغيرات المناخية، والمساهمة في حل المشكلات البيئية التي قد تواجهها لا محالة.

انعكاسات نفسية 

توضح الدكتورة إيمان البكاري- طبيبة نفسية، لـ"خيوط"، أنّ المرأة بشكل عام تعاني من اضطرابات نفسية وعصبية مختلفة أثناء الدورة الشهرية، والسبب يعود إلى التغيرات الهرمونية الحاصلة في جسدها أثناء فترة الطمث، ولكن قد تتفاقم تلك الاضطرابات بصورة مختلفة بفعل أمور خارجية، كالتلوث البيئي الذي له ارتباط كبير بالحالة النفسية والمزاجية، التي تظهر أحيانًا بصورة مبالغ فيها، وقد تبدو للبعض مبهمة وعصيّة على التفسير. 

وبحسب الدكتورة البكاري: "قد تؤدّي الأحداث المناخية المختلفة، مثل الفيضانات والعواصف إلى زيادة مستويات التوتر والقلق، مما قد يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للمرأة ويؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية، كما أن نسب الحرارة والبرودة وهطول الأمطار، كلها أمور تؤثر في توازن هرمونات المرأة وحالتها الصحية".

اهتمام علمي متزايد

بدأ تسليط الضوء على مشكلة تأثير التغير المناخي وتلوث البيئة على هرمونات المرأة واضطرابات الدورة الشهرية لدى النساء في الوسط العلمي، مع اكتشاف الباحثة في جامعة بوسطن باتريشيا هانت، لمادة (بيسفينول – A)، أو (BPA)، وهي مادة سامة وخطيرة في البلاستيك، وقد تتسبب بالسرطان وغيره من الأمراض. واكتشفت هانت أنّ مادة (بيسفينول – A) كان لها تأثير على إنتاج الحيوانات المنوية والبويضات والكروموسومات الذكرية والأنثوية، بالإضافة إلى أن المواد الكيميائية الأخرى المستخدمة في المواد البلاستيكية على نطاق واسع، بما في ذلك "البارابين" و"الفثالات" و"مثبطات اللهب"، تؤدّي إلى اختلال الغدد الصماء، وقد تؤثر بشكل مماثل لتأثيرات (BPA) في الخصوبة، بحسب "هانت".

على صعيد علمي متصل، حول تأثير التلوث على النظام الهرموني والغدد التناسلية لدى المرأة، تأتي دراسة نشرتها دورية "هيومان ريبروداكشن" العلمية، أجراها باحثون من كلية الطب بجامعة بوسطن، أُجريت على مجموعة من المراهقات، تتراوح أعمارهن بين 14 و18 سنة، واستخدموا البيانات الطبية للمشاركات في الدراسة، وربطوها ببيانات مقاييس نظام مراقبة جودة الهواء التابع لوكالة حماية البيئة الأمريكية، التي ترصد نسب تلوث الهواء.

ووجد الباحثون أنّ كثرة التعرض للجسيمات الدقيقة التي تستنشقها المراهقات نتيجة تلوث الهواء، ترتبط بزيادة احتمالية التعرض لعدم انتظام الدورة الشهرية لديهن بعد البلوغ.

من واقع التجربة في البيئة اليمنية، ولا سيما في المناطق الأكثر تلوثًا بالمواد الكيميائية الناجمة عن المتفجرات أو الملوثات الأخرى، يظل المتفق عليه أن ملايين النساء في اليمن، يعانين من مخاطر صحية لا تقتصر فقط على مشكلة واحدة.

ووفقًا لقائدة فريق البحث، الدكتورة/ شروثي ماهالينجيا، أستاذة أمراض النساء والتوليد بكلية الطب بجامعة بوسطن، فإنه "رغم أنّ التعرض لتلوث الهواء يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والرئة، فإنّ هذه الدراسة تشير إلى أنّ هناك أنظمة أخرى في الجسم تتأثر بالتلوث، مثل نظام الغدد الصماء التناسلي".

لا مُستثنى من قسمة الحرب!

أدّى الصراع في اليمن، طيلة السنوات التسع الماضية، إلى إحداث اختلالات بالبيئة اليمنية، خصوصًا في بعض المناطق التي تعرضت لكميات من الملوثات الكيميائية السامة، طالت الهواء والتربة والمياه، من خلال استخدام أنواعٍ من المتفجرات والقنابل التي تم إلقاؤها على قرى أو مناطق سكنية أو زراعية أو في نطاق النشاط البشري للمدنيين؛ الأمر الذي ظهرت أعراضه في زيادة ظاهرة تشوه الأجنّة ومعدلات حالات الإجهاض في المناطق التي تعرضت لكميات كبيرة من تلك الملوثات الكيميائية، التي يُعتقد أنّها تحتوي على مقدار من الإشعاع. ورغم أن ذلك لم يتم اختباره وإثباته علميًّا حتى الآن بسبب ضعف الإمكانيات والخبرات في اليمن، فإنّ ملامح تلك الأعراض صارت تتكرر بصورة ملفتة في المناطق التي تعرضت للقصف، بأنواع شتى من القنابل خلال العمليات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن، منذ مارس/ آذار 2015. 

إلى جانب ذلك، ساهمت موجات النزوح التي دفعت مئات الآلاف من اليمنيين في أكثر من منطقة يمنية من مناطق التوتر إلى النزوح من مساكنهم وقراهم بحثًا عن الأمان في مناطق أخرى، رافق ذلك اضطرارهم إلى العيش في بيئات ومخيمات غير صحية، وعرضة للملوثات البلاستيكية والكيميائية.

يضاف إلى ذلك، الاستخدام العشوائي والمفرط للمبيدات الحشرية، التي يتم بيعها والترويج لها واستخدامها بشكل منفلت، في رش المحاصيل الزراعية التي يتناولها اليمنيون، مثل الخضروات والفواكه والقات أيضًا، والتي تؤثر بشكلٍ بطيء ومتراكم على الصحة ووظائف الأعضاء في الجسم.

هذا، ويتذيل اليمن قائمة البلدان عالميًّا في نظافة المدن، حيث تفتقر المدن اليمنية، بما فيها العاصمة صنعاء، إلى الحد الأدنى من النظافة أو البنية التحتية الجيدة للصرف الصحي أو تصريف مياه الأمطار، الأمر الذي يجعل كل هذه العوامل الملوِّثة تتضافر جميعًا في خلق بيئة غير صحية، ليس لصحة المرأة وحسب، بل صحة المجتمع عمومًا.

ورغم عدم وجود إحصائيات أو دراسات محلية بشأن تأثير التغيرات المناخية والتلوث على هرمونات المرأة، من واقع التجربة في البيئة اليمنية، ولا سيما في المناطق الأكثر تلوثًا بالمواد الكيميائية الناجمة عن المتفجرات أو الملوثات الأخرى، يظل المتفق عليه أنّ ملايين النساء في اليمن يعانين من مخاطر صحية لا تقتصر فقط على مشكلة واحدة، حيث يوجد نحو ستة ملايين امرأة وفتاة يمنية في سنّ الحمل والإنجاب، تتراوح أعمارهن ما بين 15 و49 سنة، يحتجن إلى الدعم؛ بسبب النقص المتزايد في المواد الغذائية، في حين تعاني أكثر من مليون امرأة حامل من سوء التغذية، وهن معرضات لإنجاب أطفال يعانون من التقزُّم، بالإضافة إلى 114 ألف امرأة معرضة لخطر الإصابة بمضاعفات أثناء الولادة، وفقًا لإحصائيات حديثة لصندوق الأمم المتحدة للسكان.

•••
شيماء القرشي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English