أطلق الشباب اليمني العنان لإبداعه، خصوصًا بعد اندلاع الحرب في اليمن، إذ ظهرت للعلن أفضل الأعمال الشبابية التي تتسم بالإبداع والابتكار والبصمة الشبابية اليمنية المميزة في مختلف المجالات. إنتصار عبدالله الآنسي، فنانة في الـ26 ربيعًا، أبهرت المتابعين مؤخرًا بأعمالها الفنية التي استطاعت من خلالها إيصال رسالة عن اختلاف الشعوب حول العالم من خلال فن الرسم بخيوط الصوف على القماش، فأنتجت لوحات فنية رائعة.
تتحدث إنتصار لـ"خيوط"، قائلةً: أتذكر منذ كنت صغيرة، كانت فكرة اختلاف أشكال البشر حول العالم تبهرني جدًّا، كنت أرى كل الأشكال جميلة بطريقة مميزة ومثيرة للدهشة"، وتضيف الآنسي: "من هنا قررت أن تكون لوحاتي مستوحاة من جمال الحضارات، الذي يعكس جمال اختلافنا".
ويعد فن التطريز أحد الفنون العريقة في تاريخ الحضارات السابقة، ومن الفنون التي ما زالت موجودة إلى يومنا هذا بأشكاله وأنواعه المختلفة، وبأدواته المعروفة المتمثلة بقطعة القماش، وإبرة التطريز، وطوق التطريز لشد قطعة القماش المخصصة للتطريز. استخدمت إنتصار كل هذه الأدوات، ولكنها استطاعت خلق نتيجة مبتكرة لها رسالة عظيمة؛ تتحدث إنتصار لـ"خيوط" قائلةً: "تعمدت أن أقوم بعمل اللوحات بدون إظهار معالم الوجه، بحيث تكون الحضارة وتفاصيلها كافية لجعل المشاهد قادرًا على تخيل معالم وجوه الأشخاص وجنسياتهم".
وتستطرد إنتصار: "أما من ناحية التنفيذ فقد استخدمت طريقة جديدة في الرسم بعيدة عن الفرشاة والألوان، ووجدت أن أبسط رابط بين كل حضارات العالم هو الخيط، بعدها قررت أن أرسم بالتطريز مستخدمة الخيوط، ولكي أبرز جمال اللوحة، اخترت أن أطرز على قماش التل المعروف بشفافيته رغم صعوبة التطريز عليه".
تقول إنتصار إنها تعمدت القيام بعمل اللوحات بدون إظهار معالم الوجه، بحيث تكون الحضارة وتفاصيلها كافية لجعل المشاهد قادرًا على تخيل معالم وجوه الأشخاص وجنسياتهم
شكّل البَدء بعمل هذا المشروع، تحدّيًا كبيرًا واجه إنتصار كما تقول: "أردت تحدي نفسي بخوض هذه التجربة، التي لم أجربها من قبل، والتي حذرني كثيرون من صعوبتها، لكنني قررت خوض التجربة واختبار نفسي كفنانة لديها وقت محدد، مطلوب منها في الوقت ذاته تقديم عمل متميز جديد لم يتم عمله في أي مشروع من قبل"، وتضيف: "أساس مجالنا هو الإبداع والابتكار والتميز، كان هذا هو الاختبار الحقيقي لما تعلمته طوال هذه السنين".
تستهلك اللوحة الواحدة من وقت وجهد إنتصار متوسط أسبوعين بين الزيادة والنقصان، يختلف ذلك حسب تفاصيل اللوحة. والعمل المتواصل لمدة 18 ساعة يوميًّا. واستطاعت رغم ذلك أن تنتج هذه اللوحات خلال أربعة أشهر.
بدائل إبداعية
رغم الصعوبات التي قد يواجهها الفنان في أي مكان في العالم، إلا أن الفنان اليمني أكثر بكثير، وعادةً ما يكون لهذه الصعوبات بدائل إبداعية أو بدائل بجودة أقل. تتحدث إنتصار لـ"خيوط" عن الصعوبات التي واجهتها قائلةً: "واجهتني الكثير من الصعوبات، أهمها في المواد الأولية المتمثل في توافر الخيوط، وذلك بسبب الحصار المفروض اليمن، إذ انصرف التجار عن استيراد معظم الأشياء التي يعتبرونها من الكماليات"، وتكمل إنتصار: "لم أجد معظم ألوان الخيوط التي أحتاجها، لكن خدمني كون أمي مصممة أزياء، وبحوزتها كميات وأنواع لا بأس بها من خيوط التطريز كانت قد اقتنتها قبل الحرب"، وتشير إنتصار لصعوبة أخرى متمثلة في اضطرارها لتصميم إطارات اللوحات عن طريق النجارين، "اضطررت لتصميم إطارات اللوحات عن طريق النجارين، بسبب أنه لا يوجد لدي الطاولة الخاصة بالتطريز، التي صممت واحدة منها لاحقًا".
تواصل إنتصار سرد الصعوبات التي واجهتها قائلة: "ومن الصعوبات أيضًا، أني لم أكن أعرف شيئًا عن هذا الفن حتى في اليوتيوب، إضافة إلى الافتقار إلى وجود مراكز في اليمن لتعليم هذا الفن، ما دفعني للارتجال والتعلم بالتجربة والخطأ".
طموح
لم تنتهِ الصعوبات هنا، كما تقول إنتصار؛ تحدثنا عن واحدة أخرى قائلة: "من أكثر الصعوبات التي أحزنتني هي عدم قدرتي على إنتاج فيديو للوحات في صنعاء القديمة؛ إذ منعت من التصوير هناك بسبب فرض حظر التصوير في الشوارع، الذي أعلنته جماعة أنصار الله (الحوثيين)".
بعد النجاح الذي حققته أعمال إنتصار، تتحدث عن طموحها لنشر ثقافة فن التطريز بين اليمنيين، وإيصال رسالة أن اليمنيين قادرون على الإبداع ومواكبة تطور الفنون في العالم، رغم كل الأوضاع السيئة التي يعيشونها. مضيفةً: "الفن رسالة وأخلاق وسلام بالنسبة لي؛ لذلك أهرب اليه وأصنعه بنفسي"، وتختم حديثها: "الفن الذي قدمته في لوحات عالم من الخيوط هو فن الحضارات واليمن، اليمن الذي كان من أعظم الدول في الفنون، حيث تميز أجدادنا بكونهم مصممين وفنانين رائعين، أتمنى أن تسنح لنا الفرصة لنبدع مثلهم؛ لأن فن اليوم هو حضارة المستقبل"، تقول إنتصار.
اللوحات التي أنتجتها الفنانة إنتصار: