ترك حسن قورح (32 سنة)، بلدته (عديلي) في إقليم أورومو، جنوب أثيوبيا المتاخم للصومال، في أغسطس 2020، هربًا من سوء المعيشة، والفوضى الأمنية، بعد أن ضاقت به الحياة، وشجعه شبان آخرون، يعانون كمعاناته، على الهجرة إلى السعودية، مرورًا بالصومال واليمن.
يحكي قورح الذي التقت به "خيوط" يوم الإثنين 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وهو على رصيف مطعم السنابل في مدخل مدينة صعدة شمال اليمن، عن رحلة سفره الطويلة والشاقة والمحفوفة بكل المخاطر من إقليم الأورومو إلى اليمن.
فبعد أن ودع قبل 63 يومًا زوجته وطفله الوحيد محمد، انطلق مع مجموعة من شباب بلدته الصغيرة، مشيًا على الأقدام باتجاه دولة الصومال المجاورة.
ثلاثة أسابيع كان زمن الشوط الأول من الرحلة إلى طريق الأحلام كما يقول: "كانت أيامًا وليالي صعبة ومعاناة لا توصف"، اغرورقت عيناه بالدموع، وحكت ملامحه عن حقبة من العذاب المستطير.
أطلق تنهيدة من أعماق قلب مكلوم ومضنى، حين قال: "آااه، آه كانت وما زالت أيامًا لم ولن تنسى. من أصعب الأيام وأمرها. لقد عانيت ورفاقي كثيرًا، ولا ندري ماذا ينتظرنا بعد؟ كدنا أن نموت مرارًا وتكرارًا من العطش والجوع والإرهاق، ومن أخطار قاطعي الطرق، والحيوانات المفترسة. لقد تصلبت أقدامنا من المشي".
وصل قورح ورفاقه إلى "بصاصو"، الميناء الرئيس في الصومال، والذي هو مجمع للمهاجرين الأفارقة من أثيوبيا، والصومال، وأرتيريا، لتبدأ رحلة الإبحار على أكف العفاريت إلى اليمن.
تعتبر الحدود اليمنية السعودية بؤرة تهريب نشطة للمهاجرين، سواء اليمنيين أو الأفارقة الذين يعبرون البحر ومن ثم مسافة برية كبيرة، أملًا في الاستقرار أو العثور على عيشة كريمة، لكن هذه الرحلة كانت دائمًا محفوفة بالمخاطر، حتى أتت الحرب فجعلت من هذه المنطقة جحيمًا كاملًا لهؤلاء الحالمين
حملهم قارب على ظهره ما يربو على 100 راكب (رجالًا ونساء). بعد يوم ونصف من الإبحار، وصلوا إلى السواحل اليمنية، وهذه الرحلة لم تخلُ من المعاناة والمخاطرة في أحسن الأحوال، وكثيرًا ما تقع حوادث غرق قوارب المهاجرين الأفارقة على هذه السواحل، ومنهم من يُرمى به من على متن القارب إلى أعماق المحيط. وبالرغم من أن قورح استطاع الوصول والنجاة إلا أن رحلته لم تكن سعيدة على أية حال.
فبوصولهم إلى مشارف بلدة "بئر علي" على الساحل اليمني، أمرهم المهربون بالنزول من القارب وهم على بعد 400 متر من البلدة في عمق البحر، والوصول إلى الساحل سباحة. كان الأمر صعبًا لقورح ورفاقه، الذين كثير منهم لا يجيدون السباحة، ولذا ماتوا غرقًا في البحر، ومن وصل كان بحالة يرثى لها.
قورح ورفاقه، لا يمثلون حالات فردية، إنما ظاهرة تكاد تكون يومية على السواحل اليمنية، وبالرغم من أن هذه الظاهرة كانت أكثر ازدهارًا في يمن ما قبل الحرب الأهلية الاخيرة، إلا أن وتيرتها لم تنقطع بالحرب، ما فاقم المخاطر على هذه الشريحة الهشة التي تتخذ من اليمن ممرًّا إلى دول الخليج.
فالرحلة البحرية الخطيرة ليست نهاية العذابات، حيث يجد هؤلاء المهاجرون التائهون أنفسهم يقطعون مئات -إن لم تكن آلاف- الكيلومترات داخل الأراضي اليمنية، سيرًا على الأقدام، ليستطيعوا الوصول إلى الحدود اليمنية-السعودية، دون أن يقعوا فريسة لأطراف متنازعة لا ترحم.
وعلى الحدود، هناك، يجدون أنفسهم مكشوفين إما لقناصة حرس الحدود السعودي أو قصف للطيران الحربي، وتكررت على خط التماس هذا، وقائع القصف المدفعي البري من قبل حرس الحدود السعودي الذي استهدف في أوقات سابقة منطقة الخيام وسوق الرقو.
وكانت واقعتا قصف على الأقل وقعت في منطقة سوق الرقو مديرية منبه، الأولى في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وراح ضحيتها 10 أشخاص و17 جريحًا من المهاجرين، منهم يمنيان اثنان، والواقعة الثانية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وراح ضحيتها 10 مهاجرين، بينهم يمني واحد، و22 جريحًا، بينهم ثلاثة أطفال، إلى جانب وقائع أخرى مماثلة رصدت خلال السنوات الماضية.
وتعتبر الحدود اليمنية السعودية بؤرة تهريب نشطة للمهاجرين، سواء اليمنيين أو الأفارقة الذين يعبرون البحر ومن ثم مسافة برية كبيرة، أملًا في الاستقرار أو العثور على عيشة كريمة، لكن هذه الرحلة كانت دائمًا محفوفة بالمخاطر، حتى أتت الحرب فجعلت من هذه المنطقة جحيمًا كاملًا لهؤلاء الحالمين.
فالمجاميع اليومية التي تعبر الجبال والمنحدرات ويقدر لها ألّا تقع فريسة لرصاص مناطق تماس المتقاتلين، يتم الزج بهم في سجون منطقة جيزان التي تتبع السيادة السعودية، في محتجزات أقل ما توصف بغير الآدمية، ويتم معاملتهم فيها معاملة قاسية وغير إنسانية. تقوم السلطات السعودية في كثير من الأوقات أيضًا بفرزهم مجددًا وإعادتهم إلى اليمن المحترب، دون الأخذ بعين الاعتبار النداءات الحقوقية لإعادتهم إلى بلدانهم أو تمكينهم على أراضيها.