بالرغم من تعدد وسائل النقل الحديثة، لا تزال مهنة النقل على ظهور الجمال مهنةً متوارثة جيلًا بعد جيل، خصوصًا في المناطق الريفية، كالمناطق التابعة لمحافظة لحج جنوب اليمن.
يطلق على العامل في هذه المهنة، كما هو متداول في مختلف المناطق اليمنية، اسم (الجَمَّال)، فيظل اسمًا لا يفارق من يقوم بتربية الجمال وترويضها على نقل المواد التموينية من الأسواق إلى سكان الجبال الوعرة التي لا تصل إليها إلا بشق الأنفس، نظرًا لعدم شق وتعبيد طرق المواصلات الحديثة المؤدية إلى تلك المناطق.
العامل في هذه المهنة (الجمّال) علي بن علي، يتحدث في هذا الصدد لـ"خيوط"، عن أنه يزاول هذه المهنة منذ أكثر من 50 عامًا، معتمدًا على عددٍ من الإبل لممارسة عمله ومهنته التي يفضلها على غيرها من الوظائف والمهن الأخرى، ففي حال بلغت الناقة الكبر أو نَفَقَت -وفق حديثه- يظل يبحث عن أخرى حتى يجد ناقة مناسبة.
أسرار المهنة
عملية ترويض وتدريب الإبل ليست بالعمل السهل، كما قد يظن البعض، إذ تحتاج عملية ترويضها -كما يوضح علي- حتى تصبح وسيلة للنقل ومصدرًا للرزق، مدة تتراوح بين (3-6) أشهر، مضيفًا أنّ الإبل لا تدخل إلى سوق العمل حتى تتجاوز مرحلة التدريب بنجاحٍ تام، يسبقها مرحلة يتم فيها التركيز على اختبار قدراتها وتهيئتها لاستيعاب عملية التدريب والترويض، وقبولها لربط السرج على ظهرها، وتلقينها كلمات و"حركات" معينة للقعود أو النهوض متى شاء مالكها.
لا وجود لمراكز بيطرية بمثل هذه المناطق ونقص الأطباء البيطريين الذين بإمكانهم الاعتناء بالجِمال في حال إصابتها بالأمراض، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف العقاقير البيطرية إلى مستويات تفوق قدرات المواطنين العاملين في تربية هذه الحيوانات.
يتزامن ذلك مع التدرج في الحمل على ظهورها، يبدأ الأمر بحمل كمية قليلة من المواد ثم زيادة كميات المواد المنقولة على ظهورها بقدر معلوم رفقًا بها، فالرفق بالحيوان وفق قول ابن علي؛ أمرٌ ديني يحمله المالك ويعكسه في التعامل مع الناقة، في علاقة يسودها الانسجام التام، والتي تنعكس في تطبيق وتنفيذ الناقة لكلَّ الأوامر التي تصدر من مالكها دون غيره.
كما يتجنب مربو الإبل التعامل العنيف معها لتجنب تحولها إلى عدو -خصوصًا الذكور- لمن يضطهدها بالضرب واستخدام العنف في التعامل معها، فالجمل حيوانٌ صبور، لكنه في الوقت نفسه حقود جدًّا إذا تعرض للاضطهاد والضرب.
في السياق، يقول الجَمَّال فضل الحُجَري، وهو أحد مدربي الإبل بمنطقة الصبيحة لـ"خيوط"، إنّ هذه المهنة مهنة متوارثة أبًا عن جدّ، وهي مصدر دخله الوحيد في ظلّ الأزمة والانهيار الاقتصادي جراء الحرب، إضافة إلى ما يمثله هذا العمل الذي يستمتع بممارسته، حيث لا يستطيع الاستغناء عنه، حد تعبيره.
يشير الحجري إلى أنَّ الرحلة على الناقة من مكان إلى آخر طلبًا للرزق أو تتبع المرعى، يعد من أجمل المواقف والذكريات التي تظل عالقة في مخيلته، يقول: "العيش بين الإبل جعلني أكتسب الكثير من أسرارها وأساليب التعامل معها، ولا يطيب لي العيش إلا بوجودها".
مستدلًّا على هذا الشغف بأبيات من قصيدة بعنوان (عليل امْهَوى) للشاعر اليمني علي عبدالرحمن جحاف، غنّاها الفنان أيوب طارش:
وأباه ما أحلى امتجوال
وما ألذ امتسالي
يا ليت عشت جمّال أعيش وأرعى جمالي
وأنا على غير ذا امحال، مستور لا بي ولي.
إلى ذلك، يمثل انتشار الأمراض ونفوق الكثير من الإبل، شبحًا يهدد هذه الثروة الحيوانية من الإبل، حيث ارتفعت أسعارها إلى أكثر من مليون ريال يمني.
ويؤكد الحجري غياب الدعم الحكومي، فلا وجود لمراكز بيطرية بمثل هذه المناطق ونقص الأطباء البيطريين الذين بإمكانهم الاعتناء بالجِمال في حال إصابتها بالأمراض، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف العقاقير البيطرية إلى مستويات تفوق قدرات المواطنين العاملين في تربية هذه الحيوانات؛ الأمر الذي يجعل مالكي الإبل يبيعونها بثمنٍ بخس خوفًا من نفوقها، وهو ما يتطلب تقديم يد العون والمساندة للحفاظ على هذه المهنة والثروة الحيوانية وتكاثر الإبل.
وتتعدد استخدامات الإبل في اليمن، كاستخدامها في إقامة مسابقة الهجن التي تشتهر بها المحافظات الشرقية من البلاد، مثل مدينة تريم بمحافظة حضرموت، التي يقام فيها سباق الهجن كموروث شعبي سنويًّا، إضافة إلى رياضة (القفز) على ناقة أو ثلاث نوق في مناطق تهامة (غربي اليمن).
كما أنها تستخدم في تشغيل وتدوير معاصر السِّمسم التقليدية، حيث يتم عصر واستخلاص زيوتها من خلال دوران الجمل حول المعصرة وهو معصوب العينين حتى لا يصاب بالدوار، ومنها جاء المثل الشعبي الشهير: "جمل يعصر، وجمل يأكل عُصار"، علاوةً على الاستفادة من ألبانها واستعمالاتها المتعددة.