بعد تحوّل مساحات الرعي إلى حقول ألغام

الحرب وقد حوّلت الحديدة إلى سوق كبيرة للإبل
خيوط
December 26, 2020

بعد تحوّل مساحات الرعي إلى حقول ألغام

الحرب وقد حوّلت الحديدة إلى سوق كبيرة للإبل
خيوط
December 26, 2020
© الصورة ل : نورية الحسيني

 لطالما ارتبطت حياة الإنسان العربي بتربية الإبل، فاكتسب منها صفات جمّة، كالصبر والجلد والعناد، حيث تتسم العلاقة بين الجمل وصاحبه بالنبل، وتنعكس صفات هذا الحيوان على ساساتها، فالقدرة على تحمل العناء والتعب هي من سمات رعاة الإبل ومربيها.

    مدينة الحديدة الساحلية (غرب اليمن)، تمتاز بطبيعة سهلية حارة، ويعمد سكانها إلى تربية الإبل؛ ليعتمدوا عليها في معيشتهم، وبالكاد يستطيعون تدبّر أمور معيشتهم من بيع ألبانها في الأسواق هناك. 

    من يزور مدينة الحديدة في الوقت الحاضر، بعد ما يقارب ست سنوات من حرب أكلت الأخضر واليابس، يلاحظ ازدياد الاعتماد على الإبل لدى سكان وسط المدينة، وعلى جوانب شوارعها الرئيسية، حتى لكثرة تواجدها، يخيل للمرء أنه في سوق كبيرة للإبل فقط، ومن يعرف الحديدة قبل هذه السنوات، سوف يستطيع تصور المشهد بسهولة. فما الذي تقوم به هذه الحيوانات في وسط مدينة؟

    تأتي الإجابة عادة، غير منفصلة عن واقع الوضع العام في المدينة، ومحافظة الحديدة بشكل عام، فمراعي الإبل التي كانت في السابق توجد في ضواحي المدينة وفي الحقول الطرفية لها، أصبحت مؤخرًا حقولًا للموت، بعد قيام الجماعات المسلحة، وبالتحديد جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بزرع الألغام هناك؛ لوقف زحف القوات المشتركة المناوئة لها إلى داخل المدينة.

أراضي هؤلاء الرعاة المتجولين، فصارت مهجورة، ولم يعودوا يحملون منها سوى ذكريات أيام الأمن والاستقرار وخلجات قلوبهم، وأملهم بأنه سيأتي الغد ويعودون إلى حياتهم الطبيعية، لكن وحتى هذا الوقت، لا يجنون من أحلامهم وأمانيهم تلك، سوى التعب والنصب والفاقة   

 الراعي سيف سعيد (اسم مستعار حسب رغبته)، يبلغ من العمر (65 سنة)، ورث مهنة تربية الإبل من أبيه وأجداده؛ لذا وبعد أن ضاقت بوجوده وإبله الحقول الملغومة، حجز له شارع الميناء الواقع غرب مدينة الحديدة لرعي إبله وبيع ألبانها، وعند سؤاله عن سبب اختياره لهذا المكان، يقول:

    "في السابق كنا نرعى باتجاه منطقة الجبّانة (شرق المدينة) حيث تتواجد المراعي الطبيعية للجمال من أشجار العصّل والبكار".

    ويضيف سيف: "بسبب الحرب مُنعنا من الذهاب إلى هناك لخطورة الألغام، فأصبحنا نرعى في أواسط المدينة في الصباح ولا نحصل في الكثير من الأوقات على مراعٍ للجمال، وفي المساء نبيع اللبن بثمن 400 ريال للقارورة (أقل من دولار للتر الواحد)، ومتوسط دخل اليوم الواحد ألفي ريال، وقد يقل أحيانًا ويذهب منه لشراء علف للإبل".

    وتضيف الحرب معاناة إضافية لفئة جديدة من سكان الحديدة (رعاة الإبل)، وتزيد من محاصرتهم ومحاصرة مصادر رزقهم، مع تحول المدينة إلى هدف محتمل للعمليات العسكرية الدائرة من ست سنوات. فبعد أن كانت الحقول الواسعة لهذه المدينة الزراعية المهمة، مرتعًا للبهائم الأليفة، أصبحت المنطقة القريبة من محيط الميناء، التي تدعى "الجثامية"، مرعى ومأوى لهذه الفئة من المجتمع في الحديدة. 

    ومثلهم مثل كل اليمنيين، اتخذ رعاة الإبل من منازل صفيح أو خيام سعف النخيل مأوى لهم، حيث لا خدمات ولا ماء ولا كهرباء ولا وسائل مواصلات، وبمعزل عن الحياة الاجتماعية العامة التي تقوضها الحرب يومًا عن يوم.

    أما أراضي هؤلاء الرعاة المتجولين، فصارت مهجورة، ولم يعودوا يحملون منها سوى ذكريات أيام الأمن والاستقرار وخلجات قلوبهم، وأملهم بأنه سيأتي الغد ويعودون إلى حياتهم الطبيعية، لكن وحتى هذا الوقت، لا يجنون من أحلامهم وأمانيهم تلك، سوى التعب والنصب والفاقة، والتي لم تعد تتحملها حتى طبائعهم التي جبلتهم عليها إبلهم.  


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English