شجرة (أَعْرِيَب) كما يسميها السقطريون أو شجرة (دم الأخوين) كما يسميها غيرهم أو (Dracaena cinnabari) كما هو اسمها العلمي، هي شجرة نادرة أصبحت رمزًا لسقطرى خاصة، واليمن عامة. لا يجهل أحد غرابة هذه الشجرة وجمالها المدهش، فهي مثل المظلة المقلوبة شكلًا، ذات جذع قد يطول إلى خمسة أمتار. وتأتي على نوعين، ذات فروع وأغصان كثيفة، وذات رأس واحد. ومن غرائب هذه الشجرة أنها تعمر طويلًا بما يزيد على ثماني مئة عام كما يقول العلماء، رغم أنها قصيرة جدًّا لا تزيد على مترين، ونموها بطيء جدًّا. أوراقها سيفية حادة، وأغصانها متقاربة متساوية في الطول في الغالب.
هذا المقال سوف يسلط الضوء على هذه الشجرة وعلاقتها بالسقطريين ثقافيًّا.
لشجرة (أَعْرِيَب) العديد من الفوائد المحلية. ومن أهم تلك الفوائد أنها تعد مصدر دخل للناس في سقطرى، فقديمًا كان يتم تصدير كميات كبيرة منها إلى خارج سقطرى، وتجني الناسُ الكثيرَ من المال والأكل مقابل الحصاد والبيع. وما زالت الناس التي تمتلك تلك الأشجار في الوقت الحاضر تبيع وتجني.
ومن فوائدها أنها تُستخدم لوقف النزيف، وخاصة لنزيف المرأة عند الولادة، والذي يستخدم منها في ذلك هو الفصوص الحمراء (أَمْصَهَل)، حيث تسحق ثم تخلط بالماء أو باللبن ثم تشرب. كما تستخدم أيضًا لنزيف الجروح، وذلك بأن تسحق ثم توضع المادة المسحوقة على الجرح.
وتستخدم أيضًا لأمراض العيون، وخاصة للحيوانات، حيث يتم سحقها وخلطها بالماء ثم تقطيرها في العين المريضة.
وتستخدم للتجميل أيضًا، حيث تقوم النساء بسحق فصوصها الحمراء (أَمْصْهَل)، وتخلطه بشيء من الماء، وتضعه على الوجه؛ لغرض التجميل والتزيين وإبعاد الكلف. وقد أخبرني أحد الأصدقاء أنَّه ظهر في وجه زوجته بياض يشبه البرص، وقد حاول معالجة ذلك بالعلاجات الطبية والطبيعية دون جدوى، ففتح النت ذات مرة باحثًا عن علاج لمشكلة زوجته، فوجد أنَّ مسحوق دم الأخوين من ضمن العلاجات المقترحة لمثل هذه المشاكل، فأخبرني أنَّه بحث عن دم الأخوين ثم استخدمه لزوجته، وما هي إلَّا أيام قلائل حتى ذهبت المشكلة نهائيًّا.
وتستخدم كذلك للتلوين، حيث تستخدمه النساء التي تصنع الأواني الفخارية كمادة تلوين، حيث تذاب مادته الحمراء (أَمْصْهَل)، وتوضع على الإناء الفخاري لتعطيه اللون الأحمر الرائع؛ وذلك لغرض التزيين والتجميل لتلك الأواني. وغالبًا ما تزين به المجامر التي تستخدم للتبخير والتطييب، وكذلك الأواني الفخارية التي تستخدم لحفظ مياه الشرب، والتي تعرف بـ(جسفة). أما بقية الفخاريات فلا يتم تزيينها بدم الأخوين، كالتي تستخدم للحلب والأكل وغيره.
ومن استخداماتها المحلية أيضًا أن جذوعها وفروعها الميتة تستخدم في إيقاد النار للحيوانات، فهي تعطي دخانًا كثيفًا يناسب الحيوانات في إبعاد الديدان والحشرات المزعجة عنهم.
ولهذه الشجرة ثمار اسمها (شَنَبْهَر)، تستخدم علفًا للحيوانات، وخاصة الأبقار كغذاء مفيد لها. وتلك الثمار (شَنَبْهَر) تكون في نهاية فصل (قِيَط) وبداية فصل (دُوْتَأ)، ويصادف ذلك شهرَي أبريل ومايو من كل عام.
وتستخدم جذوعها مساكن للنحل (جَبْح)، فقد يكون في جوفها خواء يسكن فيه النحل وهي ما زالت على قيد الحياة. أمَّا حينما تموت وتسقط فيصير لها جوف خاوٍ، يتم تشذيبه وتهيئته كمساكن للنحل.
كما تستخدم أدوات للطرب (دْبُوْبَة)، حيث يقطع جذعها حتى تبقى بمقدار ذراع، ثم يتم تصليح جوفها وتشذيبه، ثم توضع على فم فتحتها قربة من جلد الغنم، وتُشَدُّ عليها كي تعطي صوتًا قويًّا عند الضرب عليها.
تستخدم كذلك لصناعة الحبال، حيث تفتل من أوراق هذه الشجرة، وكانت من أقوى الحبال وأصلبها وأمتنها. وطريقة صنعها هو أن يعمد الشخص إلى نوع معين من أشجار دم الأخوين، وهي التي لها رأس واحد فقط، أي التي لا فروع لها غير فرع واحد، ثم ينتزع القلب الذي في وسط تلك الشجرة، ثم يتم وضعه في الماء لعدة أيام حتى يرطب، ثم يتم فتله على شكل حبال. وتصنع منه الحبال التي تُربط بها، كما تصنع منه الشِّبَاك التي يصاد بها الغزلان.
كما أن زهورها صالحة كمراعٍ خصبة للنحل، والعسل الذي يخرج من تلك الزهور يعرف بلونه المائل إلى الاخضرار، ويميل أيضًا إلى كونه سائل أكثر من غيره من أنواع العسل الأخرى. وليس له فوائد خاصة به معروفة شعبيًّا كما يشيع بعض الناس على النت.
والذي يُحصد من تلك الشجرة نوعان؛ النوع الجيد والأغلى هو الفصوص الحمراء الخالصة من الشوائب التي يتم استخراجها من جذوع وفروع الشجرة، ويطلق عليه (أَمْصَهَل)، ويتم بيعها دون معالجة. والنوع الثاني هو أن يتم حصد المحصود مع شوائبه من القشور وغيره، ويطلق عليه (إيْدَع)، ويتم طحنه ثم طباخته ثم تشكيله على شكل خبز صغير الحجم، ثم يتم بيعه، وهو أقل سعرًا من النوع الأول.
وهناك قوانين وأعراف لحصاد تلك الشجرة. منها أنه يمنع حصادها إلا في وقت واحد يتم الإعلان عنه من قبل المسؤول في منطقة الحصاد، ومن حصد في غير الوقت المحدد يعد مخالفًا، وتطبق عليه العقوبات، ويكون هناك وقتٌ كافٍ للإعلان قبل الحصاد حتى يصل الخبر إلى كل من يريد المشاركة في الحصاد، ويمكن لأي شخص أن يحصد ولو لم يكن من أهل المنطقة، ويكون الحصاد من فترة أسبوع إلى أسبوعين أو ثلاثة ولا يزيد عليه، بعدها يتوقف الحصاد لمدة سنتين أو ثلاث؛ كي تستعيد الشجرة عافيتها ويكون محصولها أكثر. ويكون الحصاد مرتبطًا بالتاجر الذي يلتزم بشراء الكمية التي يتم الحصول عليها من كل من شارك في الحصاد، فإذا لم يتوفر المشتري لا يمكن الحصاد.
وهناك أسطورة تُحكى في الموروث الشعبي السقطريّ، مفادها أنَّ أشجار دم الأخوين كانت تُخرج ثمارًا تؤكل مثل ثمار النخيل، وكانت تمتلكها امرأة، فجاءها ملك على هيئة رجل جائع وطلب منها أن يأكل من تلك الأشجار، فقالت إنَّ ثمارها غير صالحة للأكل، فدعا عليها ثم ذهب، فرجعت تلك الثمار غير صالحة للأكل منذ ذلك الحين.
أما أسطورة هابيل وقابيل أو دم التنين التي نبتت منها تلك الشجرة، فليست من الموروث الشعبي السقطري في شيء، بل أتت مؤخرًا كأسطورة دخيلة.