يظن البعض أنّ الفساد هو الرشوة، وهذا غير صحيح.
ما هو الفساد؟ سأقول هنا تعريفي له بمفهومه الأشمل.
الرشوة فساد، الكذب العام فساد، رمي القمامة في الطريق العام فساد، اجتثاث شجرة من الشارع فساد، النفاق الاجتماعي فساد، السرقة فساد، والسرقة أشكال وألوان، المقبول منها سرقة الجائع.
الاستيلاء على المال العام فساد، الإهمال في العمل فساد، الغش في الاختبارات فساد، تزوير الشهادات واستمارات النجاح فساد، الغش في المشاريع العامة والخاصة فساد، التزوير في الانتخابات فساد، التزوير عمومًا آفة الفساد، القهر فساد، إفساد الحياة العامة فساد، الإفساد فساد.
صور الفساد في الحياة كثيرة ومتشابكة ومتداخلة، وفي ظل غياب وتغييب القانون يتحول إلى دولة داخل الدولة، ما هو الفساد حتى يبقى القارئ على بيّنة من الأمر؟
معلومات أساسية:
"إنّ الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر على جميع البلدان. فالفساد يقوض المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية، ويساهم في عدم الاستقرار الحكومي. الفساد يهاجم أسس المؤسسات الديمقراطية من خلال تشويه العمليات الانتخابية، تحريف سيادة القانون وخلق مستنقعات البيروقراطية".
الفساد موجود في العالم، لكن القانون أيضًا موجود وبقوة، ويطور العالم المتحضر قوانينه كلما دعت الحاجة وطور الفساد أدواته وأساليبه.
لذلك إذا ما كانت هناك نية مستقبلية -هذا إذا استعدنا البلد والدولة- فلا بد من إجراء عملية عامة تستأصل جذور الفساد التي ضربت حياتنا في الصميم وصار الفساد قاعدة والقانون استثناء، والإنسان العادي بسبب تدني الوعي يعتبر الرشوة وحدها هي كل الفساد.
ماذا عن الرشوة؟
"حق ابن هادي" التي يرددها الناس ولا يعرفون أصلها ولا من قائلها، شرح الأستاذ البردّوني مناسبة وجودها، وتتلخص الحكاية في الوفد الإنجليزي الذي جاء ليقابل الإمام يحيى، وعندما وصل إلى بداية السلسلة الجبلية رفض الشيخ هادي هيج السماحَ لهم بالمرور من منطقته إلا بأمر الإمام، والذي رفض استقبالهم عندما وصل إلى صنعاء، حلف الشيخ أغلظ الأيمان ألا يسمح لهم، عرض الوفد مبلغًا كبيرًا من المال أسال اللعاب، فاقترح أحدهم أن يستلم المبلغ ابن الشيخ، وهكذا جرت على ألسن الناس وصارت تشير إلى رشوة الموظف العام.
الرشوة استفحلت في حياتنا، وبرغم كل الشعارات، وبرغم كل الكلام، ترسخت يومًا فيومًا، ولم تفك خناقنا حتى اللحظة.
قال محمد صاحب الورشة: "ذهبت إلى مصلحة عامة لقضاء غرض شخصي، طلب مني الموظف الجلوس بجانبه وفتح الدرج، وأشار لي: "ضع المطلوب"، وضعت خمسة، رفض. عشرة، رفض. خمسة عشر ألف ريال، وافق، وهكذا.
الآن "هيئة الفساد" كما يسميها الناس -هذا إذا هي موجودة- لا تدري أنّ سببًا إضافيًّا يدفع الموظف إلى طلب الرشوة عيانًا جهارًا "عدم صرف المرتبات"، وهنا علينا أن نقف، هل يمكن للموظف الغلبان أن يعمل في الوظيفة من أول الدوام إلى آخره بدون مرتب؟ على الهيئة أن تجيب، والرشوة الصغيرة تؤدي إلى الكبيرة وإلى إفساد الحياة عندما تصبح سلوكًا يوميًّا ومشروعًا من وجهة نظر الموظف وفرصة دهاقنة الفساد لأن ينفذوا إلى ما هو أكبر.
الفساد موجود في العالم، لكن القانون أيضًا موجود وبقوة، ويطور العالم المتحضر قوانينه كلما دعت الحاجة وطوّر الفساد أدواته وأساليبه.
هناك اليوم الدولي لمكافحة الفساد والذي يدعو الإنسان إلى التبصر في أضراره، وتتم توعية المجتمعات بكيفية مكافحته، وهناك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي: "الصك العالمي الوحيد الملزم قانونيًا لمكافحة الفساد. إن نهج الاتفاقية البعيد المدى والطابع الإلزامي للعديد من أحكامها يجعلان منها أداة فريدة لوضع استجابة شاملة لمشكلة عالمية".
وبما أنّ الوعي يلعب الدور في مكافحته، فالبداية تكمن في تجديد المناهج الدراسية، وتسييد القانون، واحترام حق الإنسان في حياة كريمة نظيفة.
أما "الهدرة" التي يذهب بها الريح بعيدًا فلا تجدي، بل تزيد عدد الفاسدين.